عندما قلت للشاعر الكبير "نزار قبانى" إذن كان لوالدتك تأثير عليك...؟
أجاب:
** لا... أمى امرأة بسيطة متدينة... تخاف الله... تصوم... تصلى...
لكن أبى...
كان من نوع آخر...
كان نارا... مشتعلا دائما... متوترا...
محترق فى أعماقه حتى إذا كان أمامه منظر جميل يتحول إلى رماد...
أما أمى فكانت من النوع الهادئ...
كانت هى الماء...
وأبى هو النار...
وكنت أفضل فى الحقيقة نار أبى على ماء أمى...
“ملحوظة”
عندما توفى أبيه كانت فاجعته كبيرة مملوءة بالذهول والحزن وقال في مطلع قصيدة “أبي”:
“أَماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ.. أَنا لا يَموتُ أَبي
فَفي البَيْتِ مِنْهُ..
رَوائِحُ رَبٍّ.. وَذِكْرى نَبِي…"
انتهت الملحوظة
سكت الشاعر لحظات... ولكنى لم أسكت قلت له على الفور...
* لمــــــاذا كنت تَفْضِلَ أَبَاك...؟
أجاب الشاعر بصوته الجميل:
لأن أبى كان يحمل نفسية الفنان... الثائر...
الذى يريد أن يغير الأشياء من حوله سواء سياسيا أو عاطفيا...هو قلق دائما...
تجده فى حالة تربص.. أما أمى فهى كانت مثل الجدول الرقراق اللذيذ يسير فى هدوء
قلت له وهل كانت طفولتك سعيدة... ؟
** أجاب بسرعة شديدة:
جِدًّا... لم اعان في طفولتي من أَيِّهِ عَقْدٍ مثل الاضْطِهَادَ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ
بيتنا كان أَطَارِهِ قَائِمًا على الحب... لا توجد منازعات... إِطْلَاقًا كنا خمسة أخوه...
وابي وامي مسئولان عن هذه المظلة من الحنان والمحبة التى أحاطونا بها فى طفولتنا...
ظل الشاعر الكبير لحظات صامتا وقد انفرجت أساريره وبسط وجهه فرحًا وسرورًا وكأنه عاد إلى سنوات طفولته وانتظرت حتى لا أفسد عليه سعادته ثم سألته هل هل كانت أحلام الطفل نزار توفيق قباني أن يصبح شاعرا...!
رد ضاحكا ما فكرت أَبَدًا أن أَكُونَ شَاعِرَا...ولا أحد يفكر أن يصبح شَاعِرَا.. الشعر هو الذي يداهمك ويصوغك...
والشعر له استعداد جسدي وفكري.... فيه أرض بركانية... وأرض تنبت القطن والقمح...
اسمع... يمكن لطفل أن يحلم بأن يكون طبيبا
أو مهندسا...هذا ممكن....
أما فنان أو رسام أو موسيقى أو شاعر...مستحيل...
لا بد من بذرة داخلية توجد في الأعماق...
اسْتَوْقَفَتْنِى عبارة قالها وهى إن الشعر له استعداد جسدي وفكري، فقلت استعداد فكرى أفهمه ولكن كيف يكون الاستعداد الجسدى...؟
أجاب بحماس شديد وقال:
تركيب الدماغ... في حد ذاته مؤشر... الخلية الأساسية في أعماقه...خلايا في دماغه مستعدة لأن تحب شيئا ما... يا عزيزى حتى اللغة من صنع الشعراء وليس من صنع النحاة...؟
قلت له هل يمكن أن توضح فكرة أن اللغة من صنع الشعراء وليس من صنع النحاة...؟
بانفعاله الحماسى وبلهجته الشامية قال
اللغويون لا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا...
أو يفرضوا لفظا... الذي يفرضه هو الشاعر... لانه مقروء اكثر بكثير من اللغوى... من يقرأ للغوي
إذا ألف كتابا في النحو أوالصرف... أو في الإعراب... من يقرا له...لا أحد...
أما ديوان شعر مقروء يوزع مئات الألوف إذا كتب لغة جديدة وقد تأثر الناس به... اما إعراب كلمة من الكلمات فيلا تعنيهم...
قلت للشاعر المبدع هل تسمح لى أن أعود إلى أحلام طفولتك وأسألك مما كانت تتشكل...؟
بإذن الله الأسبوع القادم أكمل حوارى مع نزار قبانى أكبر شاعر فى الوطن العربى.