تعيين الجنرال كاباريبى وزيرا للتعاون فى رواندا!
خلافًا لكل التوقعات أثار تعيين الجنرال جيمس كاباريبى فى ٢٧ سبتمبر فى منصب وزير الدولة للتعاون الإقليمى فى رواندا ضجة فى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
يبدو أن اختيار كاباريبى يعنى أن رواندا ترغب فى استبعاد جمهورية الكونغو الديمقراطية من مظلة التعاون الإقليمى ويرى فيل كلارك أستاذ السياسة الدولية فى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية من جامعة لندن أن الحكومة الرواندية تعلم جيدًا أن كينشاسا تعتبرها العقل المدبر للتدخل العسكرى الرواندى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ التسعينيات وحتى اليوم"
وقد ورد اسم الجنرال كاباريبى فى تقرير خبراء الأمم المتحدة فى يونيو ٢٠٢٣ بشأن الكونغو الديمقراطية باعتباره أحد الضباط الروانديين المشاركين فى العمليات العسكرية فى مقاطعة شمال كيفو الكونغولية فى الأشهر الأخيرة.
ويشير تقرير الأمم المتحدة بوضوح إلى أن هذه العمليات تهدف إلى "تعزيز حركة إم ٢٣ من خلال توفير القوات والمعدات، واستخدامها للسيطرة على مواقع التعدين، واكتساب النفوذ السياسى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتدمير القوات الديمقراطية لتحرير رواندا". (FDLR)"، وهى جماعة متمردة رواندية من الهوتو تشكلت فى البداية على يد مرتكبى جرائم إبادة جماعية سابقين.
وترفض كيجالى دائمًا أى اتهام بوجود صلة لها بحركة ام ٢٣ وأدانت هذا الاتهام على لسان رئيسها بقوله "إنها رواية استمرت لفترة طويلة" فى ٤ يوليو ٢٠٢٣ وذلك خلال مقابلة مع التليفزيون الوطنى متسائلا "هل هذا يضع حل المشكلة؟ ومستنكرا صمت المجتمع الدولى تجاه مصير اللاجئين الكونغوليين الناطقين باللغة الرواندية المستوطنين فى رواندا وتواطؤ القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا وهى المجموعة التى وصفها بأنها تهديد لكيجالي.
ويستكمل البروفيسور كلارك تحليله للوضع "بينما تنظر جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى كاباريبى بقدر كبير من الشك فإنه يحظى بالاحترام فى القارة ليس فقط لدوره فى سقوط موبوتو ولكن أيضًا مع مختلف بعثات حفظ السلام من رواندا إلى موزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى. (لوموند ٢ أكتوبر ٢٠٢٣)
ومع ذلك فإن تاريخ هذا البلد الواقع فى وسط أفريقيا المليء بثروات معدنية هائلة غير معروف إلى حد كبير
فمنذ عام ١٩٩٧ لقى ١٠ ملايين شخص حتفهم واغتصبت ٥٠٠ ألف امرأة، ودُمرت ١١٠ آلاف كيلومتر مربع من الغابات فى الكونغو بسبب الاستغلال غير القانونى للموارد التعدينية ومنذ عام ١٩٩٤ شهدنا الغزو الخفى للكونغو على يد ميليشيات تابعة لقوات بول كاجامى رئيس رواندا الذى دعمه فى البداية الرئيس بيل كلينتون ثم ساركوزي.
بول كاجامى هذا الرجل القوى الذى تدرب فى الولايات المتحدة ويخدم مصالح واشنطن على أفضل وجه ليس فقط فى جمهورية الكونغو الديمقراطية ولكن أيضًا فى جمهورية أفريقيا الوسطى فى الكونغو برازافيل وفى دول وسط أفريقيا حيث الصراع بين الغرب والصين. ولا شك أن روسيا نهمة فى السيطرة على الموارد الاستراتيجية هناك وهكذا يقوم المفترسون بتقطيع جمهورية الكونغو الديمقراطية ونهب ثرواتها.
وقد اندلعت حرب كيفو فى عام ١٩٩٦ فى أعقاب انتفاضة التوتسى الكونغوليين المعروفين باسم البانيامولينجو والتى استغلها بول كاجامى صاحب النفوذ والذى تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا. منذ عام ١٩٩٤ يستقبل شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية العديد من اللاجئين الهوتو الفارين من غضب وانتقام التوتسى الذين وصلوا إلى السلطة.
وقد كان المارشال موبوتو مازال فى الحكم ٠ وعلى الرغم من الانتهاكات العديدة الناجمة عن طغيانه ظل حليفًا مخلصًا لفرنسا وعاملا للاستقرار.
وقد قام تشارلز أونانا فى كتابه "الهولوكوست فى الكونغو، أوميرتا المجتمع الدولي"، الذى نشرته L'Artilleur عام ٢٠٢٣ بتوثيق تورط واشنطن فى مذابح اللاجئين على يد القوات الرواندية ولكن من سيحاسب بول كاجامى حليف واشنطن؟ كيف وواشنطن تنكر كل هذه الحقائق حفاظا على مصالحها وبأى ثمن وغنى عن القول أن تعيين الجنرال كاباريبى حصل على تأييد البنتاجون.
وكانت الحروب الماضية شأنها شأن حروب اليوم تمثل جزءا من التنافس الأمريكى الفرنسى فى أفريقيا. وبذلك تكون أمريكا هى التى منعت آنذاك تجديد بطرس بطرس غالى الناطق بالفرنسية أمينًا عامًا للأمم المتحدة. وأخيرًا، فإن فرنسا التى تفاوضت على عودتها إلى قيادة حلف شمال الأطلسى مقابل إنشاء الدعامة الجنوبية للمنظمة فى البحر الأبيض المتوسط تعرضت فى نهاية المطاف للطرد بازدراء من جانب واشنطن.
أوليفييه دوزون: مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، قرار تعيين الجنرال كاباريبى وزيرا للتعاون فى رواندا، وعلق على ذلك بقوله إن "ظل واشنطن يلوح فى الأفق".