السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

ننشر كلمة رئيس الطائفة الإنجيلية بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس كنيسة مصر الجديدة

الدكتور القس أندريه
الدكتور القس أندريه زكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تنشر «البوابة نيوز» نص الكلمة التي ألقاها الدكتور القس أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، باحتفال كنيسة مصر الجديدة الإنجيلية المشيخية بمناسبة ١٠٠عام على تأسيسها، والتي جاءت تحت عنوان  "كَمَا في السَّماءِ كذلِكَ على الأرضِ"..

وإلى نص الكلمة.. 

يفيض قلبي تجاه هذا الكيان العريق بالمحبة الغامرة والشعور العميق بالانتماء والفخر. أرى في كنيسة مصر الجديدة الإنجيلية نموذجًا حيًّا وفعَّالًا للكنيسة التي تشهد للمسيح وتعكس مجده، ومثالًا واضحًا لكنيسة عابدة مصلِّية وراعية، وقدوةً أصيلة في خدمة المجتمع والتفاعل معه. 
امتد تأسيس هذا الكيان بتطورات عديدة ما بين عامي 1917، إلى 1922؛ حيث صدر المرسوم الملكي بالترخيص وإنشاء الكنيسة في موقعها الحالي. 
إننا لا نحتفل فقط بمبنى عريق، بل نحتفل أيضًا بمنبرٍ وقف عليه معلِّمون عظماء، وعلامات بارزة في تاريخ الطائفة الإنجيلية بمصر، أثَّروا في وجداننا بخدمتهم الجليلة لكلمة الرب، وأَثْرَوا فكرَنا وعقولنا بتأملاتهم العميقة، وأعطَوا لنا المثال والقدوة.
وأذكر من هؤلاء العظماء، الراحل القس إسحق إبراهيم، أول راعٍ للكنيسة، والقس الراحل إلياس مقار، الذي تعلَّمنا منه جميعًا كيف تكون الخدمة، وأثَّر في فكرنا وفكر الكثيرين، كما أذكر أيضًا الراحل الدكتور القس مكرم نجيب، الذي كانت تربطني به علاقة محبة وصداقة عميقة. 
كما أشكر راعي الكنيسة القس يوسف سمير، والرعاة الشركاء، وشيوخ ومجلس الكنيسة وأبناء الكنيسة الذين يقومون بدور متميز يستكمل مسيرة الماضي المجيد ويتطلع للمستقبل بأحلام ورؤى جديدة، ويقودون عملًا إبداعيًّا.  


ثم أريد أن أتحدث معكم أيها الأحباء عن: ماذا تعني الكنيسة بالنسبة لنا؟ 
ومع أهمية المبنى، وكافة إجراءات التطوير التي تحدث فيه، إلا أن الكنيسة في المقام الأول هي مجتمع يسعى للتماثل مع مجتمع السماء. وهذا عملًا بما نصليه في الصلاة الربانية "لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ". 
في هذه الصلاة، استخدم السيد المسيح أسلوبًا أدبيًّا معروفًا لدى العقلية التي تتحدث اللغة العبرية، وهو استخدام "المطابقة أو التقابل"، ومن سمات هذا الأسلوب هو ذكر الحقيقة مرتين بأسلوب متقابل أو متطابق، ونجده في الكثير من الشواهد في العهد القديم تحديدًا مثل (مزمور 46: 1): "اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا". وإذا طبقنا تحليل هذا الأسلوب الأدبي على هاتين الطلبتين "ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"، نستطيع أن نرى أن الطلبة الثانية: "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"، تقابل وتطابق وتشرح الطلبة الأولى. فملكوت الله هو المجتمع الذي تتم فيه مشيئة الله على الأرض كما في السماء. 
إذًا ملكوت الله في الماضي والحاضر والمستقبل، فأي إنسان في التاريخ الماضي، كان يفعل مشيئة الله تمامًا كان ضمن دائرة ملكوت الله، وكل شخص في الحاضر يفعل مشيئة الله هو ضمن دائرة ملكوت الله، ولكن حيث إن هذا العالم ليس هو المكان الذي يقوم جميع الناس فيه بتنفيذ مشيئة الله كاملة تمامًا، فإن كمال الملكوت يظل حدثًا مرتقبًا في المستقبل ونصلي لأجله. ومعنى أن نكون في الملكوت هو أن نطيع مشيئة الله.
لهذا فأحد أدوار الكنيسة هو تحقيق هذا الملكوت والتعبير عنه؛ والتماثل بين مجتمع السماء هنا على الأرض، كما على الكنيسة أيضًا أن تحقق التماثل بين سلوك السيد المسيح وسلوكها هي كجماعة المؤمنين "نسعى عنه كسفراء، كأن الله يعظ بنا".    


