الشباب عمّاد الحاضر وأمل المستقبل ويعُد بمثابة "ترمومتر" قياس ثروات الأوطان، وقوة الأمم ليس معيارها قاصرًا علي الأرصدة والأموال بينما قدرة شبابها وعظمة مقدارها وتعظيم سبُل طاقات الأجيال الواعدة في البناء والتعمير، وفي النهوض والارتقاء وهو أمر غاية الأهمية والضرورة؛ ولو كانت هناك دول عدة تعاني افتقار الحيوية بغياب الشباب عن أرضها، هناك أخرى يعاني شبابها هوة التجاهل وافتقار البعاد والتهميش وليس خفيّا علي أحد ما يعانيه أبناء الدول النامية من وجود مساحات شاسعة في البعاد بينهم وبين المسئولين والقادة وبينها ضاع أحلام البعض وأهدر حقوق آخرين وتجمدت طاقات بلا فائدة أو نفع!
عاشت مصر سنوات معاناة كغيرها من البلدان النامية في ظل وجود أسوار ومتاريس بين شبابها والقيادات ووصل الحال أن غير قبلة اتجاهاته للهجرة والآخرين التعايش مع الأمر الواقع، والأخير سلك طرق الضياع وكانوا صيد سهل في ساحة الجريمة أو الاستقطاب لأفكار إرهابية ومتطرفة، وتبددت أحلام الكثيرين وظل الحال، حتي فجر الجمهورية الجديدة بعد ثورة 30 يونيو المجيدة التي حطمت فيها مصر مخالب طاغوت الإرهاب ليصبح بوابة أمل ومساحات للعمل ومتسعا للأفكار وأرضا جاهزة وحامية لكل أبنائها من كل فج وصوب.
السيسي والشباب
«اجعلوا كنزكم فى رحلة إلى المستقبل الواعد المفعم بالسلام والمستقبل والتنمية.. مارسوا بالصدق وآمنوا بتحقيق الحلم، فالأحلام لا تسقط بالتقادم».. تلك الكلمات قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أحد مؤتمرات الشباب التى دشنها خصيصّا لتكون بوابة فعلية وواقعية يكسر فيها تابوهات البعاد المتراكمة عبر عقود وسنوات، فتح الأبواب أمام الشباب ليجعل للأمل مجالا وللأفكار متسعا للحديث دون حائل أو معيق.
وسط زحام طاوله الرئيس منذ البداية وهناك ملفات شائكة وأمور عصية وركام من الأزمات تزاحم كل الأشياء ،ورغم كل ذلك لم يغفل عن الشباب وأولاهم اهتمامًا جمّا فدشن مؤتمرات رئاسية خاصة بالشباب وبعدها مؤتمرات عالمية وأفريقية لأنه يرنو للاحتواء وفتح آفاق شباب مصر علي الكل بهدف الوصول إلي الجمهورية الجديدة إيمانَا منه بقدرات شباب مصر ليكون عصرا ذهبيا حرص خلال سنوات قليلة علي تحقيق إنصاف حقيقي للشباب والنشء والمرأة في كافة المحافل وعلي كافة المستويات فكان نموذجا للقائد الحاضن رعاياه.
الكنيسة المصرية والشباب
لم تكن الكنيسة المصرية باختلاف طوائفها عمومّا في معزل عما يجري بالمحيط علي أرض مصر فكانت مخاطر أخطبوط الإنترنت واندساس الأفكار وتوغل الجريمة وهوة البعاد بين الشباب والمسئولين طوال السنوات جميعها حافزًا للكنيسة بأن تخطو باتجاه تأسيس خدمات خاصة للشباب، بينما كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سباقة بعدة خطوات وأولها كانت بتأسيس أسقفية للشباب في عهد البابا الراحل شنودة الثالث عام 1980 وتولي مسئولياتها الأنبا موسي أسقف عام الشباب بمصر والمهجر.
واهتمت الكنيسة في خطواتها الأولى بالحفاظ علي شبابها من التيارات المتعددة سوء أفكار غريبة أو الحاد أو غيرها وباتت التربية الكنسية أولي اهتمامها ومع تطوير خطواتها باتت متعددة الأركان والمحاور وباتت الآن تهتم بالنشء وحتي الشباب.
