إزالة حماس من الوجود انتقاما لشرف مزعوم تم انتهاكه.. هذا هو الهدف الاستراتيجي الذى يعمل جيش الاحتلال الآن من أجله وتم استدعاء أكثر من ٣٦٠ ألف جندى احتياطى لتنفيذ ما أسموه [السيوف الحديدية]، يشعر نتنياهو ( شخصيا ) وحكومته بالمرارة بعد أن تعرض لعملية إذلال أمام العالم وأمام مواطنيه الذين من المفترض أن يحميهم [بجدار عازل وقبة حديدية] هكذا تصور، لكن درس السابع من أكتوبر كان قاسيا وعنيفا ولن تزول مشاهد ما جرى من ذاكرة مم عاشوا هذه التجربة المريرة وممن صدقوا مزاعم قياداتهم حول نظرية الأمن الإسرائيلي وكيفية تحقيقها بدعم غربى مطلق واغتصاب للأراضى، والتعامل بصلف وغرور مع الحقوق الفلسطينية، وتظن هذه القيادات المأزومة أن الخلاص من اتهامات الفساد والهروب من السجن، واستعادة شرفهم الذى انتهك فى طوفان الأقصى يمر عبر حرب مجنونة وإبادة غزة ودفن أهلها أو إلقائهم فى البحر !!
إنهم يبحثون عن طوق نجاة لأنفسهم على حساب الأبرياء، فلا يشغل ضمائرهم حصار غزة وتجويع أكثر من ٢ مليون فلسطينى مدنى فى القطاع، وليس هذا بالأمر الغريب على قيادات تأمر بالقصف وتستخدم قنابل محرمة دوليا، فتقتل أسراهم بدم بارد ثم تتباكى على الأسرى والضحايا وتشحن شعبها والعالم ضد المقاومة وشعب غزة كله الذى حولته سلطات الاحتلال إلى رهينة، وهنا نتساءل: ما الفرق إذن ما بين الأسرى الذين لا يتجاوز عددهم ٢٠٠ إسرائيلى وأكثر من ٢ مليون فلسطينى رهينة تقطع عنهم المياه والكهرباء والغذاء ويتعرضون لإبادة جماعية؟! القانون الدولى وحده يجيب عن هذا التساؤل وببساطة فى كلمات معدودة: إنها جرائم حرب، وتطهير عرقى.
الأمر نفسه ينطبق على سعى الدول الكبرى لإخراج رعاياها الذين يحملون جنسيتها باعتبارهم مواطنين أبرياء يجب حمايتهم، لكنهم فى الوقت نفسه لا يعبأون بمطالب مصرية مشروعة وإنسانية ومحمية بالقانون الدولى حتى فى أوقات الحروب لإدخال مواد إغاثية وغذاء ومساعدات طبية لشعب أعزل محاصر بلغ مصابوه أكثر من ١١ ألفا لا تتحملهم المستشفيات وهى تعمل بكامل طاقتها، فما بالنا بمستشفيات تعرضت للقصف وكوادر طبية وسيارات إسعاف تم استهدافها.
لقد أطلقت مصر مبادراتها منذ انفجار الأحداث للتهدئة على الجانبين وعدم التصعيد حقنًا لدماء الأبرياء، وتكثف الدبلوماسية الرئاسية اتصالاتها بكل الأطراف الفاعلة فى المجتمع الدولى، سعيا لعدم اتساع نطاق الصراع وإشعال نيران الكراهية والتحريض فى منطقة تعانى شعوبها بالفعل ولا تتحمل المزيد، تحركت مصر مع شركائها الدوليين لاحتواء الموقف - حسب قرارات مجلس الدفاع والأمن القومى المصرى الذى عقد برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي - وأطلقت مبادرتها لعقد قمة إقليمية دولية تحضرها كافة الأطراف تستضيفها القاهرة، لمناقشة الأوضاع ومستقبل القضية الفلسطينية، وأعلنت مصر أيضا عن استعدادها للقيام بأي جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية سلام حقيقية.
دعت مصر لهذه القمة إيمانًا منها بضرورة التحرك الآن والتشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع التأكيد على رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولة تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، هذا هو موقف مصر الثابت، وهذا ما تحدث عنه الرئيس وبلغة شديدة الوضوح والحسم خلال استقباله وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، الذى سمع فى القاهرة ما لم يسمعه فى عاصمة أخرى ولن يسمعه، وهنا أعتقد أن الرسالة وصلت إلى البيت الأبيض واضحة وبلا مواربة خاصة عندما قال الرئيس السيسى [اسمعوا المعنيين بالقضية]، موقف ورسائل مصرية أثلجت صدور الملايين المصريين والعرب وأنا من بينهم.
الموقف المصرى حول إحالة القضية وتحميلها لدول الجوار، تمدد من القاهرة إلى عمان، حيث أعلن الديوان الملكى الأردني اليوم أنه [لا يمكن استقبال اللاجئين فى الأردن أو مصر، هذا خط أحمر]، بنفس مفردات بيان مجلس الدفاع والأمن القومى المصرى، وعلى المستوى الدولى تجاوبت باريس مع المبادرة الرئاسية المصرية لعقد القمة الإقليمية الدولية التى تمت الدعوة لانعقادها السبت القادم، وقالت وزيرة خارجية فرنسا عقب لقائها الرئيس فى القاهرة إنه يجب فتح أفق سياسي، وأن مصر وفرنسا تتشاركان فى نفس القلق وعلينا فعل ما هو ممكن لتفادى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وأكدت على [حق الفلسطينيين فى دولة، وحق إسرائيل فى الأمن].
مصر تبحث عن حلول حقيقية منصفة وعادلة وأعتقد أن زيارة بايدن للمنطقة ولقاءه بالرئيس السيسى ستكون فرصة لتستمع واشنطن لصوت القاهرة جيدا، وتستمع لرسائل [المعنيين بالقضية].