مخاطر إرهابية تنتظر دورة الألعاب الأوليمبية 2024
في الوقت الذى ستستقطب باريس الاهتمام العالمي لمدة أسبوعين في الصيف المقبل فمن الممكن أن يستفيد الجهاديون من هذا الصدى الإعلامي الهائل.. إنه تحد كبير تواجهه الشرطة واللجنة المنظمة: كيف يمكن تأمين حدث متعدد المواقع مع مرور الوقت، وتوقع وجود مليوني سائح منتشرين في جميع أنحاء منطقة باريس والمدن الكبرى (نيس، مرسيليا، بوردو، نانت)؟ من حفل الافتتاح على طول نهر السين لمسافة اثني عشر كيلومترًا، إلى القرية الأوليمبية في سان دوني فإن احتمال ممارسة الإرهابيين لدور ما سيظل قائمًا للأسف.
وأعلن العالم المتخصص في الجريمة آلان باور علي قناة فرانس ٥ قائلًا إن "حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس هو جنون إجرامي"، مضيفا أنه "لا يوجد شيء من وجهة نظر الأمن والسلامة للرياضيين والمنظمين والجمهور إلا وعرضة للخطر".
ولا شك أن الجهاديين من تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية لديهم العديد من الأسباب لمهاجمة فرنسا، فدعونا نستعرض سلسلة الاتهامات التي ينهالون بها على فرنسا:
أولًا: إن فرنسا "أرض الرسوم الكاريكاتورية" للنبي محمد.. وقد أوضح الرئيس ماكرون خلال خطابه الذي أشاد فيه بصموئيل باتي هذه النقطة: "سنواصل يا أستاذ. سندافع عن الحرية التي علمتمونها جيدًا وسنتمسك بالعلمانية ولن نتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية حتى لو تراجع الآخرون” (خطاب في جامعة السوربون، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٠).
ثانيًا: كانت فرنسا في طليعة الدول التي تكافح الحركات الجهادية التي يجب أن تقاوم. وهناك العديد من القادة الجهاديين الذين تم استهدافهم بالانتقام.. بين عامي ٢٠١٤ و٢٠٢٣ قتلت عملية برخان ٢٨٠٠ جهادي، من بينهم القادة: عبد المالك دروكدال من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وعدنان وليد الصحراوي من تنظيم الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى ويقوم الجهاديون بالتجنيد والتوسع أكثر فأكثر في مالي، حيث يزدهرون ويجهزون حملاتهم نحو الشرق إلى النيجر وكذلك ضرب بوركينا فاسو وتوجو. وفي تشاد فإن بوكو حرام هي التي تشكل مشكلة في حين يستعيد تنظيم الدولة الإسلامية قوته في شبه الجزيرة العربية. تحلم العديد من المجموعات المختلفة بتسليط الضوء على وسائل الإعلام لتمييز نفسها عن بعضها البعض. وتتزايد المشاعر المعادية للفرنسيين في بعض البلدان الأفريقية، ويمكن أن يكون الشتات الافريقي في فرنسا أرضًا خصبة للتجنيد. إن تدفق المهاجرين أو إيقاظ الخلايا النائمة الموجودة بالفعل في أوروبا، أو دخولهم فرنسا بشمول نظامى أو غير نظامي لأمر سهل.
ثالثا: إن قضية منع العباءة فى المدارس لم ترض كثيرًا من المسلمين، خاصة السلفيين الذين ترتدى بناتهم هذه العباءة. لقد شهدنا ظهور الآلاف من ردود الفعل على شبكات التواصل الاجتماعي حيث شهر بفرنسا واتهمت بالتعنت ويُنظر إلى الشكل الجمهوري للنظام على أنه آلة لإنكار الممارسات الإسلامية منذ صدور قانون الرموز الدينية في المدارس عام ٢٠٠٤، والذي تعرض لانتقادات شديدة من قبل العشرات من خطباء الإخوان العاملين في المساجد الفرنسية. وفي عقيدة الإخوان، فإن معارضة ازدهار الإسلام تعتبر سببًا للحرب.
