أماط العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة اللثام عن أبعاد المخطط الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على ما تبقى منها بعد أن تعرضت للعديد من الضربات السياسية والعسكرية والاستراتيجية، التي كادت أن تطيح بها من على خارطة أولويات المجتمع الدولي والعربي والإقليمي، لا سيما بعد هزة ما تعرف بثورات الربيع العربي عام2011. سبق هذا التاريخ وأعقبه العديد من المخططات الإسرائيلية لوضع نهاية للقضية الفلسطينية دون أن تتكلف تل أبيب أعباء المسئولية عن المحتل الفلسطيني، باعتبارها دولة إحتلال.
سعت إسرائيل من حين لآخر لإيجاد بدائل فاعلة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إذابة الشعب الفلسطيني البالغ عدده نحو خمسة ملايين نسمة فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وسط شعوب الدول المحيطة بهم، المصريين والأردنيين، من خلال فكرتي توطين الفلسطينيين فى شبه جزيرة سيناء فى إطار ما تم طرحه فى مبادرة العسكري الإسرائيلي جيورا أيلاند، عبر فكرة تبادل الأراضي، بينما يتم دمج الضفة الغربية فى كونفدرالية مشتركة مع الأردن لتصبح دولة واحدة.
الهدف من هذين المخططين هو القضاء على الشعب الفلسطيني من الأساس وليذوب أبناؤه بين الشعب المصري والأردني من خلال التزاوج والمصاهرة، وفرص العمل الأفضل التي تتاح لهم، إلى جانب توفير ظروف معيشية أكثر إنسانية واستقرارًا.
ظلت تلك الأفكار الإسرائيلية حبيسة الأدراج، إلى أن جاءت الحرب على غزة، لتفضح ما كانت تخطط له إسرائيل سرًا لعقود، وهو التخلص نهائيًا من قطاع غزة، بتهجير سكانه إلى سيناء، وضم أراضيه لها، وإلى جانب التصريحات العلنية للمسئولين الإسرائيليين فى هذا الشأن، خرج علينا فى ذروة أحداث الحرب على غزة، أمير وايتمان، وهو سياسي إسرائيلي وأحد الكوادر داخل حزب الليكود، ليكشف لنا عن المخطط العملي لتهجير الفلسطينيين لسيناء، من خلال خطة وضعها بالتعاون مع خبير يهودي من أصول إيطالية، حيث قال فى تصريحات صحفية: "يجب أن تتم عملية تدمير قطاع غزة وتسطيحه بشكل منهجي من الشمال إلى الجنوب، وبالتالي دفع السكان تجاه جنوبًا إلى أن تنشأ أزمة إنسانية لا يمكن لمصر تجاهلها، وجعلها أمام أمر واقع".
يبدو أن وايتمان، الذي يمثل المستقبل السياسي داخل حزب الليكود ويقود التيار الليبرالي داخله، قد يتصدر بفضل مخططه الشيطاني هذا المشهد السياسي الإسرائيلي خلال الفترة القادمة، لا سيما وأنه يعمل على ترويج فكرته لدى الدوائر السياسية المختلفة فى تل أبيب. ومن بين ما طرحه فى مخططه أن التكلفة الإجمالية لتوطين الفلسطينيين في مصر قد تصل لعشرين مليار دولار أخرى، وهو مبلغ يمكن تدبيره بسهوله، على حد وصفه.
خطة وايتمان للتهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، لا يمكن استبعادها على أنها حلم صهيوني بعيد الأمد، تسعى الحكومات الإسرائيلية لتحقيقه بأي ثمن، لكن أحلام الإسرائيليين تلك، ما هى سوى أضغاث أحلام، تراودهم يومًا بعد آخر ليستفيقوا على كابوس مصري تتحطم على أركانه تلك الأحلام الزائفة، بفضل وعي وإدراك القيادة المصرية الواعية بأبعاد المخطط الإسرائيلي منذ الوهلة الأولى لاندلاع الحرب ضد قطاع غزة، وهو سيناريو متكرر إعتادت عليه مصر مع كل عدوان إسرائيل غاشم على الأراضي المتاخمة لحدودها الشرقية، إلى جانب الوعي المتيقظ للشعب الفلسطيني الذى اتخذ قراره المصيرى، فليس هناك سبيل للفلسطينيين فى قطاع غزة سوى التمسك بالأرض أو الاستشهاد على ترابها.. كلا الأمرين شرف يتوق إليه كل فلسطيني. هيهات هيهات لوايتمان وأقرانه، فلن يكون هناك تهجير لسيناء ولا كونفدرالية مع الأردن.