الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوبير يكتب: ناجورنو كاراباخ نهاية القصة وصحوة التاريخ!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأمم المتحدة فى غيبوبة.. ما فائدة إرسال بعثة لحماية شعب تم طرده بالفعل من وطنه؟

فى غضون أيام قليلة، انهارت جمهورية ناجورنو كاراباخ الانفصالية وسحقتها جيوش أذربيجان. وبتفكك أوصال هذه المقاطعة المتمردة ضد باكو أُغلق فصلًا من كتاب فتح منذ أكثر من قرن من الزمان. كان هذا الجيب الجبلى هو مهد الحضارة الأرمنية ويسكنه ٩٥٪ من الأرمن وقد قامت القوة السوفيتية بضمه فى عام ١٩٢١ إلى الأراضى الأذربيجانية لكنه تمكن من انتزاع شكل من أشكال الحكم الذاتى ومع سقوط الاتحاد السوفيتي أعلنت استقلالها من جانب واحد خوفًا من فقدان نفوذها داخل جمهورية أذربيجان الجديدة. وكانت آنذاك مسرحًا لحربين بين جمهوريتى أذربيجان وأرمينيا السوفيتيتين السابقتين: الأولى امتدت من عام ١٩٨٨ إلى عام ١٩٩٤ وأسفرت عن مقتل ٣٠ ألفًا – والثانية فى خريف عام ٢٠٢٠ وأسفرت عن مقتل ٦٥٠٠ قتيل.
تم محوها من الخريطة فى أيام قليلة الأمر الذى أدى إلى إلقاء ما يقرب من ١٠٠ ألف أرمنى من ناجورنو كاراباخ نازحين إلى أرمينيا. ولم تحاول يريفان منع باكو من وضع يديها على الإقليم الذى أصيب بصدمة من الضرب العسكرى الذى تعرض له فى عام ٢٠٢٠. وقد تعافت أذربيجان التى هُزمت عسكريًا فى عام ١٩٩٤. وبمساعدة تركيا ومن خلال بيع المواد الهيدروكربونية استطاعت باكو استغلال هذه الميزة وحصلت من يريفان التى تخلى عنها الروس على الاعتراف بضم ناجورنو كاراباخ إلى أذربيجان فى مايو الماضى وقد انتهى الأمر بأرمينيا إلى الخوف على سلامة أراضيها بعد أن احتلت الجيوش الأذربيجانية ١٥٠ كيلومترًا من الأراضى الأرمنية بعد عام ٢٠٢١.
وعلى هذا، فإن انتصار باكو السياسى والعسكرى ليس بالأمر المفاجئ إذ إنه يعكس ضعف أرمينيا التى اعتمدت على روسيا لضمان الوضع الراهن الإقليمى ثم سعت إلى الحصول على دعم آخر من الغرب الأمر الذى أغضب بوتين. لقد كان النصر حليف المعسكر الأكثر تصميما والأفضل تجهيزًا ألا وهو معسكر الأتراك والأذريين فى مواجهة جُبن الغربيين.
فإن السهولة التى تمكنت بها باكو من حل المشكلة الإقليمية لتنبئ بحالة التدهور التى تعانى منها منظمة الأمم المتحدة.
لقد غاب دور الأمم المتحدة أثناء غزو أوكرانيا الذى هو انتهاك واضح للقانون الدولى قامت به روسيا مما اضطر الجمعية العامة إلى تجاوز مجلس الأمن العاجز. وهكذا تم تطبيق قرار أتشيسون (٣٧٧/v المعروف بالاتحاد من أجل صون السلام) مما جعل من الممكن تعبئة الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة موضوع يخص السلام. فى ٢ مارس ٢٠٢٢ وبعد مرور أكثر من أسبوع على اندلاع الأعمال العدائية اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بأغلبية ١٤١ صوتًا مقابل ٥ أصوات وامتناع ٣٥ عن التصويت يصف غزو أوكرانيا بالعدوان ويدعو روسيا إلى إنهاء تدخلها العسكرى فورًا. ورغم أن هذا اللجوء إلى الجمعية العامة وهى المرة الأولى من نوعها بالنسبة للأمم المتحدة منذ أربعين عامًا رغم أنها أمر يدعو إلى الفخر إلا انها لا تخلو من خطابية وشكليه إلى حد كبير. إذ لم تتابع الأمم المتحدة قرارها من خلال اتخاذ قرار بفرض عقوبات أو حتى توصية الدول الأعضاء بفرض هذه العقوبات ولا شك أن الإجماع الدولى كان مع هذا التخاذل.
وفيما يخص قضية ناجورنو كاراباخ، فإن المشكلة القانونية أكثر تعقيدا بسبب التعارض بين معيارين قانونيين: مبدأ حق الشعوب فى تقرير المصير ومبدأ السلامة الإقليمية.