رابعًا: برز ضعف فرنسا الأمني خلال أعمال الشغب التي أعقبت مقتل السائق نايل، حيث تمت مهاجمة وتحطيم ٢٦١ مركزًا للشرطة دون رد قوي مما أعطى زخمًا لآلاف الأفراد الذين استهدفوا إذلال فرنسا و"حرقها".. لقد دعم قادة الرأي في مجرة الإخوان بشكل كبير مثيري الشغب على شبكات التواصل الاجتماعي، وأظهرت حادثة مباراة ليفربول وريال مدريد عجز الشرطة أمام المنحرفين الذين يتحركون في أسراب، وما يمكن قوله عن الأحداث الباريسية يشبه الألعاب النارية في رأس السنة حيث يخرج السائحون مصدومين وهم يرون مشاهد العدوان غير المعلنة ولكنها شديدة للغاية.. فى الحقيقة، إن الشرطة غير قادرة بالفعل على تأمين Champ de Mars ومحيط Trocadéro و Montmartre في المساء، فكيف ستفعل في الصيف المقبل؟
خامسًا: في الحقيقة سيكون للصراع الدموي بين حماس وإسرائيل تداعياته بالفعل على أراضينا إذ تم تهديد اليهود بالقتل في الحافلات وقطارات الأنفاق وفي الشوارع (تم تسجيل العديد من الحالات في الأيام الأولى التي تلت ٧ أكتوبر). لقد دافع العديد من الأئمة وخطباء الذين يعملون في المساجد العريقة عن حماس. وترفع البلديات الفرنسية الكبرى العلم الإسرائيلي تضامنًا مع إسرائيل، الأمر الذي يزيد من إثارة مشاعر الإسلاميين الفرنسيين الذين يعتبرون ذلك دعمًا غير مشروط لحكومة نتنياهو التي تستخدم أساليب متطرفة. إن حرمان سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة من الكهرباء والماء والقوافل الإنسانية وهم ليسوا جميعًا من المنتمين لحركة حماس في حين تقصف اسرائيل بلا مبالاة المناطق المكتظة بالسكان.. كل ذلك من شانه أن يغذي الرغبة في الانتقام لدى الإسلاميين الأوروبيين الذين لا يستطيعون التحرك إلا عن كثب في المناطق التي يقيمون فيها. ويعد برج إيفل المضاء بالعلم الإسرائيلي رمزًا قويًا ومعلمًا للناشطين الذين بدأ بعضهم بالفعل يصورون أنفسهم على تيك توك وهم يتقلدون بنادق الكلاشينكوف ويطلقون منها الرصاص احتجاجًا على ذلك.
كما أن أماكن العبادة اليهودية ليست بمعزل أيضًا عما يمكن أن يحدث، إذ سيتم حماية ٥٠٠ معبد يهودي بالإضافة إلى المواقع الأوليمبية ومنازل السياسيين ورؤساء البلديات والصحفيين الخاضعين للحماية بالفعل في شهر أكتوبر. هل يمكننا الاعتماد على شركات الأمن الخاصة؟.. إن العدالة تلقي بالذنب علي ضباط الشرطة الذين يستخدمون القوة ضد الجانحين. في سبتمبر ٢٠١٤، كتبت في دراسة استطلاعية لمعهد ويكيسترات أن هجومًا إرهابيًا واسع النطاق سوف يحدث في فرنسا في النصف الأول من عام ٢٠١٥. وآمل أن أكون مخطئًا ولكن الخطر سيكون أعظم في الصيف المقبل.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي السيناريوهات المحتملة لهذا الخطر؟ هجمات على المركبات قد تتسبب في الاختناقات المرورية الضخمة في إيل دو فرانس.. هجوم مسلح على فنادق الفرق الدولية وأماكن تقديم الطعام ومخارج الاستادات.. دخول للجهاديين قد يصعب رصده ومسلحين بالسكاكين في مترو الأنفاق والمتاجر والمطاعم والمواقع السياحية... لم يبق أمامنا سوى أشهر قليلة لنعرف ما إذا كانت وزارة الداخلية جاهزة لهذا الحدث وما إذا كانت قد تمكنت من فرض إجراءاتها الأمنية على المنظمين الذين يبدو أنهم يهيمون في عالم آخر.
يواكيم فيليوكاس: باحث فرنسي مستقل.. في عام 2006 نشر أول دراسة له عن "أسلمة فرنسا" حيث قام بتحليل الجمعيات والاتجاهات الإسلامية التي تتطور في فرنسا. وفي عام 2007 أسس "مرصد الأسلمة".. وفي عام 2010، تناولت دراسته الثانية، "هؤلاء العمد الذين يحاكمون الإسلام السياسي" العلاقات بين السياسيين والجمعيات الإسلامية، ولا سيما التمويل العام الذي تحصل عليه هذه الجمعيات من خلال الرعاية الانتخابية.. ينضم للحوار، ويكتب عن المخاطر الإرهابية المحتملة أثناء دورة الألعاب الأوليمبية التى تقام، العام المقبل، فى عدة مدن فرنسية.