قياس محيط الأرض محاولة للعلماء تتم من سنوات طويلة وكان أول من حاول قياس محيط الكرة الأرضية عالم الفلك اليوناني إراتوستينس منذ أكثر من 2000 عام بعد فترة من إثبات أن الأرض كروية، وذلك بعد أن اقترح الفيلسوف اليوناني القديم (فيثاغورس) لأول مرة أن الأرض كروية في عام 500 قبل الميلاد، ولكن هذا الاقتراح قوبل بالرفض لأنه اعتبر غير معقول، وبعد عقود أثبت الفيلسوف اليوناني (أرسطو) صحة نظرية فيثاغورس وتوصل إلى أن الأرض كروية من خلال مراقبة الأجرام السماوية من مواقع مختلفة عبر الكوكب.
وقد حاول علماء الرياضيات القدماء وعلماء الفلك إثبات خطأ (أرسطو)، لكنهم اتفقوا في النهاية على أن الأرض كروية بالفعل، وكان قد عاش (إراتوستينس) في مدينة الإسكندرية بمصر، واسمه كاملاً (إراتوستينس القيرواني)، وهو عالم يوناني متعدد اللغات وشاعر وعالم فلك وعالم رياضيات وأمين مكتبة وجغرافي، وولد في الأصل في مستعمرة يونانية قديمة تسمى قورينا، وهي مدينة قد أسسها الإغريق في الجبل الأخضر في شمال شرق ليبيا، وقد سافر (إراتوستينس) إلى أثينا لاستكمال دراسته عندما كان شاباً، ثم عاد إلى قورينا وصنع لنفسه اسماً في المساعي العلمية، وجاء (إراتوستينس) إلى الإسكندرية بعد أن أرسل له حاكم مصر اليوناني لتعليم ابنه.
وعندما توفي كبير أمناء مكتبة الإسكندرية الشهيرة عام 236 قبل الميلاد عين إراتوستينس مكانه وذلك في سن الأربعين تقريباً، ورغم تنوع مواهب (إراتوستينس) إلا أن دراسة الأرض كانت تستحوذ على نسبة كبيرة من تفكيره وعلمه، فكان أول من استخدم كلمة الجغرافيا، وقد اخترع نظام خطوط الطول والعرض ورسم خريطة للعالم وقتها، وكذلك كان أول من حسب بدقة ميل محور الأرض، وحسب المسافة من الأرض إلى القمر والشمس ولكن بدقة أقل، ورسم كتالوجاً من 675 نجمة، كما أنه أول من حاول قياس محيط الكرة الأرضية اعتماداً على الهندسة وعلم المثلثات.
في يوم ما سمع (إراتوستينس) أن ضوء الشمس في منتصف النهار في أسوان يضيء مباشرة إلى أن يصل إلى قاع الآبار العميقة في نفس اليوم من كل عام، مما يشير إلى أن الشمس كانت مباشرة في هذه البلدة لكن في الإسكندرية لم يصل ضوء الشمس في ذلك التاريخ إلى قيعان الآبار، بل سقط على جوانبها، فاستنتج (إراتوستينس) أن الاختلاف في زاوية ضوء الشمس الوارد يرجع إلى انحناء سطح الأرض، ومن ثم بقياس هذه الزاوية ربط المسافة بين الإسكندرية وأسوان بالبُعد الكلي للكرة الأرضية.
وفي اليوم الذي أشرقت فيه الشمس على قاع الآبار في أسوان (كان موقع أسوان قريباً جداً مما نسميه مدار السرطان، 23.5 درجة شمالًا، وهو أقصى خط عرض شمالي تكون فيه الشمس فوقه مباشرة وقت الظهيرة)، قاس (إراتوستينس) موقع الشمس في السماء فوق الإسكندرية، وكانت على بعد سبع درجات من الذروة، مما يعني أنه يجب أن تكون أسوان على بعد سبع درجات من الإسكندرية كما قِيست على الدائرة التي تمثل محيط الأرض، ونظراً لأن سبع درجات هي حوالي واحد على 50 من دائرة كاملة (360 درجة)، فقد ضاعف إراتوستينس ببساطة المسافة من الإسكندرية إلى أسوان -يعتقد أنها كانت حوالي 515 ميلاً (830 كم)- وضربها في 50، ثم حسب محيط الأرض بالتقريب فكان 26000 ميل (42000 كم)، وقيمة هذا الرقم على بعد خمسة بالمائة فقط من القيمة الحديثة المقبولة البالغة 24،860 ميلاً (40،008 كيلومترات).
