الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د. يوسف شهاب يكتب: زلزال المغرب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نشهد انقلابًا فى القيم وشكلًا من أشكال رفض الغرب والحضارة التى يعيشون فيها منذ ثلاثة أجيال

المواقف المتطرفة تساهم فى خلق مناخ غير صحى.. ولا يمكننا دمج جميع المهاجرين

العقيدة التى أعلنها طارق رمضان تعمل جيدًا.. وأصبحت حركة داخلية ذاتية الاستدامة

زلزال المغرب صورة أرشيفية

واجهت المغرب مؤخرا، واحدة من أخطر الكوارث الطبيعية منذ أكثر من ستين عاما، إذ تأثر أكثر من خمس ولايات (باستثناء مراكش) كما دمر ما يقارب من أربعين بلدية، بسبب زلزال بلغت قوته ٧ درجات فى كارثة غير مسبوقة فى بداية القرن الحادى والعشرين. وقد دمر الزلزال آلاف المنازل ووضع ما يقرب من ٣٠٠ ألف شخص فى حالة من الضيق الشديد، ودمر ٥٠ ألف منزل وألحق بالبلاد أضرارا مادية تقدر بنحو ١.٢ مليار دولار وفقًا للتقديرات الأولية للأمم المتحدة.

وحسب مرصد الزلازل الأمريكى، فقد تمكنت جبال الأطلس من امتصاص ٥٤٪ من موجة الزلزال، الأمر الذى جنب المغرب سيناريو قريبا من الكارثة التى ضربت تركيا وسوريا، وتسبب فى مقتل أكثر من ٥٠ ألف شخص.

وبتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس، وبعد ساعات قليلة من الزلزال، كانت مؤسسات الدولة والجيش الملكى فى المقدمة لتقديم المساعدة للسكان المتضررين فى ظروف جغرافية وجيولوجية غير مواتية، كان من شأنها أن تعوق وصول المساعدات والإسعافات الأولية، لولا هذه الجهود التى وضعت حدا لهذه الكارثة عند ٢٩٠٠ حالة وفاة و٥٠٠٠ جريح. ولحسن الحظ كانت قسوة فصل الشتاء بعيدة عن المشهد، وإلا لكان من الممكن أن تكون حصيلة الضحايا أعلى بكثير.

وقد أقر جلالة الملك استراتيجية متعددة الأبعاد لإدارة الأزمة فى تسلسلاتها الثلاثة، وهى التحديد الخرائطى الدقيق لموجة الصدمة الناجمة عن الزلزال والمنطقة المنكوبة، وإدارة الطوارئ من خلال إجلاء القتلى والمصابين، وأخيرا تطوير رؤية مستنيرة لما يسمى بمرحلة ما بعد الأزمة، وذلك بوضع الخطوط العريضة للمخطط الشامل لإعادة إعمار أكثر من ٥٠ ألف وحدة سكنية وعشرات المرافق العامة والبنية التحتية.

ولكن التحدى الأكبر قد بدأ للتو، ذلك أنه من الضرورى أن نتذكر أنه على الرغم من حجم الكارثة، فإن المغرب لم يستسلم للدول التي عرضت المساعدة، تلك المساعدة التى تخفى وراءها دوافع سياسية كامنة على عكس ما تدعى فرنسا والجزائر. وقد أظهر المغرب صموده وقدرته على تحجيم الأضرار الجانبية للكارثة الطبيعية من خلال موارده البشرية والمادية على الرغم من المساعدة الرمزية التى قدمتها بلدان أربعة والتى قبل المغرب مساهماتها.

ومن دون تفاؤل أو زهو بالانتصار، فقد فاز المغرب فى كسب معركة التعاطف الدولى والكفاءة التشغيلية، ولكنه لم يفز فى الحرب الطويلة لإعادة الإعمار والتى أنهكت ميزانيته إذ ما زال علينا النهوض بالجزء الأصعب على الرغم من الطفرة غير المسبوقة فيما يخص تضامن المواطنين. وما زال علينا عبء القيام بالجزء الأصعب لأن هذه الكارثة فرضت على المغرب إخفاقات هيكلية ودورية ورثتها من تلك الجيوب المغربية التى قد توصف بأنها عديمة الفائدة أو عميقة أو ضعيفة أفرضتها حتمية جغرافية قديمة.

ومن الأمور الأكثر إشكالية والأكثر إلحاحا والأكثر وضوحا، تلك المتعلقة بالتبصر والإدارة الاستباقية للمخاطر والكوارث الطبيعية أو تلك المرتبطة بتغير المناخ أو حتى تلك المرتبطة بالفقر المائى. وقد قام بعض المتخصصين فى الإدارة الاستباقية للكوارث الكبرى أو حوكمة «T٠" للكوارث بصياغة بعض التوصيات، وأهمها:

عدم وجود هيئة متخصصة للاستشعار بالكوارث الطبيعية وإدارتها على أساس مجموعة من البروتوكولات التى تحدد دور كل مصلحة أو مؤسسة عامة أو إقليمية، أو تلك المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى المحلى أو الوطنى، لتحديد «من يفعل ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟"، وقد وضعت جميع مستويات صنع القرار فى الاعتبار خلال الثمانى والأربعين ساعة التى أعقبت الزلزال، وكان الجميع ينتظر العناية الملكية.