بدأت في إصدار أعداد من رسالة الشباب الكنسي عام 1984 لتخاطب الأجيال بكتابات دينية وروحية وتعليمية، اهتمت المجلة بقضايا الشباب ومشاكلهم كما خصصت المجلة أعدادا كاملة لمناقشة بعض القضايا والمشكلات الشبابية مثل البطالة – الزواج والأسرة – الشباب والتكنولوجيا – الشباب وقضايا العصر، كما أصدرت الأسقفية عام 1985 مجلة أخرى بعنوان "الكلمة" وهى موجهة أساسا إلى الخدام وحرصت الكلمة على بحث ودراسة مشكلات الخدمة المتنوعة فضمت فى داخلها مجموعة من المتخصصين فى خدمة الشباب، وعام 99 أطلقت مجلة للاهتمام بالحالة النفسية لمراحل المراهقة والشباب ومعالجتها وكانت تحت عنوان "مجلة أغصان"، حرصت على تأسيس مركز متخصص فى خدمة الشباب عرف باسم "مركز تدريب الخدام" كان الهدف الرئيسى منه هو إعداد خادم متخصص، فضلا عن تأسيس "المجموعات المتخصصة" وكانت البداية مع مجموعة التنمية الثقافية، وغيرها ونجحت التجربة مما دفع لاطلاق مجموعة المشاركة الوطنية وفى ذلك فى نهاية عام 1992 التى سارت على نفس الخط فاستضافت مجموعة كبيرة من رموز الوحدة الوطنية والعمل السياسى فى مصر وأيضا لمناقشة التنمية الاقتصادية – مجموعة العمل المسكونى ، وتوالت الخدمات في كل القطاعات والمحاور.
ورأت الكنيسة أن الشباب هم البنية الأساسية للمجتمع، وهم الطاقة الحيوية الكامنة فى الكنيسة والوطن، من هنا كان لا بد من تقديم الرعاية المناسبة لهم، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل، إذ يتسلمون الإيمان من جيل ويسلمونه للجيل الذى يليهم. ومع طول مدة الإجازة الصيفية ومع حرص أسقفية الشباب على استثمار أوقات الفراغ عند الشباب فكرت الأسقفية فى عمل مهرجان صيفي للشباب وكانت البداية مع مهرجان الشباب الذى بدأ اعتبارا من يونيو 1987 ثم انقسم بعدها إلى مهرجان جامعة ثانى اعتبارا من عام 1988 ومهرجان خريجين اعتبارا من صيف عام 1990 وأخيرا مهرجان إعدادى اعتبارا من صيف عام 1993، فضلا عن تنظيم مؤتمرات للشباب وتدريبات وكورسات وغيرها لاحتواء أبناء الكنيسة من كافة الفئات والإيبارشيات ودشنت خدمة الفرق الكشفية وطورت الأسقفية من نفسها ليكون خطابها مستخدما التكنولوجيا الحديثة من مواقع وتطبيقات وغيرها، وتواصل الأسقفية عبر سنوات عدة خدماتها والأنشطة علي الصعيدين الداخلي والخارجي حيث وصل مهرجان الكرازة والمؤتمرات القبطية الخارجية بل حرص علي زيارة سنوية إلي أمريكا وكندا وأوربا خلال شهرى يوليو وأغسطس من كل عام ، ورحلات سنوية للصعيد. من بين المؤتمرات الخارجية منها الشباب القبطي الأرثوذكسي الأوروبي الذى جاء في نسخته الـ21 بدير الشهيد أبي سيفين في هوكستر بألمانيا، خلال الفترة من 25 إلى 27 أغسطس الماضي.
وعلي الجانب الآخر هناك تعاون بين أسقفية شباب الكنيسة القبطية ووزارة الشباب والرياضة في العديد من الأنشطة في ضوء التعاون البناء والمشترك لخدمة شباب مصر عمومًا.