-أخطاء إراتوستينس عند قياس محيط الكرة الأرضية:
استخدام الوحدة اليونانية القديمة stadion لقياس الطول.
افتراض أن اشعة الشمس كانت مشرقة بالتوازي مع الإسكندرية وأسوان.
افترض أن أسوان على خط عرض 27َ 23ْ.
طور (إراتوستينس) بشكل صحيح صيغة لحساب محيط الأرض، فكان أول من حاول قياس محيط الكرة الأرضية، لكن تقديره تضمن أخطاء عديدة وكمثال “كانت الوحدة اليونانية القديمة لقياس الطول stadion تستند إلى محيط الملعب اليوناني المتوسط، لكن الملاعب الرياضية في اليونان يبلغ طولها 607 قدماً (ما يقرب من 185 متر) بينما كانت الملاعب الموجودة في مصر 517 قدماً (ما يقرب من 157 متر)، كما افترض إراتوستينس أن الشمس كانت مشرقة بالتوازي مع الإسكندرية وأسوان، لكن الأشعة في كلا الموقعين كانت في الواقع مائلة قليلاً، ولهذا كانت حسابات (إراتوستينس) خاطئة بنسبة 16%، بينما إذا إذا كان استخدم المسافات المصرية، لكان خطأه أقل من 2٪ من محيط الأرض الفعلي البالغ 24،860 ميلاً (40،008 كيلومترات)، كما أنه أخطأ في تقدير خط طول وعرض أسوان”.
-محاولات قياس محيط الكرة الأرضية:
المحاولة الأولى للعالم (إراتوستينس).
المحاولة الثانية لبطليموس.
المحاولة الثالثة للعرب.
قياس محيط الكرة الأرضية لإرتوستينس 42000 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 1992 كم.
قياس محيط الكرة الأرضية لبطليموس 44400 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 4392 كم.
قياس محيط الكرة الأرضية لأبناء شاكر 40253 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 245 كم.
قياس محيط الكرة الأرضية لابن خلدون 40435 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 427 كم.
قياس محيط الكرة الأرضية لشمس الدين 40703 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 695 كم.
قياس محيط الكرة الأرضية للمقريزي 40253 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 245 كم
قياس محيط الكرة الأرضية للمسعودي 47355 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 7347 كم
قياس محيط الكرة الأرضية لأبو الفداء 40253 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 245 كم.
قياس محيط الكرة الأرضية للبيروني 41200 كم قياسه يزيد عن المحيط الفعلى بمقدار 1192 كم.
تذكر عديد من المصادر الجغرافية أن محاولات قياس محيط الكرة الأرضية قد جرى ثلاث مرات على مر التاريخ، وكان أول من حاول قياس محيط الكرة الأرضية هو (إراتوستينس)، والمحاولة الثانية كانت في زمن بطليموس، والمحاولة الثالثة كانت من نصيب العرب، وقد عرفنا سابقاً كيف كانت المحاولة الأولى للعالم اليوناني (إراتوستينس) وما النتائج التي توصل إليها.
-المحاولة الثانية لبطليموس:
حاول بطليموس قياس محيط الكرة الأرضية وذلك بعد ما يقرب من 400 عام من المحاولة الأولى لإرتوستينس، واعتمد في هذه المحاولة على دوائر العرض، فقدر محيط الكرة الأرضية على أنه 44400 كم، وبهذا كانت هناك زيادة عن المحيط الفعلى للأرض بما يقرب من 4392 كم.
-المحاولة الثالثة للعرب:
جرى قياس محيط الكرة الأرضية في زمن الخليفة المأمون، وقد حاول عديد من العرب قياس ذلك المحيط، ولكن القياسات كانت تختلف بسبب اعتمادهم على معايير للقياس غير ثابتة مثل حبة الشعير، أو الذراع الذي تغير طوله في زمن المأمون ومن بين الذين حاولوا قياس محيط الكرة الأرضية “أبناء شاكر، العلامة بن خلدون، والمؤرخ الدمشقي شمس الدين (شيخ الربوة)، المقريزي، وكذلك المسعودي،وأبو الفداء، والعالم البيروني”.