السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

الفاتيكان الحزين جراء الحرب بفلسطين.. الامتداد المحتمل للصراع أمر مثير للقلق

البابا فرنسيس
البابا فرنسيس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحدث قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان هاتفيا مع الرئيس الأمريكى جو بايدن لما يقرب من عشرين دقيقة، أعرب خلالها بابا الفاتيكان عن قلقه إزاء ما يجتاح العالم من عنف فى مناطق عدة وبصفة خاصة الأراضى المقدسة وأوكرانيا، مؤكدا حاجة الإنسانية إلى تبصر طرق السلام. 

سبق هذه المحادثة التليفونية كلمات البابا فرنسيس، عقب صلاة التبشير الملائكى التى أعرب من خلالها على ألمه وحزنه العميقين جراء العنف الذى يعصف بحياة الأبرياء فى غزة وفى إسرائيل، مؤكدا صلاته وقربه من جميع المكلومين الذين يعانون جراء الحرب وبصفة خاصة أسر الضحايا.

“إن الوضع فى غزة يائس، من فضلكم ليتم القيام بكل ما هو ممكن لتجنب كارثة إنسانية، إن الامتداد المحتمل للصراع هو أمر مثير للقلق، ليتم إسكات الأسلحة، وليتم الإصغاء إلى صرخة السلام للفقراء والشعوب والأطفال”.

بهذه الكلمات غرد قداسة البابا فرنسيس يوم الأربعاء الثامن عشر من أكتوبر، معبرا عن موقف الأعتاب الرسولية للفاتيكان بروما مما يحدث من صراع يدفع ثمنه الأطفال والأبرياء بصفة خاصة فى قطاع غزة حياتهم أمام قوة إسرائيلية غاشمة. فى ذات اليوم غرد الحبر الأعظم مخصصا يوم الجمعة القادم 27 أكتوبر يوم صوم وصلاة وتوبة، داعيا من يحملون قضية السلام فى قلوبهم إلى الانضمام إليه فى هذا اليوم، بحسب كلمات البابا “أدعو لكى ينضم إليه بالطريقة التى يرونها مناسبة الأخوات والأخوة من مختلف الطوائف المسيحية، والمنتمين إلى ديانات أخرى والذين يحملون فى قلوبهم قضية السلام فى العالم”.

لم تكن هذه الكلمات هى الأولى التى يتحدث بها البابا فرنسيس بشأن ما يحدث فى الأراضى المقدسة، فغداة أحداث السابع من أكتوبر، تحدث البابا فرنسيس من شرفة الفاتيكان عقب صلاة التبشير الملائكى نهار الأحد 18 أكتوبر، مؤكدا قناعته من أن لا نصر مع العنف والحرب، فدوما الحرب تجلب الهزيمة لجميع الأطراف، يومها طلب البابا فرنسيس من أجل السلام فى فلسطين وإسرائيل قائلا: "أتابع بخوف وألم ما يحدث فى إسرائيل، حيث تفجر العنف بصورة شديدة، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى. أعرب عن قربى من عائلات الضحايا، وأصلى من أجلهم ومن أجل جميع الذين يعيشون ساعات من الرعب والألم. من فضلكم، يجب أن تتوقف الهجمات والأسلحة، ويجب أن نفهم أن الإرهاب والحرب لا يؤديان إلى أي حل، بل يؤديان فقط إلى موت ومعاناة العديد من الأبرياء، الحرب هزيمة: كل حرب هى هزيمة! لنصل من أجل السلام فى إسرائيل وفلسطين!".

عقب المقابلة العامة بساحة القديس بطرس بالفاتيكان نهار الأربعاء 11 أكتوبر 2023، تحدث البابا فرنسيس مؤكدا حاجة الشرق الأوسط للسلام لا إلى الحرب، وصف قداسة البابا يومها هذا مقومات هذا السلام القائم على العدل والحوار وشجاعة الأخوة بحسب وصف البابا. 