البابا تواضروس وباب "لوجوس"
عقب تجليس البابا تواضروس الثاني بابا وبطريرك للكرازة المرقسية فكر فى إنشاء مركز للحوار والثقافة والتعليم بالكنسية وهنا جاء دور مركز لوجوس التابع لدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون فهو مؤسسة كنسية حديثة ويهدف مركز لوجوس إلى توفير برامج دراسية، وتدريبية وتنظيم مؤتمرات متنوعة لرفع الوعي بقضايا العصر المختلفة وتكوين كوادر متميزة، والمشاركة في الجهد المسكوني بإتاحة مساحة مفتوحة للقاء والحوار وتبادل الخبرات، فضلا عن تنظيم أحداث ثقافية، ورش عمل ومعارض عن التراث المسيحي المصري، وتنظيم لقاءات ومؤتمرات دولية ومحلية لشباب الكنيسة القبطية من داخل وخارج مصر.
وبدأت ملتقيات لوجوس لأول مرة عام ٢٠١٨ حيث ضم ملتقى لوجوس الأول ٢٠٠ شاب وشابة من كافة الإيبارشيات من كل أنحاء العالم، ثم ملتقى لوجوس الثاني عام ٢٠٢١ وخُصِص للشباب من كافة الإيبارشيات داخل مصر.
وتهدف ملتقيات الشباب إلى إحداث ترابط بين الشباب القبطى الأرثوذكسي من كل أنحاء العالم، وتمكينهم من تبادل خبراتهم، ومعرفة جذورهم المصرية القبطية، وأخذ خبرة لكنائسهم، مع مقابلة شخصيات هامة وعامة وكنسية مختلفة، وربط الشباب بجذورهم وكنيستهم الأم.
الكنائس الأخري واهتمامات الشباب
لم يقف الأمر عند الكنيسة القبطية بينما تهتم الكنيسة الكاثوليكية بقطاع الشباب بشكل كبير، حيث تنظم دورات إعداد قادة للمستقبل وتمكين الشباب فى المجتمع عن طريق تعليمه حرفة أو منحة وأيضا من مختلف الأطياف فى المجتمع. وأيضا لديهم خدمة مكافحة الإدمان للشباب التى يريد أن يتعافى بالتعاون مع بعض المصحات المختلفة يجلس بها الشاب المتعاطى لمدة 6 أشهر كاملة بتكلفة من الكنيسة الكاثوليكية حتى يتعافى ويصبح عضوا فعالا فى المجتمع وتكون معتمدة فى وزارة الصحة. كما تعد الشباب وفقا لاهتماماته ومجالات تميزه وموهبته ونستطيع أن نعطى منحا للدراسة فى الخارج ودورات أخرى لإعداد قادة فى مصر حيث يوجد عدد من الكنيسة الكاثوليكية فى البرنامج الرئاسى للرئيس السيسى وموجودين فى المبادرات المختلفة ودورهم نقل هذه الخبرات والدورات وما تعلموه من فكر وطرق الحياة المختلفة للشباب فى المجتمع فيخلق جوا مناسبا وهذه هى فكرة القيادة. كما تولي الكنيسة اهتماما كبيرا بهذا القطاع ويقوم الأنبا باخوم الوكيل البطريركي بلقاءات دائمة مع الأجيال الشابة فضلا عن المؤتمرات والندوات والتدريبات والأعمال الكشفية.
وبدأت الكنيسة الإنجيلية بحركة الشباب الإنجيلي في مبني الأزبكية لتدريب قيادات الشباب وخصصت لجنة سنودسية وتبني خدمة متفرغين للشباب وساهم بيت السلام بالعجمي في جمع وتدريب وتطوير خدمة الشباب الجامعي وسعوا لتدشين الخدمة بكل كنيسة، وتعددت الخدمات وبات هناك بيت في الوادي للخدمات والمؤتمرات الشبابية، وأيضا للخدمات التوعوية ، وأيضا بيت إجابيه التابع لرئاسة الطائفة الإنجيلية بمصر ويعمل علي إعداد قادة الشباب وآخرها كان في مؤتمر بقيادة القس الدكتور اندرية زكي رئيس الطائفة بحضور أكثر من ٨٠٠ شاب وشابة من مختلف الكنائس الإنجيلية بكافة أنحاء مصر، بمشاركة عدد من أبرز الخبراء في مجال القيادة من الولايات المتحدة الأمريكية وبتنظيم tc مصر، ومشاركة القس طوني جورج، مدير خدمة tc في مصر والشرق الأوسط. ورغم استمرارية أنشطة الكنائس كافة علي خدمة قطاع الشباب انخرط الجميع تحت مظلة الوطن برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي وبات يدخل المسيحيين في دوائر العمل العام والنشاط المجتمعي ولاسيما بان مؤتمرات الشباب وغيرها من التدريبات والمنح التي توفرها الدولة لا تفرق نهائيا بين المصريين بينما تحتوي الجميع وكافة الفئات لتصبح مصر لها واجهة جديدة نحو الجمهورية الجديدة.
