تمتلك محافظة الوادي الجديد، الواقعة جنوب غرب مصر، عددًا كبيرًا من المواقع الأثرية المهمة، والتي تنتمي لعصور تاريخية مختلفة. منها مقابر "المزوقة" والتي تقع في واحة الداخلة، والتي تتضمن مقبرتين هما "بادي أوزير" و"بادي باستت". وكان صاحبيهما من كبار كهنة العصر اليوناني الروماني.
وترجع تسمية المقابر بـ "المزوقة" -وهو مصطلح شعبي مصري- بسبب ألوان رسوماتها الزاهية. وقد أطلق أهالي المنطقة هذا الاسم عليها قديما، ومع مرور الوقت وزهوة الألوان المستمرة، صار الاسم ثابتا ومعروفا منذ عشرات السنوات.
جِنان بعيدة
في عام 2011، أصدرت هيئة الكتاب عنوانا عن الواحات المصرية وتاريخها والدور الذي لعبته في الحضارة المصرية، وما بها من كنوز أثرية، وهو كتاب "الواحات المصرية.. جِنان مصر البعيدة" لمؤلفه محمد التداوى، وكان من تقديم الأثري المصري الكبير الراحل الدكتور عبد الحليم نور الدين.
ومن أبرز الواحات التي تناولها الكتاب "واحة الداخلة" التي تضم أماكن أثرية كثيرة، منها معبد دير الحجر ومقابر المزوقة، واللذان أجري لهما مشروع ترميم كبير قبل عدة سنوات، ساهم في حماية نقوشها ورسوماتها الجدارية وألوانها والحفاظ عليها، وتم العمل بأيدي المرممين المصريين.
بادي أوزير
وهي المقبرة الأولى، عبارة عن حجرتين على جدرانها رسومات جنائزية ملونة. والمقبرة مخصصة لرجل وزوجته هو "بادي أوزير" الذي يعني اسمه "هبة المعبود أوزير"، وتتكون المقبرة من حجرتين متداخلتين عليهما طبقة من الجص عليها رسوم واضحة.
وتمثل الرسوم داخل المقبرة مناظر عملية الحساب، ومناظر الحصاد، وعملية التحنيط، و"الأبراج السماوية/ الزودياك" وهي مرسومة على السقف بألوان زاهية. وغيرها من المناظر التي تصور العقائد المصرية وخيرات الواحات المتعددة، ومنها القمح والتمر والعنب.
كذلك هناك الجزء السابع من كتابات "البوابات"، وهي عبارة عن نص جنائزي مصري قديم من عصر الدولة الحديثة. ويروي مرور روح المتوفى حديثا في العالم الآخر.
وعلى جدران المقبرة من الداخل، نجد رسومات وتصوير للآلهة المختلفة، منها الآلهتان إيزيس ونفتيس، وأبناء حورس الأربعة وهم "إمستي، وحابي، وقبح سنواف، وداوموت اف"، والمعبودان أنوبيس وحورس.
بادي باستت
وهي المقبرة الثانية، ومخصصة لرجل يعني اسمه "هبة المعبود باستت" ومعه زوجته في المقبرة. ويُعتقد أنها الأقدم من مقبرة بادي أوزير المجاورة لها.
وتتكون المقبرة من حجرة واحدة منحوتة في الطَفلة -نوع من أنواع الطين- لرجل يدعي "بادي باستت"، وعليها ألوان زاهية تمثل مناظر حصاد القمح، وتصور العديد من الآلهة المصرية، أهمها أنوبيس وإيزيس ونفتيس.
إيزيس ونفتيس وحورس
لوحظ في المقبرتين تكرار رسومات إيزيس ونفتيس، وهما شقيقتان ظهرنا معا في عدة أماكن من كشوفات أثرية تمت في سقارة. حيث تم العثور في أحد الكشوفات على تمثالين مصنوعين من الخشب وألوانهما زاهية وبراقة.
وكانت الأختان تأخذان وضع النائحات –الباكيات- وذلك حزنا على مقتل "أوزوريس" على يد أخيه "ست"، مما كان سببًا في حزن إيزيس زوجة أوزوريس، وشاركتها في الحزن شقيقتها نفتيس.
أما "حورس"، فهو الإله الذي كان يرمز للشمس في مصر القديمة، وكان رمزًا للعدل، وكان له أربعة أبناء من إيزيس وهم "إمستي، وحابي، وداوموت اف، وقبح سنوف".
هؤلاء الأبناء كانت لهم مكانة في مرتبة الآلهة، وظهروا في كثير من المرات على أغطية الأواني الكانوبية التي كانت تستخدم لحفظ أحشاء المتوفي عند تحنيطه، وذلك لأن مكانتهم المقدسة كانت توجب عليهم في معتقدات المصريين القدماء حماية أعضاء الشخص الذي توفي وتم تحنيطه.