في عام 2019، وصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ذوبان الجليد كأحد أهم 10 قضايا ناشئة ذات أهمية بيئية.
في ذلك الوقت، انحسرت حدود الجليد السرمدي الجنوبية في القطب الشمالي شمالا بمقدار 30 إلى 80 كيلومترا، مما يمثل خسارة كبيرة في التغطية.
مع الزيادات المستمرة في درجة حرارة الأرض، أصبح ذوبان كل الجليد القارة القطبية الجنوبية أمرا مؤكدا، يهدد مستقبل الحياة على الأرض.
وينتج عن ذوبان الجليد عدد من الظواهر:
موجات الحر البحرية
تضاعف تواتر موجات الحر البحرية، إذ أصبحت تدوم لفترة أطول وأكثر كثافة واتساعًا.
تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن التأثير البشري كان المحرك الرئيسي لزيادة حرارة المحيطات التي لوحظت منذ سبعينيات القرن الماضي.
حدثت غالبية موجات الحر بين عامي 2006 و2015، مما تسبب في ابيضاض المرجان وتدهور الشعاب المرجانية على نطاق واسع. في عام 2021، تعرض ما يقرب من 60 في المائة من سطح المحيط في العالم لفترة واحدة على الأقل من موجات الحر البحرية.
يفيد برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأن كل واحدة من الشعاب المرجانية في العالم يمكن أن تبيض بحلول نهاية القرن إذا استمرت المياه في الارتفاع.
بدأت ظاهرة الابيضاض العالمية الأخيرة في عام 2014 وامتدت إلى عام 2017 وانتشرت عبر المحيط الهادئ والهندي والأطلسي.
أنواع بحرية على وشك الانقراض
تحذر أحدث التقديرات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة من أن أكثر من نصف الأنواع البحرية في العالم قد تكون على وشك الانقراض بحلول عام 2100.
عند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية اليوم، فإن ما يقدر بنحو 60 في المائة من النظم الإيكولوجية البحرية في العالم قد تدهورت بالفعل أو يتم استخدامها بشكل غير مستدام.
يهدد الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية بتدمير 70 إلى 90 في المائة من الشعاب المرجانية، وتعني الزيادة بمقدار درجتين مئويتين خسارة ما يقرب من 100 في المائة، أي نقطة اللاعودة.
تغير الجاذبية
أظهرت دراسة نشرت في 2009 عن ان تفاعل الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي الغربي مع ظاهرة الاحتباس الحراري سيؤدي لذوبان الغطاء الجليدي وقد يتسبب هذا في تغيير مركز حقل الجاذبية الأرضية، مما قد يرفع مستوى سطع البحار بشكل غير متكافئ بحيث يكون تأثير ذلك أشد على البحار المحيطة بأميركا الشمالية.
وأرجعت هذه الدراسة التي نشرتها مجلة ساينس العلمية وأوردت صحيفة "إندبندنت البريطانية" ملخصا لها سبب تفاوت تأثر البحار بهذا الذوبان إلى ما قد ينتج عنه من تغير في كيفية دوران الأرض في الفضاء.
ارتفاع في مستوى سطح البحر
تخبرنا السجلات الجيولوجية أن نهاية العصر الجليدي الأخير، أي منذ 14 ألفا و600 عام، قد شهدت ارتفاعا في مستوى سطح البحر بمقدار 10 أضعاف عن المعدل الحالي وذلك إثر التفكك السريع للصفائح الجليدية.
كما كشفت دراسة -نشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) في أبريل 2021، أن ذوبان الجليد خلال العصور الماضية كان سببا في ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل بلغ حوالي 3.6 أمتار لكل قرن. ومن ثم فإن هذه الأدلة الحديثة قد توفر نظرة مستقبلية لما قد ينتظرنا.
محور دوران الكوكب
يعرف العلماء أن القطبين الشمالي والجنوبي لكوكبنا الأرض هما النقطتان اللتان يتقاطع فيهما محور دوران الكوكب مع السطح، لكنهما غير ثابتتين، إذ تؤدي التغييرات في كيفية توزيع كتلة الأرض حول الكوكب إلى تحريك المحور، وبالتالي القطبين.
