الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

العامل المصري.. حرفيّ ماهر بنى أقدم حضارة في التاريخ

العمال في مصر القديمة
العمال في مصر القديمة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعتبر مصر القديمة والتي يرجع تاريخ حضارتها إلى آلاف الأعوام، حضارة مبنية على العمل اليدوي الشاق، حيث بنى المصريون الأهرامات والمعابد وقبل ذلك استطاعوا أن يعشيوا وسط ظروف قاسية والتي طوعوها لصالحهم ولصالح بناء حضارتهم، وقد يظن البعض أن عمر الحضارة المصرية فقط 7000 عام ولكن بالمزيد من البحث يكتشف أنها حضارة ضاربة في عمق عصور ما قبل التاريخ.

مصري عمره 35 ألف عام

وفي المتحف القومي للحضارة المصرية، بالعاصمة المصرية القاهرة، وتحديدًا في منطقة الفسطاط، يرقد ثاني أقدم هيكل عظمي تم العثور عليه في مصر، وهو لشخص كان يبلغ من العمر وقت وفاته 19 عامًا، وقد تم العثور عليه في منطقة تدعى نزلة خاطر وتقع على بعد حوالي 12كم غرب طهطا بسوهاج في صعيد مصر،  واكتشفت تلك البقايا البشرية بعثة بلجيكية كانت تعمل في مص عام 1980م.

مواصفات إنسان نزلة خاطر

الهيكل لشخص نائم مستلقي بالكامل على ظهره ورأسه متجه إلى الشمال، تم دفنه في قبر معد مسبقًا، ثم أُهيلت عليه الرمال، ودفن بجابنه فأس ذو وجهين تم وضعه على يمين الجمجمة، ومن خلال التحليل بالنظائر المشعة تم الكشف عن عمره الذي يتراوح ما بين 35 إلى 40 ألف عام كاملة، وهو ما يعني أنه قبل الأسرة الأولى بما يزيد علي 30 ألف عام كاملة.

كان قويًا مفتول العضلات

تُشير الدراسات إلى أن هذا الرجل كان قويًا مفتول العضلات، طوله لا يزيد علي 160 سم، يتمتع بالنشاط والحيوية وكان يعمل في محجر من المحاجر الواقعة في تلك المنطقة، حيث كان يستخرج حجر الصوان «الزلط» المستخدم في صناعة الأدوات المعيشية المستخدمة في ذلك العصر السحيق، والتي كانت تستخدم لصيد الحيوانات، وهو ما يعني أن المصريين عرفوا العمل في هذا الزمن البعيد، والعمل المنظم وليس العمل العشوائي، حيث تدل طريقة الدفن مع أداة العمل المستخدمة على احترام مهنة المتوفي وتبجيلها، وكأن أغلى ما كان يملكه في الحياة هو الفأس الذي يعمل به فتم دفنه معه.

أهمية العمل في مصر القديمة

الحقيقة أن العمل في مصر القديمة تطور بشكل كبير للغاية، حيث نجد قمة الدقة في دير المدينة، في صعيد مصر، والتي كانت مقرًا لعائلات الحرفيين، خلال فترة مصر الحديثة، من 1570 إلى 1070 ق م، وكانوا منظمين للغاية، فمنهم المتخصص بالحفر، وآخر بالنحت، وثالث بصناعة الأثاث، وآخرين متخصصين في تزيين المقابر بالرسومات، وكان لكل مجموعة رئيس مسئول عنهم، وهناك رئيس مسئول عن تسجيل حضور وانصراف العمال، وتسجيل الغياب والحوافز والمكافآت للمجهود الزائد بالعمل.

أجور العمال

كان العمال يحصلون على أجرهم بصورة عينية، قمحًا وشعيرًا وخضروات وأسماك، وقد نظم عمال دير المدينة أول إضراب في التاريخ، حيث تذكر البرديات أنه في عام 1170 ق م، وأثناء حكم الملك رمسيس الثالث الذي امتد لـ 25 عامًا كاملة، كتب العمال شكوى للوزير بسبب قلة المؤن والإمدادات والطعام، ورفضوا العودة لعملهم أو الاستمرار به إلا بعد تنفيذ مطالبهم، وهو ما يدل على أنهم عمال ذوي حقوق وليسوا مستعبدين.

بناة الأهرامات

في فترة حكم الملك خوفو سجل العامل المصري ملحمة رائعة وهي بناء الهرم الأكبر، هذا البناء الذي اشترك فيه ما يقرب من 30 ألف عامل، وكان هناك قواعد للمشاركة في بناء الهرم، حيث هو المقبرة الملكية للملك خوفو، وقد أرسى تلك القواعد إيمحتب معبود الطب والهندسة وأول من استعمل الحجر في البناء، وأول من صمم شكلًا هرميًا وهو هرم زوسر في سقارة.

وتلك القواعد حسب متون العقيدة المصرية، هو أن المساهمة في بناء المقابر الملكية والمعابد نوع من أنواع التقرب للآلهة، حيث يستابق الجميع للمشاركة فيها إما بالتطوع بالمال أو العمل أو بتقديم القرابين التي كانت تُصرف كإعاشة لعاملين في البناء، وقامت الحكومة المصرية ببناء مدينة كاملة للعمال والفنيين وسوقًا للتموين ومخبزًا ومخازن للغلال والتي مازالت آثارها باقية إلى الآن بعد مرور آلاف الأعوام.

إثباتات أثرية

أثبت عالم الآثار مارك لينر من خلال الحفائر الأثرية في مدينة العمال المجاورة لهرم الملك خوفو، أن الأهرامات بُنيت بواسطة فرق منظمة من العمال، على شكل مناوبات مرتبة، وكانت هذه المجموعات تحمل أسماء وجدت مدونة في كتابات جدارية بموقع التنقيب مثل أصدقاء خوفو، وسكاري منكاورع.

كما عثر لينر على كميات هائلة من عظام الماشية والاغنام والماعز التي تكفي لإطعام آلاف الأشخاص، وهو ما يشير إلى أن هؤلاء العمال كان يتم إطعامهم من نفس طعام الملوك، أي اللحوم.

كما كشف الدكتور زاهي حواس خلال أعماله التنقيبية بالمنطقة عام 2010م، عن مقابر العمال والتي كانت ترجع إلى الأسرة الرابعة 2494 إلى 2613 ق م، أن العمال تم دفنهم أيضًا بجانب الأهرامات وهي مواقع متميزة للغاية وتعتبر تكريمًا لأصحابها، وهو ما يعني أن العامل كان ذا مكانة عالية في مصر القديمة.

ومما سبق يتبين لنا أن العمل في مصر القديمة كان في مكانة عالية، وكان تقدير العامل يمثل عاملًا رئيسيًا لنجاح الحكومة، وهو ما أثبتته القراءة في تاريخ مصر القديمة، والأحداث المرتبطة بالعمال وحياتهم ومسكنهم ووجباتهم وحقوقهم، والتحركات التي قاموا بها للحفاظ على تلك الحقوق.