حملة تضليل وخداع صُممت بدقة فكان هجوم "المقاومة الفلسطينية" على إسرائيل في 7 أكتوبر مفاجأةً مدوية، لا من حيث طبيعته غير المتوقعة وحسب، وإنما أيضًا من حيث الأحداث غير المسبوقة التي لازمته، حيث انطلقت عملية "طوفان الأقصى" فجر يوم السبت الماضي، فيما يتعرض قطاع غزة من وقتها لقصف الطيران الإسرائيلي، وسط معاناة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
فقد أخفقت أجهزة استخبارات الاحتلال الإسرائيلي في التنبؤ بالهجوم، وافتقرَ الجيش الإسرائيلي في البداية إلى استجابة سريعة فعالة، ونجحت "المقاومة الفلسطينية"على غير المتوقع في الساعات الأولى من الهجوم في تحقيق أهدافها، ورغم أنه ما زال من السابق لأوانه تحديد أسباب هذه الإخفاقات، فهناك تخمينات مستندة إلى أدلة يمكن استخلاصها، بحسب مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية.
وقالت "ناشونال إنترست" في السنوات الأخيرة، انصبَّ تركيز مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي إلى حدٍ كبير على إيران وحدودها مع سوريا ولبنان، ويستخدم الإسرائيليون في الأساس قدراتهم التجسسية لمواجهة تطوير برامج إيران النووية والباليستية، وكذلك لمنع نقل المعدات العسكرية المتقدمة من إيران إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا.
وأضافت المجلة إن حالة التأهب القصوى الأخيرة في تل أبيب التي جاءت استجابةً لبناء إيران وحزب الله لمطارٍ في جنوب لبنان، وأنشطة لواء الحسين المدعوم من إيران في سوريا، ونَصْب حزب الله مؤخرًا لخيامٍ في مدينة الغجر كلها مؤشرات على تحوُّل انتباه مجتمع الاستخبارات، وفي هذا السياق، يمكن للمرء أن يجادل بأن "المقاومة الفلسطينية" وداعميها، ولا سيما إيران وحزب الله، كانوا يعولون على انصراف الانتباه هذا ويحاولون تكثيفه.
وتابعت المجلة: "بعيدًا عن سبب الهفوة الاستخباراتية الإسرائيلية، فإننا بحاجة إلى فهم تأثيرها. قبل ثلاثة أسابيع فقط، وتحديدًا في ١٢ سبتمبر الماضي، أجرت غرفة العمليات المُشتركة في قطاع غزة، التي تضم عناصر فلسطينية مختلفة بقيادة كتائب القسّام، الجناح العسكري لـ "حماس"، تدريبات عسكرية مُكثفة، فقد تدربوا على الهجمات الصاروخية الجماعية، واستخدموا قدرات الطائرات المسيرة الهجومية، وصقلوا تقنيات حرب العصابات في المناطق الحضرية، وقد استُغلت كل هذه التكتيكات في الهجوم الحالي، ورغم ذلك فشل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي في التنبؤ بالهجوم".
فضلًا عن صرف انتباه أجهزة الاستخبارات، يقول الكاتب: "يبدو أن إسرائيل حُرِمَت من إحدى مزاياها الأساسية في الهجوم الأخير، ألا وهي عنصر المفاجأة".
فيما عدا حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، وفي غالبية الصراعات الأخرى، كانت إسرائيل تتمتع بميزة مفاجأة العدو بهجمات جوية جماعية لإصابة العدو بـ"الشلل الإستراتيجي"، ومع ذلك، ففي هذا الصراع، لم تُحرَم إسرائيل من عنصر المفاجأة وحسب، وإنما استُغلَّ هذا العنصر ضد جيشها.