وصف العدالة هذا ليس غريبا عن خطاب البابا فرنسيس بشأن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، فمنذ تسع سنوات وبالتحديد يوم 25 مايو 2014، حط قداسة البابا إلى الأراضى المقدسة، وتحدث فى مطار بن جوريون وفى حضور قادة إسرائيل من بينهم زعيم حربهم الآن "بنيامين نتنياهو" عن حاجة الفلسطينيين والإسرائيلين إلى العدالة التى بدونها لن يتحقق السلام، مجددا دعوة سلفه طيب الذكر قداسة البابا بنيدكتوس السادس عشر التى أطلقها فى مطار بن جوريون أيضا يوم 11 مايو 2009 إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى أرضه ووطن أجداده، يومها تحدث البابا فرنسيس، قائلا: «أجدد النداء الذى أطلقه بندكتس السادس عشر من هذا المكان: ليتم الاعتراف عالميا بأن لدولة إسرائيل الحق فى الوجود والتنعم بالسلام والأمن داخل حدود معترف بها دوليا. وليتم الاعتراف كذلك بأن للشعب الفلسطينى الحق بوطن سيد، والعيش بكرامة والتنقل بحرية. ليصبح "حل الدولتين" واقعا ولا يبقى حلما».

موقف الفاتيكان من القضية الفلسطينية واضح ومعلن عبر باباوات الكنيسة خلال الخمسين عاما الماضية.

فى رسالته بمناسبة يوم السلام العالمى تحدث القديس يوحنا بولس الثانى مؤكدا أنه "لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون غفران"، فى 22 مارس من العام 2000، زار البابا البولندى "يوحنا بولس الثانى" الرئيس الفلسطينى يومها ياسر عرفات مؤكدا اعتراف الفاتيكان بحق الشعب الفلسطينى فى أرضه ووطن أجداده بسلام وأمان استنادا إلى القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. بعد كلمته هذا بيوم واحد وبالتحديد يوم 23 مارس 2000 وأمام نصب ياد فاشيم لذكرى محرقة الهولوكوست، حذر البابا يوحنا بولس الثانى قادة إسرائيل من تكرار مأساة الإبادة التى تعرضوا لها على يد النازى من أن يكرروها بحق الشعب الفلسطينى قائلا: "نود أن نتذكر. ولكننا نود أن نتذكر لغرض ما، ألا وهو ضمان عدم انتشار الشر مرة أخرى، كما حدث للملايين من ضحايا النازية الأبرياء. كيف يمكن للإنسان أن يكون لديه مثل هذا الاحتقار المطلق للإنسان؟ لأنه وصل إلى حد الازدراء بالله. فقط الأيديولوجية الملحدة هى التى يمكنها التخطيط وتنفيذ إبادة شعب بأكمله.

هذا الموقف عاد ليأكده طيب الذكر بنيدكتوس السادس عشر يوم زيارته لفلسطين وإسرائيل والأردن فى عام 2009. متنبها لأولئك المتذرعين والمتلاعبين بالدوافع الدينية لتحقيق أغرض سياسية، نبه العلامة اللاهوتى جوزيف راتزينجر إلى خطورة أن يصير الدين بمثابة الدافع الكامن للتوترات والانقسامات معربا عن قلقه من استخدام الدين كباعث لمختلف أشكال العنف، يومها استنكر البابا الألمانى الأمر معبرا عن أسفه قائلا: "من المؤكد أنه، للأسف، لا يمكن إنكار تناقض التوترات والانقسامات بين أتباع التقاليد الدينية المختلفة. ولكن، أليس كذلك أن التلاعب الأيديولوجى بالدين، أحيانا لتحقيق أهداف سياسية، هو المحفز الحقيقى للتوتر والانقسام، وأحيانا للعنف فى المجتمع؟".

لا ينفك البابا الأرجنتينى بيرجوليو "فرنسيس" يتحدث عن شبح الحرب العالمية على أجزاء بحسب وصفه، هناك بأوكرانيا، وهنا بالسودان واليمن وسوريا وليبيا ووسط وغرب أفريقيا، والآن وباشتعال نيران الحرب بين إسرائيل وحماس، ربما سيصبح العالم على بعد خطوات قليلة من ثالث الحروب العالمية، التى لا قدر الله وأن حدثت، فستصبح أولى الحروب التى سيبدأ فيها السلاح النووى الحرب لينهيها وينهى معها الحضور الإنسانى على وجه الأرض قبل أن ينتهى بموجات التغير المناخى العاتية.

