بعد مرور ٢٠ عاما على وقائع التعذيب بحق المعتقلين العراقيين بأيادي الجنود الأمريكيين في سجن أبوغريب، والتي تعد واحدة من أبشع جرائم العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان إذ شملت أعمال بطش وقسوة واعتداءات نفسية وجسدية، تفتح منظمات حقوقية ملف تعويضات المتضررين من هذه الأحداث وهو ما يعتبر رغم ضآلته - إذ لا يعفي الولايات المتحدة من المساءلة الجنائية- خطوة في سبيل إنصاف هؤلاء الضحايا.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن ٢٠ سنة مرّت على فظائع ارتكبها جنود أمريكيون بحق معتقلين في سجن أبوغريب، والتي سرعان ما افتضح أمرها أمام العالم.
وذكّرت الجارديان باعتذار الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الابن، وحديث عن طريقة لتعويض الضحايا العراقيين عن معاناتهم المريرة.
لكن تقريرا جديدا أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، اتّهم الحكومة الأمريكية بالفشل في تعويض الضحايا العراقيين سواء مَن كانوا في سجن أبو غريب أو في سجون أخرى كانت تديرها الولايات المتحدة في العراق.
ولفت تقرير هيومن رايتس ووتش إلى عدم وجود مسار واضح يسلكه المطالبون بحقوقهم من هؤلاء الضحايا العراقيين أو أهاليهم.
يجدر بالإشارة إلى أن عمليات الاعتقال التي نفذها الجيش الأمريكي في العراق طالت آلاف الأفراد خلال العام ٢٠٠٣، بمن في ذلك رجال ونساء وأطفال، وقدر ضباط المخابرات العسكرية أن ما بين ٧٠ إلى ٩٠ في المئة من هؤلاء تعرضوا للاعتقال عن طريق الخطأ، وفقًا لتقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ووفقًا لما ذكرته "الجارديان"، لم يكن سجن أبوغريب هو الوحيد الذي شهد انتهاكات وفظائع بحق العراقيين على يد الجنود الأمريكيين، فقد اكتسب سجن أبو غريب شهرته بفضل تسريب الصور التي أظهرت شهادات معتقلين سابقين فيه والتي كشفت عن ما كان يحدث داخل مراكز الاعتقال الأمريكية.
تلك الصور المسربة عكست بشكل واضح أساليب التحقيق القسري القاسية التي تم تنفيذها في معتقل جوانتانامو وكيف تم نقلها إلى مناطق أخرى مثل أفغانستان والعراق.
وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة البريطانية قيل إن السجناء في تلك السجون تعرضوا لمعاملة أقل إنسانية حتى من الأفراد الذين اتبعوا تلك الأساليب القسرية أو حتى من الجنود الذين نفذوها.
وتعتبر الصحيفة أن هذه الفضيحة لم تندثر في زوايا التاريخ، وما زالت تلوث صورة الولايات المتحدة حتى اليوم، وأشارت إلى أن غزو العراق الذي كان يهدف إلى تعزيز الهيمنة العسكرية الأمريكية قد تحول إلى ضربة قوية لمكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
وأوضحت "الجارديان" أن الصور التي تم تسريبها من سجن أبو غريب والتي شاهدها العالم أجمع تعكس في نظر الكثيرين النوايا الحقيقية للولايات المتحدة في المنطقة، والتي لم تكن تهدف إلى نقل الديمقراطية والحرية، بل كان الهدف الحقيقي هو فرض الخضوع والاستسلام.
وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية، صرحت مديرة مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش في واشنطن، سارة ياجر، قائلة: "بعد مرور عشرين عامًا، يظل العراقيون الذين تعرضوا لتعذيب على يد مسئولين أمريكيين بدون أي مسار واضح لتقديم دعاوى قضائية أو للحصول على أي شكل من أشكال العدالة أو الاعتراف بحقوقهم من قبل الحكومة الأمريكية".
وأضافت ياجر: "على الرغم من تصريحات المسئولين الأمريكيين بأنهم يفضلون نسيان تلك الفظائع، إلا أن آثار التعذيب ما زالت تؤثر بشكل دائم على حياة العديد من العراقيين وعائلاتهم".
تجدر الإشارة إلى أنه تم إدانة ما لا يقل عن ١١ جنديًا أمريكيًا بارتكاب انتهاكات في سجن أبو غريب، ولكن تم انتقاد العقوبات المخففة التي تم تفرضها عليهم وعدم تقديم القضية للمحكمة من قبل مسئولين كبار.
هيومن رايتس ووتش أشارت إلى أنها لم تتمكن من العثور على "أدلة علنية تثبت دفع تعويضات" لضحايا انتهاكات السجناء، سواء من قبل النظام الأمريكي أو النظام العراقي.
واختتمت "ياجر" قائلة: "على الولايات المتحدة أن تقدم تعويضات وتقديم اعترافات رسمية واعتذارات إلى الناجين من انتهاكات حقوق الإنسان وعائلاتهم".
وتشير تقديرات إلى أن ما يقرب من ١٠٠ ألف عراقي، تعرضوا للاعتقال من قبل التحالف العسكري الذي قادته الولايات المتحدة منذ عام ٢٠٠٣ وحتى عام ٢٠٠٩.
وفي مايو ٢٠٠٤، ألقى وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد كلمة أمام الكونجرس، قائلًا إن إساءة معاملة المعتقلين في أبو غريب "لا تتفق مع قيم أمتنا.. لقد كانت بالتأكيد غير أمريكية في الأساس".
وعلى الرغم من تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كان معارضًا لحرب العراق، بعدم ممارسة "التعذيب"، إلا أنه قرر عدم المضي قدمًا في محاسبة مسئولين في إدارة سلفه جورج دبليو بوش.
يجدر بالإشارة إلى أن القانون الذي أقره الكونجرس حال دون دفع الولايات المتحدة لأي تعويضات للأشخاص الذين تم الإفراج عنهم بعد اعتقالهم في سجن جوانتانامو في كوبا.