ولم تقم الأمم المتحدة دائمًا بوزن هذين المطلبين بنفس المعيار: فقد حررت كوسوفو التى هى مهد الشعب الصربى ولكن أغلب سكانها من الألبان حررت نفسها من صربيا وأعلنت استقلالها فى عام ٢٠٠٨. وإذا كانت الأمم المتحدة لم تعترف بكوسوفو كدولة داخل حدودها فإن محكمة العدل الدولية أصدرت فى يوليو ٢٠١٠ فتوى تؤكد إعلان استقلال كوسوفو اتفاقا مع القانون الدولى بينما لم يتم اتخاذ أى إجراء لضمان سلامة أراضى صربيا وعلى العكس من ذلك أدانت الأمم المتحدة بموجب القرار ٦٨/٢٦٢ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٧ مارس ٢٠١٤ صحة الاستفتاء الذى أجرى فى مارس ٢٠١٤ فى جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتى وفى سيفاستوبول مع الأخذ فى الاعتبار عدم اعتراف أوكرانيا بشرعيتها رغم أن هذه المقاطعة يسكنها الروس بشكل رئيسي.
وبذلك فليس من السهل أن نقرر من هو على حق فيما يخص مشكلة ناجورنو كاراباخ. وبالفعل وقع الهجوم الأذربيجانى فى ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣، وهو نفس اليوم الذى بدأت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشتها العامة السنوية الرفيعة المستوى والتى ركزت فيها على أهداف التنمية المستدامة لصالح السلام والازدهار والتقدم والاستدامة!
ورغم احتجاجات الغرب لم يحدث شيء على الإطلاق: فقد دعا مجلس الأمن إلى وضع حد للعنف لكنه لم يعتمد أى تدابير قسرية (الفصل السابع) او غير قسرية (الفصل السادس).
وقد تحدث بعض المسئولين الدوليين أو الأرمن عن الإبادة الجماعية واصفين ما يحدث اليوم بأرمينيا هو فى الواقع مجرد بقايا من أرمينيا الكبرى. وفى وقت الإبادة الجماعية عام ١٩١٥ تم تقسيمها إلى كيانين: الثلثين فى الإمبراطورية العثمانية تحت اسم أرمينيا الغربية، والثلث فى الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية الفارسية، أرمينيا الشرقية. لقد تم استئصال الجزء الأول وما بقى وهو أرمينيا الشرقية مهدد بالانقراض الثقافى والسياسي. فهم يرون هذا على أنه استمرار للإبادة الجماعية التى بدأت فى القرن العشرين.
سأكون أكثر دقة لأننى أتحفظ عند استخدام أيه كلمة وأدرك العواقب القانونية التى تحملها. ودون إنكار المعاناة التى لحقت بالأرمن لم تقم الدولة الأذربيجانية بتنفيذ التخطيط المرسوم للسكان الأرمن فى كاراباخ. ومع ذلك فمن خلال طرد كل هؤلاء السكان فإننا نشهد تطهيرًا ثقافيًا وسياسيًا فعليًا كما أن بعض الأفعال المرتكبة مثل إغلاق الممر الذى يربط ناجورنو كاراباخ بأرمينيا أو إستمرار جرائم الحرب من شأنها أن تحث العالم للتحرك لمنع وقوع مأساة ثانية فى أرمينيا.
وبدلًا من ذلك فقد كان رد فعل الأمم المتحدة التى أرسلت بعثة إلى هناك متأخرًا جدًا. ما الفائدة من المجيء لحماية شعب طرد بالفعل من وطنه؟ ومن الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من أن الصراع الأذربيجانى الأرمنى الأخير يعود إلى عام ٢٠٢٠ فإن الأمم المتحدة لم تتحرك قط بنشر قوة لحفظ السلام هناك. بل على العكس من ذلك فضلت خصخصة السلام بتكليف روسيا المسؤولة عن وقف إطلاق النار فى عام ٢٠٢٠، بمهمة نشر فرقة من قوات حفظ السلام الروسية. وكان هذا خطأ كبيرًا لأن روسيا ليست محايدة فى اللعبة الإقليمية كما أنها متقلبة فى مسألة القانون.
لقد انتهى العصر الذى افتتح بحرب الخليج وعصر انتصار ميثاق سان فرانسيسكو فى أوكرانيا.. إن صفحة التدخلات الإنسانية الكبرى التى بدأت فى لبنان أو فلسطين قد أغلق اليوم تمامًا بسلبية عالمية بشأن ناجورنو كاراباخ الأمر الذى يعكس غيبوبة الأمم المتحدة شأنها فى ذلك شان فى ذلك عصبة الأمم من قبلها ولكن السبب أعمق: فالقواعد العالمية للعبة والتى صاغتها الدبلوماسية الغربية تتنافس عليها كل الأطراف من خلال علاقات القوة الجديدة.
لقد تحدث فرانسيس فوكوياما عن نهاية التاريخ بحرف الـ H الكبير فى عام ١٩٩٢. وها هو التاريخ يبدأ من جديد ولكن بشكل مأساوي.
جوليان أوبير: سياسى فرنسى.. انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017.. ولم يوفق فى انتخابات 2022.. وهو حاليًا نائب رئيس الحزب الجمهورى ورئيس الحركة الشعبية «أوزيه لافرانس».. يقدم، فى مقاله، تحليلًا متكاملًا حول أزمة ناجورنو كاراباخ وما يواجهه شعبها.