الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

«بناء وترميم الكنائس».. عبء ثقيل انتزعته الدولة المصرية عن كاهل الأقباط .. تقنين المئات غير المرخصة وبناء العشرات في المدن الجديدة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عانى الأقباط المسيحيون كثيرا من التطرف على مر التاريخ، بدءا من الإمبراطورية الرومانية وصولا إلى بطش الجماعات الإرهابية وسموم الإخوان المسلمين، إلى أن أتى نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى؛ ليتصدى للتطرف ومنابعه؛ ليترتب عليه فتح صفحة جديدة مع الأقباط.

ووضعت ملفات الأقباط على الطاولة لتحل الكثير من مشاكلهم على أرض الواقع بمرور الأعوام؛ ليندمجوا من جديد فى مجتمعهم القائم على ركائز قيم المواطنة؛ وبالتأكيد يتبقى الكثير من الملفات؛ التى تمثل رواسب الأنظمة السابقة فما خلفه عشرات الأعوام من تغلغل الجماعات الإرهابية لا يمكن أن ينتهى بين ليلة وضحاها.

وفى السطور القادمة ترصد «البوابة نيوز» أحد الملفات الشائكة التى سعت الدولة لحلها، وهو «ملف بناء وترميم الكنائس»، وهو أحد أكثر الملفات التى عانى منها الأقباط لقرون عديدة؛ ليشهد هذا الملف خلال السنوات الماضية انفراجة كبيرة فى الوطن، حيث تم تقنين مئات الكنائس غير المرخصة، وبناء عشرات الكنائس فى المدن الجديدة التى أنشأتها الدولة، عوضا عن ترميم وإعادة بناء الكنائس المتهالكة والتى دمرت من قبل جماعات التطرف الإرهابية، وكلل ذلك بإصدار قانون بناء الكنائس فى 2016م لأول مرة بعد غياب طويل يزيد على 160 عاما.

نهاية الخط الهمايونى

تعود أزمة بناء الكنائس فى مصر إلى فبراير 1856م عندما كانت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية، حيث أصدر عبدالمجيد سلطان الدولة مجموعة إصلاحات سميت بـ"الخط الهمايونى"، وكانت من أهم بنودها، أن السلطان شخصيا وفقط له الحق فى ترخيص بناء وترميم الكنائس والمقابر الخاصة لغير المسلمين.

ويزداد الأمر صعوبة بعد ذلك بظهور "شروط القربى" التى أصدرها القربى باشا وكيل وزارة الداخلية فى فبراير 1934م، وكانت مشكلة من عشرة شروط مستعصية، تكبح مسألة بناء الكنائس فى مصر من الأساس. 

وبمرور الحكومات استمر أمر بناء أو ترميم كنيسة قاصرا على حاكم البلاد؛ وبذلك إذا كنت تريد تجهيز حمام فى الكنيسة فقط، كنت بحاجة إلى قرار جمهورى؛ وباستمرار الأزمة وغياب تواجد الكنائس فى كثير من المناطق التى يقطنها الأقباط؛ فتحول بمرور الوقت مئات المبانى السكنية غير المهيئة للصلاة إلى كنائس يلجأ إليها الأقباط للصلاة؛ لتنتهى هذه الأزمة ويحسم أمرها بمجيء نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى فعمل النظام على إصدار «قانون بناء الكنائس» لينتقل الأمر من الاتفاقات الشفهية، إلى حق دستورى للأقباط بنص المادة 235 من دستور 2014 التى تنص على: «يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية».

وبذلك القانون المكون من 10 مواد، يستطيع الممثل القانونى للطائفة المسيحية أن يتوجه إلى المحافظ المختص بطلب للحصول على الموافقات المتطلبة قانونيا للقيام بأى من الأعمال المطلوب الترخيص بها، ليأتى له الرد فى غضون 4 أشهر بحد أقصى.

وعلى الرغم من أن بعض مواد القانون لاقت بعض الاعتراضات من قبل قانونيين ومسئولين مسيحيين، إلا أن هذه الخطوة كانت إيجابية وبناءة؛ حيث تخلص الأقباط من خلاله من المراوغات والاتفاقات الشفاهية.

وننتقل بالحديث إلى المكتسبات؛ فيقول قداسة البابا تواضروس الثانى بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إنه أقمنا على أساس القانون الجديد كنائس عديدة، وأعدنا تنظيم الكنائس الموجودة، وكانت هذه الطفرة تحدث أول مرة فى مصر؛ ففى السابق كنا نفصل فى موضوع بناء الكنائس ودور العبادة باللجوء إلى نص قانون معتمد من الإمبراطورية العثمانية، ولقد وصل عدد الكنائس حتى الآن إلى أكثر من 3000 كنيسة فى مصر، ولكن لا يزال هناك العديد من المناطق التى تحتاج إلى كنائس، ونتعاون مع السلطات الإدارية فى ذلك.