وهذا التماثل أراه يتحقق بعدة سمات: 
1. كنيسة تقدم رسالة الخلاص والحرية 
الإرسالية العظمى للكنيسة هي تقديم رسالة الخلاص، وتوعية الإنسان بمكانته في قلب الله، وحريته التي نالها في عمل المسيح على الصليب، وقيامته المجيدة. على الكنيسة ألا تنسى دورها الرئيس في تقديم رسالة الخلاص والحرية من الخطية، حرية معرفة الله، والتمكين لحياة التوبة. 
2. كنيسة مرجعيتها الكتاب المقدس
إننا نعيش في زمن تختلط فيه الأيديولوجيات، وتتنوع مصادر المعرفة، وتتعدد أغراضُها وأهدافُها، لكن في وسط كل هذا تبقى الاقتراب لكلمة الله حصنًا يحمينا من أن نكون محمولين بكل ريحٍ تعليمٍ. 
"الكتاب المقدس وحده"، هذا ليس شعارًا، بل هو أساسٌ لإيمان الكنيسة وعقيدتها ولاهوتها. بدون كلمة الله لا يمكن أن تثبت الكنيسة. كلمة الله مصدر الفاعلية والتأثير. كلمة الله مصدر التعليم المستقيم.  
3. كنيسة تتلمِذُ الآخرين
السيد المسيح لم يكتب كتابًا مقدسًا ولم يبنِ مؤسسةً ولكنه اختار 12 تلميذًا وقضى معهم 3 سنوات خدمة. كان من الممكن أن يتوقف نمو هذه الجماعة عندما مات المسيح مصلوبًا، لكن هذا لم يحدث لأنه كانت لديهم قوة القيامة، وتلمذة حقيقية على يد معلم حقيقي. على الكنيسة أن تدرك أن دورها وفقًا لإرسالية المسيح العظمى هو "اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ". 
التلمذة هي صناعة عقول، تعتمد على التعليم والمعايشة والحوار وتنوع الآراء، تعتمد التلمذة على المصداقية والأمانة في التعليم وتقديم النموذج والقدوة. والكنيسة القوية تدرك أهمية التلمذة وتضعها في قائمة أولوياتها.  


