الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ليا رازو تكتب: فشل الاستخبارات الإلكترونية!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحداث 11 سبتمبر الإرهابية “صورة أرشيفية”

الاعتماد على التكنولوجيا فقط لا يكفى فى عمل الأجهزة الأمنية

منذ هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، تتكرر نفس النغمة حتى ولو كانت خافتة ولكنها تصم الآذان بعد كل هجوم. لقد برزت حينها عيوب الاستخبارات وعدم قدرتها على التنبؤ بالأحداث. وكانت المعلومات مجزأة وبالتالى لم يتم تفسيرها وبعد عشرين عاما، يتكرر فشل المخابرات الأمريكية فى إسرائيل. وحتى الموساد «اليقظ دائمًا»، هدأ واستكان لهدوء حماس الذى سبق العاصفة.. كل ذلك بمثابة تأملات فى شواهد متكررة.

ويؤكد الكاتب الإسرائيلى والعضو السابق فى المخابرات العسكرية الإسرائيلية، رافائيل جيروسالمى قائلًا: «كانت القرائن والدلالات موجودة، ولكن تم تفسيرها بشكل خاطئ. فقد كان من المستحيل عدم رصد تحركات المعدات ومنصات الإطلاق. وهنا، من الضرورى التأكيد على سوء تفسير الحقائق والوقائع».

وتمامًا كما حدث فى الأيام التى سبقت هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ عندما لاحظنا أمرًا غريبًا على المستوى المحلي، كان قد أثار القلق. فقد رأينا فى الواقع أن بعض الطيارين المتدربين، قد أصروا على عدم تعلم كيفية الهبوط، ولم يتم نقل هذه المعلومات إلى المحللين فى وكالة المخابرات الأمريكية إلا بعد الأحداث، ونعرف بقية الأحداث حيث تحطمت الطائرات على البرجين.

من الواضح أنه لم يتم نقل المعلومات أو ما هو أسوأ من ذلك، لم يتمكن أحد من تفسيرها، تمامًا كما حدث حين كان من المفترض أن يقوم المحللون فى وكالة المخابرات الأمريكية CIA بالشك فى مسألة فك تشفير الرسائل المفيدة بين العاصمتين.

إلا أن هذه الرسائل لم تتم ترجمتها من العربية إلا فى ١٢ سبتمبر ٢٠٠١! وهذا ببساطة بسبب نقص الموظفين القادرين على ترجمتها وتفسيرها فى الوقت المناسب. إنها تلك المعلومات التى نصفها بـ"الرمادية أو الضبابية" والتى يجب أن نبذل الجهد للعمل عليها وتفسيرها، لأن التجربة قد أثبتت أننا لا نستطيع الاعتماد على الإلكترونيات.

المعلومات أساس الاستخبارات

إن المعلومات هى شريان الحياة لأى مؤسسة وتعد أيضًا نوعًا من التحدى الاقتصادى الكبير ولكنها أيضًا مسألة استخباراتية. ولمسألة المعلومات ثلاثة أوجه رئيسية: المراقبة التكنولوجية والاستخبارات وكذلك تحليل الاستخبارات الجنائية.

وحتى لو لم يكن للرصد التكنولوجى والاستخبارات وتحليل الاستخبارات الجنائية، نفس الأساليب لتتبع المعلومات؛ فإنه يظل من الصحيح أن المعلومات وتحليلها تعتبر أساس هذه الأنشطة الثلاثة.

وقد لخص عالم الاجتماع أوجوست كونت أهمية المعلومات فى "المعرفة من أجل التنبؤ حتى نتمكن من التصرف". ولذلك فهى وسيلة تهدف إلى اكتساب المعرفة التى تهدف إلى المساعدة فى اتخاذ القرار.