المستقبل
وقال الدكتور القس راضي عطا الله رئيس سنودس النيل الإنجيلي ، إن السنودس حالياً مؤمن جيدا بدور الشباب في بناء مستقبل وطنه وكنيسته، لذا تشهد هذه الفترة في تاريخ الكنيسة المشيخية نقلة غير عادية في تمثيل وتمكين الشباب لشغل المناصب القيادية، ليست علي المستوي العام فقط ولكن علي مستوي المجامع السنودية الثمانية حول محافظات الجمهورية ، أصبح أساسا من أساسيات الكنيسة بأن يتم تمثيل الشباب والشبات ومسموح أن يشارك في صناعة القرار ، ونري معظم مجالس السنودس قيادات شابة، وهذه القيادات تعد قيادات شابة أخري صف ثاني وثالث لكي يسهل عليهم المشاركة والامتداد .
وقال القس توني رزق مؤسس خدمة tc مصر نؤمن بالبحث عن وتفعيل كل جديد و"حق"، لمُساعدة الشباب في عيّش حياة أفضل، ونعمل علي إيجاد وتمكين القادة منهم ليعيشوا دعوتهم ويساهمون في بناء الملكوت.
وأضاف"رزق" في تصريح خاص لـ"البوابة " أنه يؤكد علي ما قاله ويعلمه الدكتور القس أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، الشباب هم مستقبل بلادنا ومستقبل الكنيسة، والإبداع هو جوهر المسيحية والطائفة تهتم جيدا بالجيل الجديد وتحدياته.
من جهته قال منير جمال باحث علوم سياسية بمركز جسور للدراسات، قال : "إن الدولة لا تدخر جهدا في احتواء شبابها بمختلف الأطياف وبدون تمييز علي أي أساس، ولعل التدريبات الرئاسية والمبادرات تشمل الكافة دون استثناء لأحد أو احتكار لفصيل". وأضاف أنني شاركت آخر لقاء لمركز لوجوس وكان يتضمن أسبوع الخدمة المجتمعية وهو برنامج تؤسسة الكنيسة القبطية ويضم 120 شابا من مختلف الإيبارشيات التابعه لها، وتقدم خدمات تابعة للكنيسة؛ وخلال الأعوام الماضية أصبح لديهم تواصل مع وزارة الشباب والرياضة . وأوضح أن أول اللقاءات كان في معهد التعليم المدني بالجزيرة بين وزارة الشباب وأبناء الكنيسة وحث خلاله قيادات الوزارة الشباب علي الدخول للأنشطة التي تقوم بها، كما سبق وعقدوا اجتماعا عام 2016 بين وزارة الشباب والرياضة وأسقفية الشباب وتوافقوا علي مبادرات ومنها قطار الشباب بالتعاون بين الكنيسة والوزارة وقلب واحد وأمل وعمل.
وألمح إلي أنه مشارك ضمن برنامج داخل الوزارة اسمه برلمان شباب مصر وهو نموذج للمحاكاة للبرلمان المصري انتخابات بالنظام فردي وقائمة وتعيين من قبل الوزير وبه لجان موازية للبرلمان، وأعرب عن بالغ امتنانه للقيادة الرشيدة التي تولي اهتماما بالشباب عموما ولدور الكنيسة في حث أبنائها علي النزول للعمل العام.