على بعد 70 كم جنوب غرب القاهرة في الصحراء الغربية، تقع مدينة الفيوم، أكبر واحة طبيعية في مصر، والتي لقبت بـ«مصر الصغرى»، باعتبارها صورة جغرافية مصغرة للقطر المصري، حيث توجد بها بحيرة قارون في الشمال مثل البحر الأبيض المتوسط، وترعة بحر يوسف أحد فروع نهر النيل القديمة في الوسط، بالإضافة لامتلاكها كنوز أثرية متنوعة من جميع العصور المصرية القديمة، اليونانية الرومانية، القبطية والإسلامية.
على مر العصور
عُرف إقليم الفيوم باسم «با – اليم» أي البحر نسبة إلى البحيرة الموجودة في الإقليم، والتي أُطلق عليها اسم «مر – ور» أي البحر الكبير، ثم حرفت في اليونانية إلى «موريس» وحُرفت «با – يم» إلي «بيوم» في اللغة القبطية ثم «فيوم» ثم أُضيفت لها الألف واللام في الفتح العربي.
لكن الفيوم حملت أسماء أخرى منها «شيدت» وتعنى البحيرة، و«تا-شي» وتعنى أرض البحيرة، أو «شي- رسي» وتعني البحيرة الجنوبية.
وفي العصر البطلمي، أطلق اليونانيون عليها اسم "كروكوديلوبوليس" بمعنى مدينة التمساح معبود الاقليم، وفي عهد" بطليموس الثاني فيلادلفيوس" أطلق الملك اسم اخته وزوجته" أرسنوي" على مقاطعة الفيوم ككل، فأصبح إقليم الفيوم يعرف باسم" أرسينوي".
تاريخها
كان منخفض الفيوم قديما عبارة عن بحيرة كبيرة وبعد انحصار المياه في العصر الحجري القديم عن البحيرة بالتزامن مع تعرض مصر لمناخ صحراوي جاف شديد الحرارة، وهو ما أدى إلى تصحر العديد من المناطق.
ووجد الإنسان القديم بالفيوم في شمال البحيرة الماء العذب صالحا لإقامة الحياة ولذلك استقر في شمال وشرق البحيرة وبدأ يعرف الزراعة وارتبط واستقر في تلك المنطقة من الفيوم، وفقا للدكتور ناجح عمر أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة في كتابه "آثار ما قبل التاريخ".
ويشير العلماء إلى أن هناك سبعة عشر موقعا في إقليم الفيوم تعود إلى العصر الحجري الحديث تؤرخ جميعها لتلك الفترة بالفيوم وجميعها شمال وشرق بحيرة قارون.
وتعتبر الفيوم من أهم المراكز الحضارية منذ عصور ما قبل التاريخ؛ ويوضح الدكتور أحمد حسن مفتش الآثار المصرية بالفيوم أن حضارة الفيوم انقسمت فيما قبل التاريخ الى حضارة الفيوم "ب" والتي ترجع الى الفترة ما بين 8 - 7 آلاف عام ق. م، وحضارة الفيوم "أ" والتي انقسمت الي فترتين فترة مبكرة تمتد ما بين 5200 – 4550 عام ق.م، والفترة متأخر وتبدأ من 4000 عام ق.م، وظهرت هذه الحضارات في المرتفعات والحواف الشمالية لبحيرة قارون.
وتميزت الفترة الأولى من حضارة الفيوم، بأنها ترجع الى العصر الحجري الحديث بينما الفترة الثانية ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، ولقد عثر في الفيوم على سلاسل في شكل أطباق كبيرة وحصير.
كما وجد نوع خشن من النسيج مما يؤكد معرفتهم الجيدة بجميع مراحل الغزل الى جانب أواني فخارية استخدمت في طهو الطعام.
وتعتبر مستوطنات العصر الحجري الحديث في الفيوم من أقدم المواقع التي عثر فيها علي بقايا نباتات مزروعة كالقمح والشعير وكذلك علي بقايا حيوانات مستأنسة كالأبقار والعجول؛ كما عثرت البعثة المصرية التابعة لوزارة السياحة والآثار عام 2008 على عدد ضخم من رؤوس السهام دقيقة الصنع وسكاكين ومقاشط وحلي مصنوعة من العظام وبيض النعام؛ وهي محفوظة حاليا بالمخزن المتحفي بكوم أوشيم بالفيوم، واختير جزء منها للعرض في المتحف المصري الكبير بالجيزة.
معالم أثرية
تحتوي الفيوم على مجموعة متنوعة من الآثار المصرية القديمة والروماني والقبطية والإسلامية، مما أهلها لتكون إحدى قبلات الجذب السياحي المصرية.
