تحتفل مصر بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر المجيد، الذى أعاد للمصريين العزة والكرامة عام ١٩٧٣، بعد ستة أعوام من نكسة ١٩٦٧، والتى كانت صدمة مخيفة للمصريين أفقدتهم توازنهم، وجعلت الإحباط والإنكسار يحاوط كل جنبات مصرنا الحبيبة!.. والحمد لله أننى لم أعش تلك اللحظات، وولدت بعد النصر بسنوات عديدة.. ورغم أننى منذ طفولتى أشهد كل عام الاحتفال بذكرى الانتصار، إلا أننى وجيلى وكل الأجيال التى سمعت وقرأت فقط عن الحرب، ولم ترها بأعينها،لم نستشعر ذلك النصر بالتأكيد كمن عاشوه وتذوقوه، بعد نكسة ٦٧!.. والذى اختزلته أمى الشاعرة علا مكاوى فى قصتها القصيرة عن الحرب، والتى كتبتها لأحفادها ولكل الأجيال الجديدة التى لا تدرك المعنى الحقيقى لنصر أكتوبر، فكتبت ما يلى تحت عنوان (لن يعرف معنى العبور إلا من ذاق مرارة النكسة):
لماذا نتغافل ونغض الطرف عن الحديث عن الجرائم الصهيونية التى مورست على جنودنا وضباطنا فى ٦٧؟!..هل إكرامًا لمعاهدة السلام أم تهاونا واستسلاما؟!.. كيف تعرف أجيال ما بعد أكتوبر ٧٣ معنى العبور العظيم قبل معرفتهم ببشاعة نكسة ٦٧؟! جلست الجدة وحولها أبناؤها وأحفادها وهى تتدثر بشالها الحرير وتمسك به بكلتا يديها رغم حرارة الجو، وكأنها تحتمى به ويمدها بقوة وهى تستعيد لحظات الخوف ومرارة الأيام وقالت بشجن: قرأت قولًا لأحد مقدمى البرامج أن إنجاز مشروع كذا يعادل العبور ورغم بشاعة التعبير وما يحمله من نفاق وجهل بقيمة العبور العظيم الذى أخرجنا من الذل إلى النصر، ولكن لا نلوم عليه فهو لا يعرف معنى العبور لأنه لم يذق مرارة النكسة ولم يسمع عنها"! وإستطردتالجدة: ما كنت أظن أن أعيش حتى نحتفل بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر والعبور العظيم! هذا العام نحتفل باليوبيل الذهبى لنصر أعاد إلى الأمة العربية العزة والكرامة والشموخ بعد إنكسار وشبه موات لم تكن نكسة ٦٧ هزيمة عسكرية فقط ولكن كانت هزيمة لروح المصريين وثقتهم بأنفسهم،هزيمة زرعت فى حناجرهم مرارة الذل والعار، وأصبح التهكم والسخرية من الكل إلى الكل!..لن تشعروا قيمة هذا العبور ولن يشعر به إلا من ذاق مرارة النكسة، حين ابتلع الشعب دموعه بلا شكوى فمن يشكو لمن ومن يواسى من؟!..والدول حولنا بين شامت وحاقد ومتآمر ومتعاطف قليل الحيلة!".. ورغم أنى كنت طفلة ولكن أتذكر أحداثها جيدًا وصوت التفجيرات، واحساس الرعب لا أنساهما.. لن يعرف معنى العبور إلا من ذاق مرارة النكسة، وشاهد تهجير مدن القناة الثلاثة، وتكدس المدارس والمواصلات وبداية تكوين المساكن العشوائية داخل المدن!..ومن شاهد العدو الغادر وهو ينثر لعب الاطفال الملونة المبهرة والتى تحمل الموت لمن يلمسها من الأطفال لأن داخلها مواد تفجيرية!..وأيضا من شاهد السواد يكسى أجساد البنات والسيدات بعد فقد الحلم والأمل فى إبن أو زوج أو خطيب، وكثير منهن لم يرتبطن وترملن باقى العمر وأرتدين السواد حتى أخذنا الثأر فى أكتوبر ٧٣، ست سنوات من المهانة تحمل الشعب الصبور نقص السلع وصعوبة الخدمات بكل أنواعها وهم صامدون!..يخجلون حتى من الشكوى، فالمصاب جلل، لن يعرف معنى العبور من لم يذق مرارة النكسة وشاهد رئيس وزعيم بحجم جمال عبد الناصر، والذى تعودنا أن صوته يجلجل المنطقة العربية وكنا نشعر أنه يرعب قادة العدو! نراه يقف منخفض الصوت يعترف (أصبح جنودنا مبعثرين تائهين وأصبح الجيش غير قادر على الهجوم ولا الدفاع) وأعلن التنحى عن الحكم متحملًا نتيجة الهزيمة! وإهتزت الأرض تتفجر بشرًا يصرخون ويتمسكون به ألا يترك الحكم قبل تحقيق النصر، ويبدأ الشعب أولى خطوات الثأر بحرب استنزاف هى الأقوى والأشرس فى نجاحاتها،وفى كسر شوكة الصهاينة المتعجرفين، والذين صرحوا أن الجيش المصرى أنتهى ولن يعود قبل خمسين عاما! وكانت الضربة القاصمة فى الإنتصار وبالسلاحالذى اعتقدت اسرائيل أنه إنتهى ولن تقوم له قائمة بعد هزيمة ٦٧ وهو السلاح الجوى، فكانت الضربة الجوية أهم أسباب تحقيق الإنتصار، رغم تجاهل البعض لصاحب الضربة الجوية ومؤسس هذا السلاح الهام بعد النكسة الفريق حسنى مبارك رحمة الله عليه وعلى كل رجالات مصر العظام، فكانت البطولات كثيرة والأفكار والإبتكارات متنوعة، والتى جعلتنا نستطيع تحطيم أسطورة العدو الذى لا يقهر! وهدم خطه المنيع خط بارليف!..وبقوة أبطالنا تم العبور ونصر أكتوبر الذى يدرس فى جميع الكليات العسكرية..نصر أكتوبر ليس ذكرى عادية ولا إنتصار عابر فى معركة، ولكن محو عار وإستردادكرامة وقدرة وإعجاز شعب إستعان بالله فكتب له النصر والنجاة.
د.رشا يحيي: أستاذة بأكاديمية الفنون
آراء حرة
حكاية جدة عن لذة النصر بعد مرارة النكسة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق