في مقالي هذا، لن أتحدث عن حرب أكتوبر من الناحية العسكرية، فهذا مجال لست متخصصًا فيه، وهناك خبراء عسكريون يتحدثون فيه على نحو علمي عسكري متخصص أفضل مني، وإنما سأتحدث عنها من المنظور الشعبي، وكيف خلَّد المصريون هذا الإنجاز العسكري في ذاكرتهم الشعبية؛ ليصبح حدثًا تاريخيًا شعبيًا، تتناقله الأجيال، وتُبدع العقلية الشعبية المصرية حوله أجمل إبداعاتها. بالطبع، كان انتصار السادس من أكتوبر له حظوة كبيرة بين من حاورناهم، فكثيرون من توقفوا عندها، وعند ذكر تفاصيل هذه الحرب، التي أعادت إلى الشعب المصري، على نحو ما أعادت إلى الجيش، ثقته في نفسه، واعتزازه بقدراته وإمكانياته، بل أعادت العلاقة بينهما إلى طبيعتها، بعد أن تأثرت- بعض الشيء- جرَّاء هزيمة ١٩٦٧. وسنختار من بين من حاورناهم واحدًا من أبناء قبيلة الرماحي بمحافظة الفيوم، الذي يوجز هذه الحرب في إحدى القصائد الشعبية البدوية، التي يتواترها بعض الأهالي، ويتناقلونها فيما بينهم فيقول واصفًا الحرب وملابساتها: "في سنة ٧٣.. في اللحظة دي كان الرئيس أنور السادات كان له هيبة جامدة على عملية النصر، وعملت له يعني حب جامد، وكان الرئيس حسني مبارك قائد الطيران. كان له برضه تاريخ مشرف، أول ضربة جوية، الضربة الجوية الأولى شلت الحركة الجوية الإسرائيلية نهائيا. جميع المطارات الإسرائيلية اتدمرت. وكان بفكر وتخطيط مصري. فربنا كرم، ولولا أمريكا جات بأسراب الطيران بتاعتها، وجات خطوط مباشرة لإسرائيل كانت مصر كلها خدت إسرائيل، ماكاتش هتاخد معاها حاجة. إنما أمريكا هيَّ اللي جابت الأسراب.. آه تدخلت بثقلها بقى.
القصيدة بتقول إيه بقى.. هيَّ لهجة بدوية:
اقرب لي يا باهي الصيفات
تعا خبرنا ع السادات
اللي حشَّد كِل القوات
وقال للهم يا جيش اعبر
■ ■
في اليوم السادس م أكتوبر
هجمنا وقِلنا الله أكبر
وعدينا في أرض الميدان
■ ■
عبرنا بجِملة طيارات
حديد ما غير يصبوا فواليت
عساكر وسلاح وشبان
■ ■
عبرنا م الضفة الغربية
ومن شرقه همت سوريَّه
ودمرنا جيش الطغيان
■ ■
دمرنا خطك يا بارليف
وتمَّى مقطع كيف الليف
اللي قالوا عالي البنيان
■ ■
اللي قالوا خط مانع
اليوم تَهَدَّم واتصدع
اللي ما حقق.. اليوم سْمع
علي قوة جيش العربان
■ ■
الخِطة تمت بالترتيب
ما فيها ولا يد غريب
لا سوفيت ولا امريكان
■ ■
أمريكا سمعت ها الأخبار
عدوك شاطت فيها النار
وقالت سوَّك يا ديان (سوَّك: ماذا حدث لك؟)
■ ■
وين اسلاحك ها الفانتوم
اللي حرَّم سينا يبرم
تَحطم كله ع الجبهات
■ ■
الخطة راسمها السادات
الخطة راسمها السادات
وجهز من جيشه ظباط
وقال ارجاني يا ديان (ارجاني: انتظرني واحذرني)
■ ■
وقال ارجاني يا ديان
وجرب قوة ها الشبان
اللي ما نسيوا عار زْمان
■ ■
ما نسينا سبعه وستين
ما نسينا سبعه وستين
وسينا ويافا وفلسطين
وسوريا ومعاها الجولان
■ ■
صبَّى ديان ومائير (استسلم موشي ديان وجولدمائير)
وقال للهم أنا كيف اندير
جيوشي منهم كيف تْسير
عرب جونا من كِل مكان
■ ■
قال: جا القدافي والهواري
والمغرب ماهو مِدَّاري
وفيصل نادى يا إخواني
هيا نمشوا للسادات
■ ■
هيا نتفقوا ف القول
ونرفع من سعر البترول
حتى يرحل ها الشيطان
■ ■
حتى تِجلى دومائير
ومعاها ديان أسير
ومعاهم باقي العدوان
النصرة تمت للعربان
■ ■
فالقصيدة تسرد لنا تفاصيل معركة النصر في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، بدءًا من الإعداد للحرب، وجرأة الرئيس الراحل السادات (رحمه الله)، والخطة التي أعدها لتلك الحرب، وكذلك الضربات الجوية. وكيف أن هذه المعركة أدخلت الفرح والسعادة على قلوب الجيش المصري وكل المصريين؛ إذ أعادت إلى الجميع الثقة المفقودة عقب النكسة. وكذلك وقع تأثير ذلك الانتصار على تحالفات إسرائيل، خاصة أمريكا التي أفقدتها المعركة توازنها وثقتها في قوتهم. كما أشارت القصيدة إلى الموقف العربي الداعم لمصر في حربها ضد إسرائيل، على نحو ما أكده موقف رؤساء الدول العربية وشعوبها، مثل: معمر القذافي وهواري بو مدين وملك المغرب (رحمهم الله جميعا)، وكذلك الملك فيصل (رحمه الله)، ثم استعرض الشاعر الشعبي موقفه التاريخي القوي عندما أوقف تصدير البترول إلى الغرب وإلى أمريكا مما كان له كبير الأثر في تحقيق النصر، ليس لمصر فحسب، وإنما لكل العرب. وللحديث بقية إن شاء الله.
د.خالد أبو الليل: أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة
آراء حرة
أكتوبر: العبور من الانكسار إلى الانتصار (2-1)
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق