بعد نحو عقدين من أحداث 11 سبتمبر 2001، لا يزال المسلمون يشعرون مرةً أخرى أنَّهم مواطنون من الدرجة الثانية في الغرب. وعندما ينظرون إلى محنة المدنيّين في فلسطين، لا يسعهم إلا أن يشعروا بأنّ حياة الفلسطينيين لا تساوي حياة الإسرائيليين. إن كلمات التعاطف التي أطلقها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تبدو جوفاء، خاصةً لعدم تطابقها مع أقواله. فهو لا يستطيع أن يتعاطف بصدق مع أولئك الذين قُتلوا أو جُرحوا في الهجوم على المستشفى الأهلي في غزة، بينما يستخدم حق النقض في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، بهدف منع صدور قرار يدعو "إسرائيل" إلى وقف النار، والسّماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة.
لا يستطيع بايدن أن يزعم، أنه لا يوجد مكان للكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، ومع ذلك فهو يثير "هستيريا الحرب" بزعمه الكاذب، بأنه رأى صور أطفال تقطع رؤوسهم على أيدى مقاتلي حماس. وقد تراجع المتحدث باسم البيت الأبيض عن هذا الزعم لاحقًا، ولكن بعد أن وقع الضرر. وسائل الإعلام نقلت هذا الزعم باستفاضة، بينما لم تهتم بما تعرّض له صبي فلسطيني أمريكي (6 أعوام)، من طعن حتى الموت، على يد مالك منزل عائلته في شيكاغو.
وفي الوقت نفسه، صرّح السيناتور الأمريكي، ليندسي جراهام، على قناة "فوكس نيوز" قائلًا: "نحن في حرب دينية، وأنا أقف مع إسرائيل، من دون اعتذار".. وهذا هو نوع الخطاب التحريضي الذى تمّ تشجيعه في "الحزب الجمهوري"، ليس فقط خلال فترة إدارة دونالد ترامب السابقة، بل في مرحلة رئاسة جورج بوش الإبن أيضًا، الذي شن حروبًا على أفغانستان والعراق. ومع ذلك، هذه المرة، لم يقتصر إصدار النغمات الدينية على الجمهوريين وحدهم.
وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، استهلّ كلمته في تل أبيب بأنه حضر إليها "بصفته يهوديًا"، وليس بصفته الرسمية فقط، تأكيدًا على"إسرائيليته".. مثل هذه اللغة ينفر بها المسلمين بشدة. من المفهوم أن يسعى الغرب لضمان مصالحه عبر ضمان أمن إسرائيل، لكن المهاجرين المسلمين إلى الغرب يريدون أيضًا الأمان لأحبائهم، ولا يريدون أن تُشن الحروب في بلدانهم الأصلية.
فالمعايير المزدوجة تصبح واضحةً للغاية عندما يتمُّ سماع جانب واحد فقط، ويتمُّ إسقاط الجانب الآخر باستمرار. إنها تجعل المسلمين يتساءلون عما إذا كان سيتم السماح لهم بالتعبير عن أنفسهم بصورة مناسبة، أو التأثير على سياسة الحكومة.
تجاوز الجيل الثاني والثالث من المسلمين في الغرب الدراسة في المجالات التقليدية، مثل الطب والهندسة، وولجوا إلى عالم السياسة والصحافة والأوساط الأكاديمية وصناعة الرأي العام. ومع ذلك، شعر الكثير منهم في الأسبوع الماضي، إما بالعجز أو بالخوف.
عضو الكونجرس الأمريكي، رشيدة طليب، الوحيدة من أصل فلسطيني بين زملائها، غردت في موقع "إكس": "لا أستطيع أن أصدق أنني يجب أن أتوسل بلدي وزملائي في الكونجرس لكي يقدروا حياة كل إنسان، بغض النظر عن عقيدته أو عرقه".
قام الوزير الأول في إسكتلندا، حمزة يوسف، وهو من أصل باكستاني وزوجته من أصول فلسطينية، بنشر عدة مقاطع فيديو لوالدَي زوجته العالقين في غزة، مع القليل من الطعام والماء، لكنه يبدو عاجزًا بالقدر نفسه عن إقناع زملائه في حكومة المملكة المتحدة لوقف الأزمة الإنسانية في غزة، في وقت سارع فيه رئيس الوزراء، ريشي سوناك، إلى إسرائيل بهدف إظهار دعمه، ولم يتواصل مع حمزة يوسف من أجل التعبير عن قلق أو اهتمام بمصير عائلته على الأقل.
