السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

مقبرة "باشدو" في دير المدينة.. متحف فني يُخلّد أفكار وعقائد المصري القديم

تحتوي على منظر لـ"أنوبيس" على شكل" ابن آوي" جالسًا فوق مقصورته.. ونقشا لابنه وزوجته

جدارية في مقبرة باشدو
جدارية في مقبرة "باشدو" في دير المدينة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في منطقة دير المدينة  بالبر الغربي شمال وادي الملوك بمدينة الأقصر جنوب مصر،  توجد واحدة من أجمل المقابر التي انشأت لغير ملوك مصر القدماء، مقبرة محتفظة بألوانها كأن الفنان القديم انتهى من تزيينها قبل قليل، إنها مقبرة "باشدو"، الخادم في مكان الحق، في فترة حكم الملك "سيتي الأول" و"رمسيس الثاني".

دير المدينة

تعتبر دير المدينة جزءًا من مقابر جبانة مدينة طيبة / الأقصر الجنائزية، تم بناؤها في الفترة من 1570 – 1070 ق. م، وظل استخدام هذه المنطقة في فترة الأسرات الـ18، 19، 20، وأطلق عليها اسم "ست ماعت" الذي يعني مكان الحق، وكانت مقرًا رئيسيًا لعائلات العمال الحرفيين الذين قاموا بحفر مقابر الملوك بجبانة طيبة وتزيينها.

كانت دير المدينة مكانا لحياة ومعيشة وإقامة عمال المقابر مع أسرهم، وكذلك اختير مكان دفن الموتى من العمال وذويهم بجوار المدينة مباشرة، ولذلك تم العثور على مجموعة كبيرة من المقابر وصلت لنحو 53 مقبرة. وإقامة العمال بقرية بجوار المقابر الملكية التي كانوا يعملون على إنشائها يدل أن المقابر كانت مشروعًا قوميًا، ويؤكد وجود تقدير للعمال في مصر القديمة.

مقابر العمال تم تشييدها بحرفية كبيرة وتضم مجموعة رائعةً من المناظر للمتوفى وحياته في العالم الآخر، يعلوها شكل هرمي، يرجع لأهمية الشكل الهرمي في حياة المصري القديمة أو لسبب هندسي بعمل بناء مجوف فوق المقبرة يخفف من الضغط على الحجرات أسفله.

باشدو

كانت مهمة "باشدو" في البداية بناء المقابر بالحجر من ضمن العمالة المسئولة عن بناء المقابر الملكية في وادي ‏الملوك، وكان عمله يقتصر على بناء الممرات والغرف والمقابر باستخدام الفؤوس اليدوية المصنوعة من حجر ‏الصوان، ومع الوقت أصبح" باشدو" مسئولا عن تزيين المقابر الملكية.‏

رسام آمون

وفي "موسوعة مصر القديمة" لعالم المصريات الدكتور سليم حسن يوضح أن  "باشدو" كان يلقب برسام الإله آمون، ومقبرته في جبانة "دير المدينة"، تتميز بأن صاحبها قد ذكر أنساب أسرته حتى الجيل الثالث، وكانت  وظيفة رسام "آمون" وراثية في أسرته، يتعلمها الابن عن والده.

وصف المقبرة

تبدأ مقبرة "باشدو" بسلم منحدر يؤدى إلى عدة حجرات ودهليز ومنهم قاعة انتظار صغيرة ثم غرفة دفن المومياء بسقف مقبب، وتزين المقبرة بالنقوش والألوان التي تخطف الأنظار، ويغلب عليها الطابع الديني حيث أن معظم الرسومات والنقوش توضح الحياة الدينية التي كان يعيشها "باشدو ".

ومن المناظر البديعة في غرفة الدفن، يظهر "باشدو" راكعًا بجوار شجرة نخيل على ‏حافة بركة، وعلى حائطين طويلين مناظر تمثل باشدو وأقاربه يتعبدون، كما يوجد نقش لـ"باشدو" مع وزوجته وطفلين صغيرين في حالة عبادة الاله "حورس" على شكل صقر.