أهم تلك الآثار هرم" هوارة" الذي يقع على بعد 9كم من مدينة الفيوم، وبني في عهد الملك "أمنمحات الثالث" من الاسرة الـ12.
ويظهر الهرم براعة المهندس المصري القديم في تصميم عدد من الممرات المعقدة التي تؤدي لحجرة الدفن، التي ليس لها باب، فهي عبارة عن كتلة واحدة من حجر الكوارتزيت قدر وزنها بحوالي 110 أطنان، وكان يتم الدخول الى حجرة الدفن عن طريق فتحة في السقف تم اغلاقها بإحكام بكتلة من الحجر وزنها 45 طنا.
هرم اللاهون
بنى هرم اللاهون في عصر الملك "سنوسرت الثاني"، وقام مهندس الهرم باختيار تلة صخرية كبيرة بارتفاع 12م لتكون نواة بناء الهرم، وتم تغيير مدخل الهرم من الشمال الى الجنوب لتضليل اللصوص،كما تم بناء مقبرة فوق الممر المؤدي لمدخل الهرم لإخفاء مدخل الهرم أيضا.
مدينة كرانيس
تقع كرانيس الأثرية على بعد 35 كم شمال مدينة الفيوم، يرجع تاريخها للقرن الثالث قبل الميلاد، واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي.
ومن أهم المعالم الأثرية بها، " المعبد الجنوبي" ويرجع للقرن الاول الميلادي، وبني من الحجر الجيري والرملي، و"المعبد الشمالي" ويرجع تاريخه للقرن الثاني الميلادي، وتخطيطه مشابه للمعابد المصرية القديمة، وكلا المعبدين مكرسان لعبادة التمساح "سوبك" المعبود الرئيسي للإقليم.
معبد قصر قارون
يقع معبد قصر قارون على بعد 50 كم من مدينة الفيوم، ويرجع للعصر الروماني، مبني من الحجر الجيري، وكرس لعبادة المعبود "سوبك".
وأهم ما يميز المعبد الظاهرة الفريدة التي تحدث في كل عام وهى تعامد الشمس على قدس الاقداس في يوم 21 ديسمبر من كل عام، وذلك تزامنا مع الانقلاب الشتوي وبدء فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
مدينة ماضي
أبرز المدن التي مازالت آثارها في حالة جيدة حتى الآن، والتي تقع على بعد 35كم جنوب غرب الفيوم، وتعد من أهم مناطقها الأثرية حتى أنها تسمى "أقصر الفيوم".
بنيت المدينة في عهد الدولة الوسطى، وازدهرت في العصر البطلمي والروماني، كما استمرت الحياة في تلك المدينة في العصر البيزنطي؛ ومن أهم معالمها الأثرية، معبد" الدولة الوسطى" وهو من أكمل المعابد التي ترجع الى تلك الفترة، ومعبد "قصر الصاغة" ويقع على بعد 8 كم شمال بحيرة قارون.
وتضم مدينة ماضي أيضا قرية تسمى "ديمه السباع"، تقع على بعد 3 كم شمال بحيرة قارون، وهي قرية ترجع للعصر البطلمي، واستمرت مأهوله بالسكان حتى القرن الثالث الميلادي، وبها بقايا معبد يرجع للعصر البطلمي.
العمائر القبطية بالفيوم
وكشف الدكتور رامي المراكبي المشرف على منطقة آثار الفيوم القبطية والإسلامية عن اهم المواقع الأثرية بها، ومنها دير" الملاك غبريال والملاك ميخائيل"، أقدم الاديرة فى الفيوم، الذي يرجع تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وقام ببنائه القديس الأنبا " أور"، وهو من بلاد فارس، وقد بنيت الكنيسة بالدير مرتين، الأولى تم بناؤها فى القرن الرابع الميلادي على يد القديس الأنبا "أور"، والثانية كانت فى القرن الثامن الميلادي، ومن المؤكد أن الذى قام بإعادة بناء الكنيسة فى ذلك القرن رهبان الدير وساعدهم على ذلك بقايا آثار هدم الكنيسة والذى كان نتيجة للاضطهاد والخراب الكبير الذى حدث لهم في ذلك القرن.
ويبعد الدير عن مدينة الفيوم حوالى 28 كم جهة الجنوب بجبل "النقلون" مركز اطسا، ويطلق عليه اسم "دير الخشبة"، ويذكر "المقريزي" أن دير "النقلون"، يقال له دير "الخشبة" ودير "غبريال الملاك"، ولقد اختلفت الروايات حول تلك التسمية فيذكر انه كانت توجد خشبة فى سقف الكنيسة لها علامة تشير الى فيضان النيل، وفي وقت القداس ينقط منها ماء كثير إذا كان فى تلك السنة رخاء، وإذا كان جوع يظهر ماء مثل العرق.