الحكومة اليمينية في المملكة المتحدة، وحكومة فرنسا "الوسطية"، مع الإدارة ليسار الوسط في الولايات المتحدة، تجتمع حول التوجه نفسه في السياسة الخارجية، حيث يغيب العدل ويحضر الكيل بمكيالين، ما يجعل العديد من المسلمين في الغرب يشعرون بالغضب، وكأنهم وقضاياهم السياسية أيتام على مائدة الحكام.
يتزايد الشعور بخيبة الأمل بين المسلمين في المملكة المتحدة، من المعارضة والحكومة على حد سواء. وفي الأيام القليلة الماضية، استقال العديد من المستشارين المسلمين من "حزب العمال"، لأنهم شعروا أن التَّصريحات التي أدلى بها زعيم الحزب، كير ستارمر، المؤيدة لـ"إسرائيل"، لا تمثلهم.
الصحفيون المسلمون في الغرب، معرضون لخطر فقدان وظائفهم في حال تجرأوا على التشكيك في السردية السائدة بشكل دوجمائي بشأن أحداث غزة.. آدم المحرق من صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" اعترض على سبيل المثال، على إدعاءات "الأطفال الإسرائيليين مقطوعي الرؤوس"، وأشار إلى أنها "لم يتم التحقق منها ومشكوك فيها"، فتعرض للنقد الواسع من قبل زملائه، ولحملة افتراء على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويواجه الطلاب في الجامعات الغربية أعمالًا انتقاميةً في حال مساندتهم المظالم التى يتعرض لها الشعب الفلسطيني.. في الولايات المتحدة أصبحت عروض العمل المقدمة لطلاب جامعتي هارفارد وكولومبيا، تستثني من لديهم وجهة نظر مختلفة عن الخطاب السائد بشأن "الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني"، بحجة أن مواقفهم لا تتماشى مع آراء أصحاب العمل المحتملين، حيث يطلب أصحاب الشركات قوائم بأسماء هؤلاء، من أجل تعريض مستقبلهم المهني للخطر.
الطبيب البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي يعمل في غزة من أجل المساعدة في الأزمة الإنسانية، اشتكى من إرسال شرطة مكافحة الإرهاب الإنجليزية إلى منزله في لندن بهدف مضايقة أفراد عائلته. وكانت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، قد حاولت تجريم التلويح بالعلم الفلسطيني، بينما حظرت فرنسا وألمانيا مسيرات التضامن مع فلسطين.
بالنسبة للمسلمين الذين بلغوا من العمر ما يكفي ليتذكروا أحداث 11 سبتمبر 2001، فإن هذا يًعد بمنزلة تجربة سابقة. لكن الفرق هذه المرة هو أن وسائل الإعلام الغربية لم تعد تحتكر الأخبار. هناك قنوات إنجليزية بديلة تركز على الأزمة الإنسانية الخطرة في غزة، كما تتيح وسائل التواصل الاجتماعي للعالم مشاهدة مقاطع الفيديو التي سجلها المتضررون مباشرةً.
بينما تتدفق الأخبار من المصادر المختلفة، يتم التعاطف معها أو نقدها فارضةً على الغرب الانتباه إلى ما يمكن أن يؤدي إلى استقطابات حادة، تقسم المجتمعات المتعددة الثقافات بصورة خطرة. وإذا لم يتم بذل جهود عاجلة من أجل جعل الخطاب الحالي أكثر شموليةً لجميع المجتمعات المتأثرة من الصراع الحالي، سيكون من الصعب الإصلاح لاحقًا، لا سيما أن التغيرات الديموغرافية في العقدين الماضيين أدت إلى وجود أعداد كبيرة من السكان المسلمين في أبرز العواصم الأوروبية.
ويبلغ عدد السكان المسلمين في لندن وباريس نحو 15%، وبروكسل 25%، وبرمنجهام 30%، وفي بعض المدن في فرنسا تصل النسبة إلى 50%. ومن غير المستدام ببساطة حرمان مثل هذه المجموعات الكبيرة من الحق في حرية التعبير السياسي والكلام. ويجب الاستماع والإصغاء إليهم.
نقلًا عن موقع Counterpunch الأمريكى