وبالنسبة لجان لويس إرمين، وهو خبير فى إدارة المعرفة، فإن المعرفة ليست سوى "معلومات تأخذ معنى معينًا فى سياق محدد"؛ مما يعنى أن للسياق أهمية كبيرة قادرة على تحويل المعلومات إلى معرفة وهذا يتطلب محللين لديهم ثقافة واسعة، ولغويين وأشخاصًا مدربين على تقنيات البحث.

وفى السنوات الأخيرة، رأينا أن تدويل التجارة قد سلط الضوء على أهمية معالجة المعلومات فى الاستخبارات الاقتصادية وكذلك المراقبة الاستراتيجية.

وفى مارس ٢٠٠٤، دفعت هجمات مدريد بعض المتخصصين إلى التشكيك فى دور المعلومات وعدم قدرة أجهزة الاستخبارات على استخدام "المعلومات الصحيحة فى الوقت المناسب".

ارتفعت الأصوات، بما فى ذلك صوت المتخصص فى مجال الاتصالات الكاتالوني، رومان جوبيرن، لانتقاد اختيار نموذج المعلومات الذى لم يعد يعتمد على قدرة الإنسان على التحليل أو التنبؤ، بل على الإيمان المبالغ فيه بقوة التكنولوجيا.

فى ذلك الوقت، أعرب الخبير عن أسفه لحقيقة أن هذه "الأجزاء" قد حلت محل قوة التفكير، حتى أنه ذكر ذلك فى مقال نشر فى صحيفة "إل باييس" الإسبانية بعد يومين من الهجمات تحت عنوان: "اللامركزية الساذجة”.

ولكن منذ أحداث ١١ سبتمبر المأساوية فى عام ٢٠٠١، لم تفهم الحكومات بشكل كامل المشكلات التى تولدها المعلومات المشروطة بالتكنولوجيا.

كل هذه الأحداث، بما فيها تلك التى شهدتها إسرائيل، تكشف فشل أنظمة المعلومات التقليدية المعتمدة حصرًا على التكنولوجيا، مما يثير التساؤلات حول أسلوبنا فى البحث وفهم المعلومات، فضلًا عن قدرتنا على تحويلها إلى معرفة.

ولكى نفهم "لماذا" حدث ١١ سبتمبر، يمكننا الرجوع إلى كلمات ديفيد كاى (٢٠٠٤)، الخبير الذى كلفته وكالة الاستخبارات الامريكية بالعثور على أسلحة الدمار الشامل فى العراق.

فقد أبدى الخبير ملاحظة واستنتاجا مهما ألا وهو إفلاس المخابرات الأمريكية ونقصها فى الذكاء البشري، والذى يعود تاريخه إلى سنوات فيتنام.

الثقة المفرطة.. سم قاتل

من المؤكد أنه لتفسير التأثير المفاجئ للهجمات المسلحة، استشهدنا بالثقة المفرطة فى القدرة الأمريكية المطلقة والتقديس التاريخى لأراضيها. يمكننا أن نطبق هذا النموذج على إسرائيل التى رأت أن تكنولوجيتها هى أفضل نظام دفاع فى العالم، وبالتالى استقرت فى الراحة الفكرية وهذا يعد نوعا من الروتين الضار خاصة عندما نعلم أن الذكاء والروتين غير متوافقين.

لقد أخطأت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بإهمال مصدر أساسى للمعلومات: المعلومات الميدانية. وقد قادهم التفوق المطلق للتكنولوجيا إلى إهمال عنصر حاسم آخر: البساطة.

ومع ذلك، فإن عبور الحدود بالطائرات الشراعية أو حتى التواصل بإستخدام الحمام الزاجل وليس الهواتف المحمولة، والذى يمر دون أن يلاحظه أحد والذى يتجنب كل الاعتراضات المحتملة، كل ذلك أثبت أنه فعال للغاية. إنها جدلية السيد والعبد التى تنطبق على هذه الحالة حيث أصبحنا معتمدين بشكل مفرط على التكنولوجيا المتقدمة، فانتهى بنا الأمر إلى عدم ممارسة قدرتنا على التفكير.