يبدو البابا فرنسيس ومن خلفه الكاثوليك حول العالم قلقين على سلام يطلبون دوما من أجله ولكنه يبدو أمرا بعيد المنال مع ازدياد نفير الحروب يوما بعد آخر، فالصراع فى الشرق الأوسط لا تريد له إسرائيل أن يصير فقط بالقضاء على أعوان إيران بغزة وبجنوب لبنان، لا بل بعثت هجمات السابع من أكتوبر على الإسرائيليين صرخات رؤساء اليهود الذين طالبوا بصلب المسيح، داعين إلى الانتقام فى كل حد وصوب مفجرين حربا إقليمية ستقود إلى أخرى عالمية مبيدة.

ربما يتذكر البابا فرنسيس اليوم حزينا ومتأسفا، تلك الكلمات النبوية التى تحدث بها يوم 25 مايو 2014 أمام الرئيس محمود عباس عن أن غموض الموقف وغياب الحل عن أرض فلسطين، سيؤدى إلى ما يراه ويراقبه ومعه العالم بحزن أليم اليوم هذا الحال، تنبأ البابا فرنسيس قائلا: “يعيش الشرق الأوسط منذ عقود النتائج المأساوية لاستمرار صراع سبب جراحا كثيرة يصعب تضميدها، وعندما لا يكون العنف مستشريا لحسن الحظ، يولد غموض الوضع وانعدام التفاهم بين الأطراف حالة من انعدام الأمن ونكران الحقوق والعزلة ونزوح جماعات برمتها وانقسامات واحتياجات وآلام على اختلاف أنواعها”.

مع كلماته هذه يتذكر البابا كلمات طفل المخيمات الفلسطينى الذى التقاه البابا فرنسيس ومعه أطفال فلسطينيين آخرين بالمخيمات، تلك الكلمات التى لا تزال ربما ترن فى آذان فرنسيس: "بابا فرنسيس العزيز، نحن أبناء فلسطين. يعانى أهلنا من الاحتلال منذ 66 عاما. لقد تفتحت أعيننا تحت هذا الاحتلال وقد شهدنا النكبة فى عيون أجدادنا، عندما رحلوا عن هذا العالم. نريد أن نقول للعالم: كفى ألما وذلا!".

ربما لا يملك البابا فرنسيس اليوم ومن خلفه المؤمنين الكاثوليك لا بل جموع المؤمنين من مختلف الطوائف من مختلف الطوائف والأديان غير الدعاء إلى الله العلى القدير مستخدما ذات الطلبة التى تحدث بها فى الفاتيكان يوم الثامن من يونيه 2014 بحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس والرئيس الإسرائيلى يومها شيمون بيريز، داعيا اله السماء: “أيها الرب، إله السلام، اسمع تضرعاتنا!”.

لقد حاولنا مرات كثيرة، ولسنوات كثيرة أن نحل صراعاتنا بواسطة جهودنا، وحتى من خلال أسلحتنا؛ لحظات كثيرة من العداوة والظلام؛ دماء كثيرة سفكت؛ أرواح كثيرة هدرت؛ آمال كثيرة دفنت.. لكن جهودنا كانت بلا جدوى. الآن ساعدنا أنت يا رب! هبنا أنت السلام، علمنا أنت السلام، قدنا أنت نحو السلام. افتح عيوننا وقلوبنا وهبنا شجاعة القول “لا للحرب مطلقا!”، "بالحرب يدمر كل شيء!". 

ابعث فى داخلنا شجاعة القيام بأعمال ملموسة من أجل بناء السلام. أيها الرب، إله إبراهيم والأنبياء، يا إله المحبة الذى خلقتنا وتدعونا للعيش كأخوة، أعطنا القوة لنكون كل يوم صانعى السلام؛ أعطنا القدرة على النظر بإحسان إلى كل الأخوة الذين نلتقى بهم على دربنا. اجعلنا مستعدين للإصغاء إلى صرخة مواطنينا الذين يطلبون منا أن نحول أسلحتنا إلى أدوات سلام ومخاوفنا إلى ثقة وتوتراتنا إلى غفران. ابق شعلة الرجاء متقدة بداخلنا كى نتخذ بمثابرة صبورة خيارات الحوار والمصالحة، لينتصر السلام أخيرا.

ولتمحى من قلب كل إنسان هذه الكلمات: انقسام، حقد، حرب! يا رب جرد اللسان واليدين من السلاح، جدد القلوب والعقول، كى تكون الكلمة التى تجعلنا نلتقى كلمة "أخ"، ويصبح نمط حياتنا: شالوم، باشيه، سلام! آمين.