وأكد، أن أوضاع الاقباط فى مصر حاليا أفضل كثيرا بفضل قانون بناء الكنائس الذى يسمح للمصريين المسيحيين ببناء كنائس جديدة، وقد تم خلال الـ 9 سنوات إصدار تراخيص لـ2500 كنيسة، كما أشاد قداسة البابا بمجهودات الرئيس السيسى، وحرصه الدائم على تحقيق المساواة والعدالة بين كافة أطياف الشعب المصرى، وأن الرئيس يبنى دولة جديدة ويساهم معه فى ذلك كافة الشعب المصرى، فمصر دعامة قوية تسند دول الجوار.

ويقول القمص موسى إبراهيم، المتحدث الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إنه قد وصل عدد الكنائس التى تم تقنين أوضاعها خلال العام الماضى فقط إلى 581 كنيسة ومبنى تابعا لها.  

بينما يقول الدكتور أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية، إن الدولة لعبت دورا كبيرا فى تقنين أوضاع الكنائس، فالكنيسة الإنجيلية كان لديها 1500 كنيسة، كان مسجل منها 500 كنيسة، وفى 5 سنوات تم تقنين 500 كنيسة وبيت مؤتمرات، أى ما تم خلال 5 سنوات يساوى ما تم فى 200 عام من تقنين أوضاع الكنائس.

ويقول القس ماتريوس جمال كاهن كنيسة العذراء والملاك بعزبة ويصا بصنبو بديروط لـ«البوابة»: «إصدار قانون بناء الكنائس كان خطوة مهمة جدا انتظرها الأقباط كثيرا، وأنهت عهدا من التمييز والتعنت، هذا العهد اضطر الأقباط فيه إلى البناء المخالف، بما يحمله من استعجال وعدم توفر المتطلبات الكاملة للمبنى الكنسى، أما هذا القانون بما يحمله من اشتراطات معمارية وحماية مدنية، يتيح الحصول على مبنى كنسى مكتمل الإمكانيات والتجهيزات والشروط الصحية والمعمارية، بما ينعكس على جودة الخدمة التى يقوم بها، وراحة المصلين والخدام والعاملين، هذا بالإضافة الى المردود المعنوى لهذا القانون على جموع الأقباط، وتعظيم قيم المواطنة والوحدة الوطنية».

وتابع: «حرص الدولة على بناء الكنائس فى المدن الجديدة، يعكس حرصها على العدالة الاجتماعية وحرية المواطن فى ممارسة عبادته التى يؤمن بها ويرتاح إليها قلبه، ويؤكد على اهتمام الدولة بجذب جميع فئات الوطن إلى هذه المدن".

واختتم قائلا: «وما قامت به الدولة من إعادة بناء وترميم الكنائس التى طالتها يد الإرهاب، هى رسالة إلى كل جموع الأقباط أنهم من نسيج الوطن ولا يفرقهم شيء عن إخوانهم المسلمين، كما أنها رسالة إلى العالم كله بإدراك الدولة لمسئوليتها وحرصها على أمن المصريين جميعا». 

ومن جانبه يقول المحامى رومانى ميشيل فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»: «شهد وطننا العديد من الأزمات والحوادث الإرهابية البغيضة، رأينا أكثر من 90 كنيسة تحترق فى كافة مختلف أنحاء البلاد، وكنا نعيش فى حالة كبيرة من الاحتقان بداخل الوطن نتيجة إلى ظهور الطائفية الشديدة على يد الإخوان الإرهابيين، وبتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى بدأت الأمور تعود تدريجيا لمصابها الصحيح، ورأينا الرئيس فى كثير من التصريحات رافعا شعار البناء وليس الهدم؛ فتعهد بأن أى كنيسة سيتم المساس بها أو حرقها فورا ستبنى، والجانب اللافت فى هذا الأمر أنه قد أصر على أن مصر هى التى ستبينها بتمويل ورعاية الدولة، أى لا دون تدخل لتبرعات الأقباط أو الكنيسة».

وأضاف: «الذى قام به الرئيس أعاد للأقباط ثقتهم فى الدولة من جديد، وبدأ بشكل جديد وجود خطوات نحو المواطنة وكان منها قانون بناء الكنائس، نحن قد عانينا على مدار 160 عاما من الخط الهمايونى، الذى كان يمنعنا من فعل أى شيء من بناء أو ترميم، فكنت تمر بسلسلة المعقدة؛ فأمر الرئيس بضرورة تقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة التى تتجاوز الآلاف».