ولمضاعفة "الشلل التكتيكيّ"، استخدم الفلسطينيون استراتيجية شبيهة بالحرب الخاطفة، إذ حشدت قواتها على نقاط دخول محددة، ثم تقدمت بسرعة، وانتشر عناصرها بشكلٍ دوري خلف خطوط الدفاع الإسرائيلية، فضلًا عن ذلك، يبدو أن "المقاومة الفلسطينية" حاولت خلق حالة من الفوضى، وتشتيت انتباه الجيش الإسرائيلي باستخدام الزوارق والطائرات الشراعية التي تعمل بمحركات.
وشملت ابتكارات "المقاومة الفلسطينية" التعبوية أيضًا استخدام أسلحة جديدة واستعراض قوة نيران غير مسبوقة، وبالنظر إلى صراعها مع إسرائيل في عام ٢٠٢١، أدركت "حماس" أنه رغم أنها لا تستطيع التفوق على تقنية القبة الحديدية، فقد تتفوق على قدرات إعادة تحميلها.
وبتركيز نيرانهم وإطلاق العديد من الصواريخ والقذائف وطائرات الكاميكازي المسيرة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، عقدت "حماس" الآمال على تحميل القبة الحديدية أكثر من قدراتها. ويبدو نجاحهم في هذه المهمة متفاوتًا. واستلهمت "حماس" الصراع الروسي-الأوكراني الدائر حاليًّا، فقد استخدمت طائرات مُسيرة بأربع مروحيات يصعب اكتشافها لاستهداف القوات الإسرائيلية ومراكز المراقبة.
احتجاز الرهائن لتحييد ميزة التفوق الجوي الإسرائيلي
وأوضح الكاتب أنه في هذا الصراع، يبدو أن "المقاومة الفلسطينية" تحاول تحييد إحدى المزايا الأساسية التي يتمتع بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ألا وهي التفوق الجوي، وذلك باحتجاز مئات الإسرائيليين رهائن عندها.
وفي حين أن الهدف الأساسي من احتجاز الرهائن هو على الأرجح استخدامها للمساومة في المفاوضات المُستقبلية إذ ذكرت "المقاومة الفلسطينية" أيضًا أن لديها ما يكفي من الرهائن لتحرير جميع السجناء الفلسطينيين تجدر الإشارة إلى أن "المقاومة الفلسطينية" من المحتمل أن تؤوي هؤلاء الرهائن في المخابئ والأنفاق.
وهذه الخطة لا تُقيد وحسب حرية حركة سلاح الطيران لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وإنما تزيد أيضًا من احتمالات حدوث أضرار جانبية. في إطار النزاعات السابقة، فإذا هاجمت إسرائيل، فستُخاطر بمواطنيها، وإن لم تُهاجم، فستواجه تحديات رغم ذلك.
"المقاومة الفلسطينية" لن تفاوض على الأسرى تحت النار
في المقابل، أعلنت "المقاومة الفلسطينية"، أنها "لن تدخل في تفاوض على قضية الأسرى تحت النار وفي ظل المعركة". وقالت: "إن قضية الأسرى ملف استراتيجي له مساره المعروف"، مضيفًا أن "لهذا الملف أثمانه التي ستدفعها إسرائيل لا محالة".
وأكدت أن "لن تدخل في تفاوض على قضية الأسرى تحت النار وفي ظل المعركة"، معتبرًا أن "الضغط الإسرائيلي لن يفلح في هذا المجال (تبادل الأسرى)"، داعيًا إسرائيل إلى "توفير جهدها والاستعداد لدفع الثمن".
وأن إعلان إسرائيل الحرب على غزة وتلويحها بالدخول البري للقطاع "أمر مثير للسخرية"، موضحًا أن "الجيش الإسرائيلي لن يجرؤ على مواجهة يتمناها تسعة أعشار عناصر المقاومة".
وبحسب المتحدث، فإنهم "على يقين بأن طوفان الأقصى لا يزال يتشكل، ليلقن الاحتلال درسًا تاريخيًا في بأس أمتنا في كل الساحات والجبهات". وتابع: "معادلة الحرب الإقليمية مقابل العدوان على الأقصى لن تكون شعارًا، بل نارًا وطوفانًا يحرق العدو مرة وإلى الأبد".