والمركزية المؤكدة والإدارة الرأسية حيث يتم إدارة الأزمة فى ومن الرباط التى يقع عليها عبء التقييم والتنظيم والتقرير والتنسيق والتحقق والنشر والتواصل والعمل وغيره.

والجمود فى الخدمات اللامركزية وخاصة تلك التابعة للسلطات المحلية التى تركت الأراضى شاغرة للجمعيات سيئة التجهيز والتدريب والتى هرعت نحو مركز الزلزال ومناطق الكارثة الأمر الذى أدى إلى تشبع طرق النقل القليلة وتعقيد الاتصال فى نهاية المطاف وإعاقة وصول رجال الإنقاذ المحترفين والخدمات اللوجستية على مستويات متعددة.

وتناقض وسائل الإعلام الأجنبية فيما بينها وارتجال السكان المحليين فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية للكارثة، ما فتح الباب أمام الصحفيين الأجانب الجشعين وشبكات التواصل الاجتماعى الانتهازية للبحثً عن صور صادمة أو مثيرة، ولو كانت البروتوكولات التى تم تطويرها مسبقًا بشكل مكانى لتحديد مدى موجة الصدمة «الأساسية صفر»، لكانت السلطات قد حددت محيطًا أمنيًا يتم تنظيم وتقييد الوصول إليه بشكل صارم. وقد بدا هذا واضحا من خلال الاستراتيجية المؤسسية البدائية للاتصال بالأزمات. ولم يكن هناك متحدث رسمى يخول إليه التحكم فى إدارة الأزمة وتدفق البيانات الصحفية التى تتناول الأزمة برمتها، ولا موظفين مرجعيين يتحدثون نيابة عن الحكومة بهدف إتقان اللغة التى يمكن استخدامها سواء على مستوى الصورة والتعليقات.

وكشف وخفف قيام القوات المسلحة الملكية بالمرحلة الثقيلة من عمليات الإغاثة والخدمات اللوجستية بعد ثمان وأربعين ساعة من وقوع الزلزال من الارتجال والارتباك الذى تورطت فيه بعض السلطات المحلية، إذ اختفى المسئولون المنتخبون من المشهد وأصابهم الشلل بسبب حجم الكارثة. لقد كنا على بعد خطوة واحدة من اللجوء إلى الأمم المتحدة الأمر الذى قد يؤثر تأثيرا سلبيا على صورة المغرب وسمعته على المستوى الدولى.

دعونا نتذكر ولو بشكل عابر، تعثر وزارة التخطيط والإسكان والتخطيط العمرانى والسياسة الحضرية، وهى الوزارة التى وجدت نفسها عاجزة أمام دور وزارة الداخلية والجيش سواء من حيث إدارة الاتصالات أو من حيث مواجهة الطوارئ المحتملة، حتى لو كانت قصيرة الأجل.

وفيما يتعلق بإدارة ما بعد الأزمة التى تتعامل مع مرحلة إعادة الإعمار وإعادة التأهيل وإعادة الإسكان، فإن الوزارة الإشرافية لم تملك سوى أدوات رد فعل قليلة أو معدومة فيما يتعلق بالاتصالات أثناء الأزمات، وما يتعلق باستيعاب علم مرحلة ما بعد الأحداث فيما يتعلق باستراتيجية الأزمة، وفيما يخص التعامل مع الضحايا.

إن الطبيعة تمقت الفراغ، لأنه بصرف النظر عن التوجيهات الدقيقة التى تساعد صناع القرار، فإنه يجب على الوزارة الإشرافية النظر فى إنشاء خلية مراقبة أو مركز موارد قادر على تولى زمام الأمور وشغل مساحة الوسائط العامة التى تركت شاغرة لخبراء زائفين.

وعليها أيضًا أن تضع وبشكل عاجل عقيدة نموذجية تتمثل فى شكل إدارة المشاريع الحضرية والاجتماعية تحت إشراف الوزارة المسئولة عن السياسة الحضرية، من أجل الحفاظ أولًا وقبل كل شيء على التراث الأنثروبولوجى والنظام البيئى الثقافى والمعمارى والاقتصادى الذى دمره الزلزال وبالتالى بما يتناسب مع المراحل الزمنية لعملية إعادة الإعمار.

كما يجب على الهيئة المشتركة بين الوزارات أن تنظر فى تطوير سلسلة من البروتوكولات والعمليات المخصصة من أجل تعزيز كلمة صاحب الجلالة وتعزيز مصداقيتها أو بشكل أعم كلمة «الدولة» و«التزامها».

د. يوسف شهاب: أستاذ بجامعة باريس السوربون الشمالية متخصص فى الجغرافيا السياسية للعالم العربى ومدير الأبحاث فى CNRS وCF2R