لا شك أن التكنولوجيا تمثل نقطة قوة ولكنها أيضا نقطة ضعف فى الذكاء، لأنها تعزز الذكاء فى فكرة المناعة التى لا تقهر. لقد اعتمد الأمريكيون والإسرائيليون كثيرًا على تكنولوجيا الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار ونظام التنصت ECHELON، لتجنب النزول إلى الميدان والتسلل إلى الجماعات "المعادية"، وفقًا للوصفات القديمة الجيدة للتجسس التقليدي.

كنا نعلم أن الأقمار الصناعية وأجهزة الكمبيوتر لا يمكنها التقاط الاجتماعات ولا معالجة مليارات الكلمات التى تعترضها شبكة ECHELON يوميًا.

كما كنا نعلم أن قوة الحاسوب الكبيرة لهذه الدول لن تكون كافية لفك تشفير تدفق الرسائل، حيث يستخدم بعضها عمليات أكثر دقة أو قوة مما يسمح به القانون، مثل التلاعب بالصور على سبيل المثال.

وبالمثل، أهمل عالم الاستخبارات عمدًا ممارسة اللغات واللهجات حتى أن العديد من المحللين غير مدربين تدريبًا كافيًا على لغات بعض البلدان "المعرضة للخطر": "لقد شككنا فى أن الأجهزة الأمريكية لم يكن لديها ما يكفى من المتخصصين المدربين والمتعمقين لتغطية ١٨٠ دولة أو لغة.

ويقال إنه لم يكن هناك سوى عميلين يتقنان اللهجات التى يستخدمها المشتبه بهم لمعالجة المعلومات! ونظرًا لقلة المتخصصين، نرى اليوم الأجهزة الأمنية تسارع إلى توظيف مترجمين فوريين وهو أفضل من لا شيء".

بعد وقت قصير من هجمات ١١ سبتمبر، أثيرت أسئلة حول الأسباب الجذرية لفشل المعلومات وعدم قدرة الاستخبارات على توقع وإنتاج معلومات موثوقة، ويبدو أننا ما زلنا نتجه نحو طرح أسئلة عامة حول أنظمة المعلومات التى يستخدمها عالم الاستخبارات.

خاتمة

لقد تم اتهام المخابرات الامريكية بسبب إهمالها وتفضيلها للاستخبارات الإلكترونية على حساب الذكاء البشري. وينطبق الشيء نفسه بلا شك على الموساد الذى سيكون فى نظر الرأى العام مسئولًا عن عدم معرفته بكيفية البحث عن المعلومات وتحليلها بشكل متوازن وجيد، وبالتالى لم تتمكن من تقديمها إلى المسئولين.

يبدو أن عددًا معينًا من المعتقدات المتعلقة بالقدرة المطلقة للتكنولوجيا على وشك السقوط ولكن بعد مرور أكثر من عشرين عامًا، ماذا تبقى من هذه الطلقة التحذيرية التى تمثلت فى هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١؟.

يبدو أن كل شيء يشير إلى أنه لم يتغير سوى القليل وأن السلطات الأمريكية تواصل تفضيل التكنولوجيا، ونعلم جيدًا أن الاستخبارات يتم تنفيذها، أولًا وقبل كل شيء، على كوكب الأرض.

وفى ٢١ سبتمبر ٢٠٠١، أطلق الأمريكيون صاروخ توروس المسئول عن وضع قمر صناعى متطور للتصوير فى مداره وذلك بهدف تحديد مواقع الإرهابيين فى أفغانستان.. انتهى الإطلاق بالفشل الذريع.

وبعد دقائق قليلة من إطلاق الصاروخ، اشتعلت النيران فى المرحلة الثانية فى منتصف الرحلة، وسقط القمران الصناعيان OrbView  وQuick Toms فى المحيط الهندي.