4. كنيسة تبني مجتمعًا يتحاشى الإدانة: 
مجتمع جاذب ومحتوي للجميع، نعم يحترم هويته، لكنه لا يقصي ولا يهمِّش، ولا يجرح "فتيلة مدخنة لا يطفئ"، مجتمع يسعى للخاطئ، تمامًا مثلما سعى إليه المسيح، مدركًا أننا جميعًا متكلين على نعمة الله "النعمة وحدها". لهذا على الكنيسة أن تركز على الخاطئ وليس على الخطية حتى تتحاشى بهذا التورط في الإدانة. 
5. كنيسة تبني مجتمعًا يعترفُ بإنسانية الإنسان 
على الكنيسة أن تحترم إنسانية الإنسان. لقد انتقد السيد المسيح الكتبة والفريسيين قديمًا لأنهم ركزوا على المظاهر وفرضوا أعباءً دينيةً شديدةً على الناس، وهم لم يمسوها بأطراف أصابعهم. وفي هذا تحذير شديد للكنيسة ألا تخلق كتبة وفريسيين جدد. لكن تحرص على التلمذة والتمكين، وبناء الإنسان والاستثمار به. الكنيسة هي جماعة المؤمنين -أي هي الإنسان- لذا فمن أسمى رسائل الكنيسة الاهتمام بتطوير الفرد ودعم مواهبه ومساعدته على تطوير ذاته ليتمكن من تعزيز تأثيره في الخدمة.  
6. كنيسة تبني مجتمعًا يسعى للتضامن ومساندة المحتاج 
أجد في مجتمع الكنيسة الأولى نمطًا عظيمًا من التضامن؛ إذ يقول عنها سفر أعمال الرسل 2: 44- 45: 
"وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ".
وهنا لا أقصد بالمساندة مجرد المساعدات المادية، لكن إحساس التضامن وإعطاء المحبة والتشجيع، والمساندة في مختلف الظروف. فالمؤمن هو عضو في جسد المسيح: 
"فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا". (1كورنثوس 12: 26- 27). 
الكنيسة كما قصدها المسيح تساند الجميع على المستويات الروحية والنفسية، وتقدم التعضيد والتشجيع لأعضائها.   
7. كنيسة تبني مجتمعَ الضم "Inclusion" وليس الاستبعاد "Exclusion" 
لقد أحب المسيح الجميع، وقدم نعمته للجميع، وصنع معجزاته مع الجميع، وهكذا الكنيسة يجب أن تحتوي الجميع، ولا ينبغي أن يشعر أيٌّ من أعضائها بالإقصاء أو الاستبعاد لأي سبب. الكنيسة يجب أن تكون راعيةً تقدم المحبة كما قدمها المسيح نفسه. في نموذج المسيح رسالة لكل راعٍ، ابحث عن أعضاء جسد المسيح، اسعَ لاحتوائهم، لا تهمش لا تستبعد لا تُقْصِ.  
8. كنيسة تبني مجتمعًا يتحرك دائمًا بالذين في الهامش إلى المركز  
كان من الممكن أن يختار المسيح أتباعه حصريًّا من أرقى طبقات المجتمع، سياسيًّا ودينيًّا، لكن من يقرأ استراتيجية المسيح في اختيار تلاميذه يجد تركيبة عجيبة شملت الجميع؛ من هم على قمة الهرم الاجتماعي إضافة إلى من هم في الهامش. والعجيب أن كلَّ فرد من هؤلاء كان له دور محوري ومركزي في بناء ملكوت الله. 
وهكذا الكنيسة يجب أن تكون خالية من أي تمييز على أي نوع؛ أن تكون محتضنة للجميع، وتأتي بالذين على الهامش إلى المركز؛ تمكِّنهم وتدمجهم، ليشعروا أنهم بحق جزء من هذا الجسد.  
9. كنيسة تبني مجتمعًا يجد نفسه في الآخر 
هذه الجماعة لا ينبغي أن تكون منغلقة، ولا سلبية ولا منسحبة ولا منعزلة، بل مندمجة، متفاعلة خادمة للمجتمع، تبني الجسور مع الآخر وتخرج خارج أسوارها، تمامًا كما جال المسيح يصنع خيرًا للجميع دون اختيار عرق أو قومية أو ديانة محددة. بل تفاعل مع المجتمع بإيجابية. 
أيها الأحباء، لقد قدمت كنيسة مصر الجديدة الإنجيلية نموذجًا مسيحيًّا إنجيليًّا عظيمًا في الرعاية والمحبة والوحدة، في بناء قدرات الإنسان والاستثمار بها، في الاحتواء... في كل هذا. لهذا استحقت بنعمة الله أن تكون كيانًا يشهد عن عمل الله وتساهم في بناء الملكوت. 
وأخيرًا -وهو ما يجدر أن يكون أولًا- حينما نرى نموذجًا ناجحًا، مؤثرًا، فاعلًا، أصيلًا وصادقًا، فهذا لا يدعو إلا لمجد الله وحده. هذا هو الهدف الأسمى والرسالة الرئيسة للكنيسة. أشكر الله لأجل كنيسة مصر الجديدة الإنجيلية، لأجل خدمتها وتأثيرها، ولأجل التغيير الذي تُحدِثه في حياة الكثيرين. أشكر الله لأجل ماضيها الكبير العريق والمليء بالإنجازات، وأصلي لأجل مستقبل أكثر نموًّا وتأثيرًا، أصلي لأجل رعاتها ومجلسها وشعبها، لتكون فيهم الوحدة والمحبة التي قصدها السيد المسيح لأجل كنيسته.