كما عثر على مخطوط، محفوظ في المتحف القبطي بمنطقة مصر القديمة، مكتوب باللغة العربية يتحدث عن نقل اخشاب وحديد في مركبين لبناء كنيسة "الملاك غبريال" بالنقلون، تم نقلهم من بلاد الشرق الى الفيوم بواسطة القديس "أور" الذى أهداه الملك والملكة خشبة ثمينة كانا يحتفظان بها في القصر، وقد نقش عليها اسم رئيس الملائكة" غبريال".
دير البنات
ويبعد دير "الملاك" عن دير" الملاك غبريال" بحوالي كيلو متر من الناحية الشمالية الشرقية من الدير، وهو عبارة عن أطلال لا تتعدى متر.
ويوجد بها حفائر من قبل البعثة الروسية، واكتشف بالدير بعض أجساد الراهبات لذلك سمي بـ"دير البنات" الى جانب مجموعة من الخرز والحلي.
كما تم الكشف أيضا عن توابيت بها مومياوات يعلو وجوهها أقنعة من الكرتوناج المذهب، وكنز من النقود الإسلامية عبارة عن دنانير ذهبية تعود للعصر العباسي.
العمائر الإسلامية بالفيوم
تحتوي مدينة الفيوم على عدد من الآثار الإسلامية الفريدة، منها مسجد "خوند اصلباي" أو" قايتباي"، ويرجع تاريخه لـ903- 905 هـ " 1497- 1499 م، ويقع في أقصى الطرف الشمالي للقسم الغربي من مدينة الفيوم، انشأته "خوند أصلباي" زوجة السلطان "قايتباي" بإشارة من "الشيخ عبد القادر الدشطوطى " فى زمن سلطنة ابنها السلطان" الناصر محمد بن قايتباي" "901- 904هـ" ""1495- 1498م".
المسجد المعلق
يرجع تاريخ "المسجد المعلق" أو "جامع الأمير سليمان" الى أوائل العصر العثماني، فقد بناه الأمير "سليمان بن جانم بن قصروه" حاكم إقليمي البهنساوية والفيوم، في شهر رجب سنة 966هـ " 1560م كما هو وارد بالنصوص الكتابية بالجامع.
سمي بـ "المسجد المعلق"، لكونه مبني فوق هضبة مرتفعة يصل إليها من ناحية بحر يوسف بدرج، وهو يشبه في ذلك جامع " أحمد بن طولون" بالقاهرة، كما أن تخطيطه والزخارف الموجودة به تشبه جوامع العصر المملوكي.
ضريح ومئذنة الشيخ علي الروبي
يرجع تاريخها لعهد السلطان برقوق " 784 – 801 هـ " 1382 – 1398 م "، وتم تجديد الضريح والمئذنة فى عهد الأمير أحمد كتخدا عزبان " 1120 هـ " 1717 م ".
ويتصل نسب الشيخ "علي الروبي" الى آل البيت العباسي، ويقال إن الشيخ "علي الروبي" بشر "السلطان برقوق" بتوليه السلطنة منذ ان كان أميرا، حيث كان برقوق تلميذا للشيخ الروبي.
المنشآت المائية
تعد قنطـرة "خوند أصلباي" من أهم المنشآت المائية في الفيوم، و"خوند أصلباي" هي زوجة السلطان "الأشرف قايتباي".
وتتكون القنطرة من فتحتين معقودتين بعقود مدببة ترتكز فى المنتصف على دعامتين وعلى الجدارين الجانبين، ويبرز من كل دعامة بناء حجري يأخذ هيئة مثلث قاعدته لأسفل ورأسه لأعلى ويرتفع بمقدار إحدى عشرة "مدماك" وذلك بغرض مضاعفة متانة القنطرة.
والقنطرة مسورة من جانبيها الجنوبي والشمالي بسور حجري حديث يعلوه سور حديدي وجار به حاليا أعمال خاصة بتقوية تربة القنطرة.
قنطرة اللاهون
يرجح المتخصصون أن قنطرة اللاهون شيدت في العصر الفاطمي، ولكن أعاد بناءها السلطان الظاهر "بيبرس البندقداري"، وغير معروف على وجه الدقة التاريخ المحدد لإنشاء هذه القناطر، ولكنها شيدت فى عصره 7هـ" 13م ـ وهى عبارة عن قنطرتين منفصلتين، والجزء الخلفي، منها وهو الذى بناه السلطان" الظاهر بيبرس "، والجزء الأمامي بني في عهد "محمد علي" والي مصر عام 1825.