"الرضا" تلك العبادة الرحية التي أوصت بها كافة الديانات السماوية، وحثت عليها الفطرة الإنسانية السليمة، هي أبسط ما نحتاج إليه اليوم، في ظل حالة اقتصادية يعاني منها الجميع، لكن للأسف يضجر بالشكوى فيها معظم المستورين، بينما يتحلى الفقراء والمحتاجون بـ"الرضا بالمقسوم"، بوصفه عبادتهم الخاصة، التي يتقربون بها إلى الله.
أم سامح سيدة في العقد السادس من عمرها، أرملة منذ عشر سنوات، ومن وقتها وهي تتحمل مسئولية أسرة كاملة، مكونه من ٤ أولاد (بنتين وولدين)، حيث تعول هذه الأسرة برأس مال لا يتعدى ٣٠٠ جنيه، فهي تجلس يوميًا في سوق قحافة، بمدينة طنطا، من السادسة صباحًا، وحتى الرابعة عصرًا، وراء "فرشة خضار"، هي كل ما تملكه من الدنيا؛ لتوفير الطعام والكساء والدواء لأسرتها.
قالت لنا: "اسمي أم سامح، من المنوفية، باجي كل يوم لسوق قحافة بطنطا، علشان أبيع الخضار والكرفس والشبت، وبترزق من أوسع الأبواب.. عندي ٤ أولاد؛ ولدين وبنتين، كلهم على باب الله، رزق يوم بيوم، كلهم متزوجين، وعندهم أولاد، وكل واحد ربنا يعينه علي نفسه، وبساعد بنت منهم، ظروفها صعبة، فبشتغل علشاني وأولادي".
وتضيف أم سامح: “بعد وفاة زوجي وأبو أولادي، اضطريت أنزل اشتغل علشان أقدر أعيش، وآكل وأشرب، ولأن القعدة وحشة، وما فيش أحلى من الشغل، للست اللي لوحدها، علشان تكفي بيتها”.
وتابعت: "أبدأ يومي من ٦ الصبح، أنزل السوق، وأفرش فرشتي، في نفس المكان، بالخضار والشبت والكرفس والجرجير والنعناع، وأبيع طول اليوم، لحد العصر، أخلص وأروح بيتي، أرتاح شوية، وبعدين أكلم تاجر الخضار يحجزلي حصتي من الخضار".
وتقول: "الصبح أعدي على التاجر آخد حصتي، وبترزق والحمد لله، يوم بـ١٠٠ جنيه، ويوم بـ١٥٠ جنيه، وأوقات مافيش غير ٢٠ جنيه، يعني في أيام بيكون فيها البيع والشراء قليل، باصبر واستني، وربنا بيكرم، والحمد لله على نعمه الرضا، وأهم شى الستر من عند الله".
وتواصل أم سامح حديثها قائلة:" أنا راضية، الحمد لله، بالرزق الكتير والقليل، ويوم بيشيل يوم، وبكفي نفسي، وبساعد بنتي وأولادها، لأن زوجها أوقات يشتغل وأوقات لا".
وتختتم بقولها: "الشغل مش عيب، العيب إني أشحت، أو أسأل الناس، علشان كده بعد وفاة زوجي، منذ ١٠ سنين، قررت أنزل أشتري الخضار وأبيعه، وبستحمل البرد والتعب عشان أكل العيش، والحمد لله على ستره وكرمه، والرضا بيهون كل شيء، بيهون برد الشتا، وحر الصيف، وفرشه الخضار هي رأس مالي، وستر ربنا الكنز الحقيقي اللي عايشين به".