وتابع: «لم تكتف الدولة بل ساهمت أيضا ببناء الكنائس فى المدن الجديدة من العاصمة الإدارية ومدينة بدر وغيرها من المدن، ورأينا موقفا جميلا للرئيس عندما كان يزور أحد المدن الجديدة فسأل أحد المسئولين بالقول: هو هنا فى كام كنيسة؟، فبادر المسئول بالرد "واحدة يا ريس"، فقال له سيادته: يبنى واحدة أخرى بجوارها».

واختتم ميشيل حديثه بالقول: «وأقولها بكل وضوح كقبطى أنه قد تلاشت نغمة الطائفية فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى، فكان يوجد من هم أكل عيشهم الفتنة الطائفية، فسد عليهم الكثير من الثغرات».

ويقول الباحث فى الملف القبطى أمجد سمير لـ«البوابة»: «بداية الكنيسة تمثل للمواطن المسيحى الملاذ الأول له، حيث يمارس بها عبادته ويواظب على صلواته؛ فالكنيسة هى قلب المسيحى الذى يلجأ إليها فى جميع الأوقات فيقول القديس كبريانوس: من لم يتخذ الكنيسة له أما لا يستطيع أن يأخذ المسيح لها أبا” وتتعدد المعانى والأوصاف التى تعبر عن الكنيسة.

ويتابع: «خلال الحقبة الماضية عانينا من التمسك من الشروط القديمة والخط الهيمايونى، بجانب الفتاوى التى صدرت عن الجماعات المتطرفة التى لا تقبل وجود أى كنيسة فى الوطن من الأساس، إلى أن جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وأصدر قانونا لتقنين أوضاع الكنائس، بعد أن كان يتحايل الأقباط على الشروط والموروثات، فالعبادة وممارسة شعائره الدينية من حق كافة المواطنين وهذا من صحيح الدين؛ فيقول الرسول الكريم "لكم دينكم ولى دين".

وأضاف أنه من مكتسبات هذا القانون التى رأيتها على أرض الواقع في إيبارشية مغاغة والعدوة تم استخراج تصاريح وبناء كنيسة السيدة العذراء بقرية الكوم الأخضر ومازال العمل فيها وكذلك تم بناء كنيسة العائلة المقدسة فى قرية دير الجرنوس إحدى مزارات العائلة المقدسة وتم استخراج تصاريح والبدء فى بناء كنيسة السيدة العذراء بمركز مغاغة.

واختتم سمير قائلا: «وأصبحت مسألة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال كل عام للتهنئة بعيد الميلاد المجيد طقسا وسلوكا متكررا أراد به الرئيس أن يعيد البسمة والفرحة على وجوه الجميع؛ أكد من خلالها أنه رئيس لكل المصريين».

خطابات ذهبية

وما نتج من إسهامات ملموسة من قبل الدولة نحو بناء دولة جديدة تقوم على ركائز المواطنة؛ كان نابعا من فكر ومنهج كان يمثل وقودا أساسيا لهذه الخطى، ونتخذ هذه الفرصة لنستعيد بعض خطابات الرئيس القائمة على المساواة والمواطنة الحقيقية.

يقول الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال احتفالات لليلة القدر من عام 2019: «لو لديك غضاضة عندما ترى كنيسة أمامك؛ فعليك أن تفتش فى كمال إيمانك، "أنت مالك! خليك فى حالك"، عسى أنك تنجو بنفسك يوم القيامة أمام الله، خليك بس أمين على دينك أنت، نحن فى مسألة فصل الدين نعانى من انفصام حقيقى بين ممارساتنا وبين فهمنا لدينا، أنا كنت أقدم الدين الذى أعرفه والذى أفهمه لأهلى المسيحيين الموجودين فى مصر، وبالمناسبة لا أحب أن أقول مسيحى ومسلم أحب أن أقول مصرى فقط، اللى غير كدا فاهم غلط».

ويقول الرئيس أيضا فى موضع آخر خلال منتدى شباب العالم بشرم الشيخ من عام 2018: «لا تمييز بين رجل وامرأة، لا تميز بين دين وآخر، الجميع سواء، وهذا ليس مجرد كلام هذه ممارسات لابد أن تنفذ، سياسات وآليات عمل لابد أن تستمر فى الدولة حتى تنتهى برحيل أحد، كان لدينا قوانين ظلت 150 سنة لم تر النور مثل قانون بناء الكنائس، ونحن قمنا بإخراجه».