أدت عملية «طوفان الأقصى» بإسرائيل أن تسلك سلوك الحيوان الجريح؛ إذ يتخبط قادتها على نحو عشوائي تحت وطأة آلام الجرح النازف. حيوان ينشب أنيابه وأظافره في كل من يصادفه؛ عدوًا كان أو صديقًا؛ ولا أدل على ذلك من إطلاق النيران على أهداف وأشخاص إسرائيلية عن طريق الخطأ وسوء التقدير مما يكشف عن حالة اضطراب بالغة.
ذات يوم صرَّح إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق: «أتمنى لو أستيقظ ذات صباح وأرى البحر يبتلع غزة». وهذا ما يحاول القيام به قادة إسرائيل اليوم، إنهم يسعون إلى مسح غزة بسكانها من على وجه الأرض. إن الهجوم الوحشي واللاإنساني للقوات الإسرائيلية ضد غزة وقاطنيها دون تمييز بين حجر وبشر؛ إنما يكشف عن رغبة إسرائيل في إزالة غزة من الوجود. أغلب الظن أن مجرمي الحرب في إسرائيل طرحوا فكرة إلقاء قنبلة ذرية على غزة؛ لكنهم فطنوا لاستحالة تنفيذ ذلك نظرًا لكثير من الاعتبارات أهمها ما سوف تؤدي إليه الإشعاعات والغبار الذري من آثار مدمرة على سكان إسرائيل في مستعمرات «حزام غزة»، فضلًا عما سيواجه هذا القرار من رفض دولي كامل، بالإضافة إلى وقوع المنطقة برمتها في صراع دموي شامل لن ينجو منه أحد.
تحاول إسرائيل الآن - بكل ما تملكه من أسلحة تقليدية ذات كثافة نيرانية عالية - الاستعاضة عن استخدام السلاح النووي بتكثيف هجومها الوحشي على غزة بهدف حرق كل شبر من غزة تمهيدًا لغزوها بريًا، بغية تحرير الأسرى الإسرائيليين كهدف رئيسي، وكذلك اغتيال أو القبض على كل كوادر وقادة الفصائل الفلسطينية ومقاتليها. إن كثافة النيران وشراسة الهجوم على قطاع غزة يكشف عن الرغبة الإسرائيلية في تحقيق ما كان يتمناه إسحق رابين!!
لقد أسقط المقاتلون الفلسطينيون أسطورة التفوق الإسرائيلي، وبددوا وهم الجيش الذي لا يقهر. إن الجرح الغائر الذي أصاب كبرياء جيش الدفاع الإسرائيلي، والثغرة الهائلة في جدار الأمن الإسرائيلي، وتمريغ أنف إسرائيل في الوحل على أيدي رجال المقاومة الفلسطينية؛ كل ذلك زعزع أوهامًا وأساطير كثيرة - روج لها الإسرائيليون منذ عام 1948 - وأسقطها. مما أصاب قادة إسرائيل بالجنون، وأفقد شعبها الإحساس بالأمن الذي كان ينعمون به. ويتوهم «نتنياهو» ومن معه أن عدوان الجيش الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة سوف يمحو عار الهزيمة التي لحقت بإسرائيل؛ إنهم يسعون للحصول على اللبن المسكوب.
مهما كانت نتائج القتال الدائر الآن في الأراضي الفلسطينية، ومهما كان حجم ووحشية العدوان الإسرائيلي على غزة؛ فلن يغير كل ذلك من واقع هزيمة الجيش الإسرائيلي على يد مقاتلي الفصائل الفلسطينية، إنها هزيمة تاريخية غير مسبوقة، وسوف يخلدها تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وبخاصةٍ كفاح الشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه التاريخية.
في السابع من أكتوبر - شهر الانتصارات العربية - نجح أبطال المقاومة الفلسطينية في دحر الجيش الإسرائيلي. واللافت للنظر أن الغالبية الغالبة من هؤلاء الأبطال كانوا أطفالًا صغارًا في غضون الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، ويقينًا أنهم تشبعوا بروح النضال منذ نعومة أظافرهم حين كانوا يلقون الحجارة ويواجهون جيش الاحتلال بصدور عارية، ويتلقون بشجاعة رصاصه في صدورهم وصدور آبائهم وأشقائهم. وحين اشتد عودهم وقبضوا ببسالة على الزناد ضغطوا عليه بكل قوة ليثأروا للدماء التي سالت في الانتفاضات الفلسطينية المتلاحقة، والتي نظر إليها العالَم دون أن يحرك ساكنًا من أجل استرجاع الحق الفلسطيني!!
أراد الفلسطينيون انتزاع حقهم بأيديهم فصنعوا طوفان الأقصى، وقهروا إسرائيل. لكن أمريكا والدول الأروبية تقف الآن متفرجة على وحشية إسرائيل علي قطاع غزة بمن فيه من بشر وحجر!!.. حقًا إننا نعيش عالم شديد القسوة.. عالَم يضيع فيه الحق وتغيب عنه العدالة.