كانت العوامل الطبيعية، في الماضي، هي التي ساهمت في انجراف القطبين، لكن بحثا جديدا أظهر أنه منذ التسعينيات، أدى فقدان مئات المليارات من أطنان الجليد سنويا في المحيطات، نتيجة أزمة المناخ، إلى تحرك القطبين في اتجاهات جديدة وحدوث تحولات ملحوظة في محور دوران الأرض.
واتضح للباحثين أن ذوبان الجليد تسبب في انجراف القطبين من الاتجاه الجنوبي إلى الاتجاه الشرقي، وخلال أعوام 1995- 2020 ازدادت سرعة هذا الانجراف بمقدار 17 مرة مقارنة بأعوام 1981-1995، ومنذ عام 1980، تحرك موقع القطبين مسافة 4 أمتار.
خلص العلماء في الأكاديمية الصينية للعلوم إلى أن "الانخفاض المتسارع في كميات المياه المخزنة على الأرض، والناتج عن ذوبان الجليد، هو المحرك الرئيس للانجراف القطبي السريع بعد التسعينيات".
مؤخرا كشفت أيضا دراسة جديدة أن ذوبان الصفائح الجليدية القطبية لا يؤدي فقط إلى رفع مستويات سطح البحر، بل إن خطره يصل إلى حد تشويه قشرة الأرض.
اختفاء الكثير من المدن الكبرى في العالم
الجليد السرمدي أو الدائم هو الأرض الموجودة تحت سطح البحر والتي تجمدت باستمرار لمدة عامين متتالين على الأقل وفي معظم الحالات، لمئات أو آلاف السنين.
وتمتد على مساحة ربع نصف الكرة الأرضية الشمالي، بما في ذلك العديد من المناطق غير المغطاة بالثلوج.
هذه الأرض المتجمدة موجودة تحت أجزاء كبيرة من ألاسكا وكندا وسيبيريا، حيث يعيش الناس، ومعظمهم من مجتمعات السكان الأصليين ويعملون ويصطادون لآلاف السنين.
وفقا لـ National Geographic، فإن المدن الساحلية مثل نيويورك ونيو أورليانز وبوينس آيرس ولندن والبندقية وشانجهاي وبنجلاديش سوف تغمرها المياه بالكامل، كما ستتأثر مساحات كبيرة أخرى من الأراضي بشدة.
وستكون هذه كارثة كبيرة على الناس والنظم البيئية التي تعتمد على هذه المناطق.
فقدان الأنهار الجليدية
فقدت سويسرا 10% من أنهارها الجليدية في العامين الماضيين، حيث أدى فصل الصيف الحار ونقص الثلوج إلى تسريع فقدان الجليد بشكل كبير، وأبلغت لجنة تابعة للأكاديمية السويسرية للعلوم عن تسارع كبير في ذوبان الأنهار الجليدية في الدولة الواقعة في جبال الألب، فإن سويسرا هي موطن لأكبر الأنهار الجليدية في أي بلد في أوروبا.
ويعتمد البشر على مياه الأنهار الجليدية في توفير الطاقة الكهرومائية والري والثروة الحيوانية والتصنيع والنقل. وعلاوة على ذلك فإن مياه بعض أكبر الأحواض التي تغذيها الأنهار الجليدية تتدفق إلى بعض الدول الأسرع نموًا في العالم، وهو أمر مهم للغاية لهذه الدول.
عصر جليدي جديد
قد يؤدي ذوبان الجليد إلى إحداث تغييرات قد تؤدي في النهاية إلى عصر جليدي آخر.
حدث ذلك منذ ملايين السنين عندما انفصلت الجبال الجليدية عن الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي وانجرفت إلى المحيطات المجاورة قبل ذوبانها.
وأدى تدفق المياه العذبة من الجبال الجليدية الذائبة إلى تعطيل التوازن العالمي للملح والمياه العذبة.
سيكون مناخ الأرض خلال عصر الجليد غير مناسب لعدد سكان الأرض، الذي سيبلغ من 8 إلى 10 مليارات نسمة، ومن المؤكد أنه ستكون هناك مجاعة واسعة النطاق، إلى جانب حروب أهلية، ما سيؤدي إلى هلاك غالبية الجنس البشري، ومن يتبقى سيكون صورة باهتة عما كان عليه في السابق.