يوجد بالمقبرة منظر لـ"أنوبيس" إله التحنيط وحارس الجبانة، على شكل" ابن آوي" جالسًا فوق مقصورته  كما يوجد نقشًا لأبنه "باشدو" وزوجته على قارب الحج لمدينة أبيدوس ‏المقدسة الموجودة حاليا بسوهاج في جنوب مصر‎.

وعلى عتب غرفة الدفن يوجد نقش ‏لـ"باشدو" في وضع تعبد للمعبود "بتاح سوكر" إله الموتى والبعث، بالإضافة إلى نقوش بسقف غرفة الدفن لمجموعة من المعبودات المصرية عددهم 8 على اليمين، و8 على ‏اليسار وبينهم 40 عمودا باللغة المصرية القديمة من نصوص كتاب الموتى / مجموعة من الوثائق الدينية والنصوص الجنائزية التي كانت تستخدم في مصر القديمة، لتكون دليلاً للميت في رحلته للعالم الآخر.

باشدو مماثل للملك سيتي

وفي مشهد غير مألوف، وجد على جدران مقبرة "باشدو" لوحة مثل فيها الملك "سيتي الأول" يقدم زهرة "البشنين"، التي ترمز للخلق البعث عند المصري القديم، للإله "أوزير"، وخلف الملك يشاهد "باشدو" واقفا بصورة تقرب من صورة الملك في الارتفاع، واللافت للنظر في هذا المشهد  أن "باشدو" قد مثل بصورة تماثل صورة الملك سيتي الأول في الحجم، وهي من المناظر غير المعتادة في الرسوم التي يظهر فيها الملك، إذ جرت العادة في كل المناظر أن الملك يُرسم بصورة ضخمة بالنسبة لمن حوله الذين يظهرون كالأقزام.

فن الرسم

الرسم من أوائل  الفنون التي أبدع فيها المصري القديم، واستطاع من خلاله أن يعبر عن مشاعره، وأن يُقدم صورة كاملة عن نمط الحياة في مصر القديمة، حيث تزخر المعابد والمقابر بالكثير من الرسوم التي تعبر عن الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للمصريين القدماء، ويقول الدكتور محمد حامد رسمي أستاذ النحت بكلية التربية الفنية جامعة حلوان إن فن الرسم  من أهم ما خلّفه المصريون القدماء لكشفه عن عقائد المصريين وأفکارهم، حيث عبّر الفنان المصري القديم بالرسم عن آداب وعادات المجتمع کما عبر عن الحياة السياسية والاجتماعية التي کان يحياها، إلى أن جعلها مرجعا لکل ما يحيط بالإنسان في مصر القديمة.

والرسومات في مصر القديمة كان لها جانبان، جنائزي  لمساعدة المتوفي على البعث والخلود في حياة الأبدية، وتجميلي وهو زخرفة کل ما استطاع الإنسان أن يصل إليه ويتعامل معه.

كان فن الرسم في مصر القديمة يمارس وفقا لقوانين وقواعد صارمة ‫تحدد النسب الفنية بين أعضاء الجسم البشري والأوضاع السليمة لإبراز كل ‫جزء من أجزاء الجسم، ‫واستخدم الفنان المصري القديم في الرسم والتصوير أعواد الغاب ذات ‫الأطراف المبرية، والفراجين / الفرش الصغيرة المصنوعة من ليف النخيل، وألواح مزج ‫الألوان المصنوعة من الأصداف البحرية، أو قطع الفخار المكسورة، ويؤكد عالم المصريات الدكتور زاهي حواس أن المصري القديم كان عنده معنى ومغزى لكل لون والذي ارتبط برمزيات دينية، والألوان لديه هي الأبيض، الأحمر، الأصفر الأزرق، الأخضر، البني، الرمادي والأسود، وكانت يصنع من الكربون والجير وأكاسيد الحديد، والفيانس / نوع من الخزف.