ومع ذلك، فقد سلط فشل هذه المهمة الضوء على عدم فعالية تلك الأساليب من التتبع وأن كل شيء يعتمد على المعلومات التى يتم إنشاؤها وجمعها فى الميدان والتى يتم تحليلها من خلال البيانات المرجعية حتى لا تبقى فى مرحلة الجمع البسيطة.

وهناك حدث مهم آخر وقع فى ديسمبر ٢٠٠٣، حيث أثبت نظام ايشيليون، حجر الزاوية فى الاستخبارات الأمريكية، حدوده مرة أخرى: بعد المعلومات الصادرة من قواعده، نقلت وكالة المخابرات المركزية إلى وكالة دى إس تي  DST  والمديرية العامة للأمن الخارجي، أسماء ستة أشخاص تم التعرف عليهم بواسطة النظام باعتبارهم إرهابيين خطرين، بكل بساطة لأن أسماءهم تشبه إلى حد كبير أسماء المطلوبين.

كما أشار روبرت باور، عميل وكالة المخابرات الامريكية السابق، فإن التكنولوجيا فى اتخاذ القرار والاستخبارات لا يمكن أن تكون المصدر الوحيد للمعلومات دون القدرة على تفسيرها، فإن تلك المعلومات ستظل غير فعالة.

ويتمتع علم اللغة بمكانة خاصة فى أنظمة المعلومات وفى المراقبة التكنولوجية وبالطبع فى الاستخبارات والتحليل الجنائي، وهو مكان ظل محرومًا منه حتى الآن بشكل أو بآخر، لأن صناع القرار فضلوا التكنولوجيا على حساب النهج اللغوى فى حل المشكلات المعاصرة.

ويعتمد نظام ايشيليون، حجر الأساس فى نظام الاستخبارات الأمريكي، على اعتراض الكلمات المفتاحية. ومع ذلك، فإننا نعلم أن بعض الأهداف تعلمت كيفية حماية نفسها من الاعتراضات وأصبحت تعرف كيفية التحايل على الفخ الذى تشكله الكلمة الرئيسية. إن هؤلاء قادرين على إحباط فخاخ الأنظمة المتطورة للغاية بمجرد أن يعرفوا طريقة عملها.

وتتمثل الحيلة فى تجنب استخدام ما يسمى بالكلمات "الحساسة"، نظرًا لأن الكلمات الرئيسية التى يتم إدخالها فى نظام ECHELON مرتبطة بالأخبار الفورية. وغالبا ما يتيح لك استخدام المرادف لتلك الكلمات فرصة نقل رسالة مهمة دون إثارة أدنى شك.

وعلى نحو مماثل، من الممكن أن تكون المصطلحات المستعارة من اللغة "العادية" محملة بمعانى أخرى حتى لا تثير شكوك المحللين.

وهذا التتبع للمعلومات يتطلب، من ناحية، متخصصين فى اللغة، ومن ناحية أخرى، متخصصين فى معالجة المعلومات. لكن من المعروف أن أمريكا تفتقر إلى اللغويين والمحللين كما يشير ديفيد كاي: "لدينا مشاكل فى التجنيد لأن معرفتنا قليلة بثقافات ولغات الدول الحساسة"!

ليا رازو ديلا فولتا: حاصلة على درجة الدكتوراه فى علوم وتقنيات اللغة والقانون العام. عضو مركز الأبحاث بجامعة كوت دازور (CERDACFF) والمؤسس المشارك لمؤسسة Think Tank Status Quo Media المتخصصة فى الجغرافيا السياسية وعلم الجريمة.. تكتب عن تغلب الفلسطينيين على أجهزة الأمن الإسرائيلية فى هجومهم المباغت يوم 7 أكتوبر، وترصد فى هذا الإطار، تاريخ وأسباب فشل المخابرات الأمريكية والغربية بشكل عام فى التنبؤ بأحداث عديدة.