تُرجم التقدم التقني إلى براعة عسكرية، واكتسبت الدول التي تدمج التقنيات الجديدة بسرعة وفعالية أكبر فـي جيوشها، ميزة كبيرة على خصومها والأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي، وتخوض الولايات المتحدة والصين حاليًا منافسة على التفوق في هذا التحول التقني، والتي تشكل هذه المنافسة المشهد العالمي مُستقبلًا.
وقــال شـايـان حسن جـامـي، المحلل في أبحاث مجال التقنيات الناشئة في مقال بموقع "ناشيونال إنترست:" أن الصين قد لا تقر بهذه المنافسة التقنية، لكن الولايات المتحدة تؤمن بها إيمانًا راسخًا، وتجلّى ذلك في كلمة نائبة وزير الدفاع الأمريكي كاثلين هيكس فـي 28 أغسطس الـمـاضـي، التي تعد رؤية ثاقبة لقيمة التفكير الاستراتيجي للجيش الأمـريـكـي فـي الصين، والأنظمة المستقلة، والابتكار التقني.
وأشارت هيكس في خطابها إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية تهدف إلـى أن يكون لها «جيش قائم على البيانات ومدعوم بالذكاء الاصطناعي».
وأعلنت "مبادرة المسيرات المُستنسخة" التي وصفتها بالمبادرة الـجـديـدة لـ وزارة الدفاع الساعية إلى تطوير "أسراب مسيرة جوية أو برية أو بحرية منخفضة التكلفة، وبوسعها الإحاطة بالعدو.
ووصفت هذه المبادرة بـ"الرهان الكبير" الـــذي يمكن أن يتصدى لأهــم ميـزة لدى الصين، أي جلب أعداد ضخمة من المنصات والجنود إلى ساحة المعركة.
وقالت هيكس إن الهدف المباشر لمبادرة "الـمـسـيـرات المُستنسخة" هـو أن يتمكن الجيش الأمريكي من نشر أنظمة مستقلة قابلة للاستعمال بأعداد تصل إلى الآلاف في بيئات متعددة خلال18 أو 24 شهرًا.
وأوضح الكاتب أن حجم هـذه الأنظمة المُستقلة هائل ويسري على بيئات متعددة، وبما أن الولايات المتحدة حاليًا هي المركز التقني للعالم، فإن الاستخدام واسع النطاق للأنظمة المُستقلة من الجيش الأمريكي مـن الأرجــح أن يجبر الــدول الأخــرى على تبنيها حفاظًا على التكافؤ الاستراتيجي.
والأرجــــح أن تنتشر الأنـظـمـة المُستقلة لتشمل حلفاء الولايات المتحدة، وشركائها الاستراتيجيين.
والأهم هو الجدول الزمني المُعلن، وهو أمر مثير للقلق نوعًا ما، في رأي الكاتب، خــاصــةً أن قـضـايـا الــذكــاء الاصـطـنـاعـي وتنظيمه اكتسبت زخمًا أخـيـرًا. ورغـم أن الولايات المتحدة تزعم أنها تتبع نهجًا "مسئولًا وأخلاقيًا" في الذكاء الاصطناعي في مبادرة "المسيرات المُستنسخة،" فإن الجدول الزمني المحدد يجعل من الصعب تصديق تلك المزاعم.
ومـع ذلـك، من المهم أيضًا ملاحظة أن الجيش الأمريكي انكب على الأرجح على هذه المبادرة منذ فترة، لذلك ستكون لديه قواعد محددة للحد من مخاطر دمج الذكاء الاصطناعي في الجيش.
وحتى لو كانت الولايات المتحدة تخطط لهذه المبادرة منذ سنوات، فإنها تشعر الآن بالثقة الكافية لإعلانها وتنفيذها، وكانت أوكرانيا مـيـدان اخـتـبـار لـلـطـائـرات دون طيار، والأنظمة المُستقلة التي أثبتت قوتها بوضوح، وتنشر روسيا وأوكرانيا بانتظام طائرات دون طيار في العمليات العسكرية.
ويُقدر المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن أوكرانيا تفقد 10آلاف طائرة منها شهريًا، وهـــذه الــطــائــرات مـفـيـدة لـلاسـتـخـبـارات، والــمــراقــبــة، والاســتــطــلاع والاســتــهــداف المباشر للبنية التحتية العسكرية والمدنية للخصم.
فضلًا عـن ذلــك، ذكــرت هيكس الصين بوصفها الهدف الوحيد لمبادرة "المسيرات المُستنسخة،" وأضافت "يجب أن نضمن أن تستيقظ قيادة دولة الصين الشعبية كل يوم، وتحسب حساب مخاطر عدوانها، وتَخلُص إلى أن اليوم ليس اليوم المنشود وليس اليوم فقط، وإنما كل يوم من الآن إلى 2049 وما بعده."
وذكرت أيضًا أن "الأنظمة المستقلّة القابلة للاستعمال في جميع المجالات ستساعدنا على التغلب على التحدي المتمثل في أنظمة منع الوصول وحجب المناطق."
طموح الصين ومستقبل الحرب من ناحية أخـرى؛ رغم أن الصين تطمح إلــى أن تصبح رائـــدة عالميًا فـي الـذكـاء الاصطناعي بحلول، 2030 فإنها تعمدت
حـتـى الآن الــســريــة فـــي دمـجـهـا لـلـذكـاء الاصطناعي في التطبيقات العسكرية، غير أن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من النظر إلى التقدم الصيني في الذكاء الاصطناعي على أنه تحدٍ كبير لقيادتها العالمية.
ويرى الكاتب أن مستقبل الحرب سيكون قـائـمـًا عـلـى الـبـيـانـات ومُــفــعــلًا بـالـذكـاء الاصـطـنـاعـي، مـشـيـرًا إلـــى ضـرورة فهم المخاطر المحتملة لدمج الذكاء الاصطناعي في النظم العسكرية في المستقبل.
وبالنظر إلى الوتيرة السريعة للتقدم في تقنية الذكاء الاصطناعي وأهمية تطبيقاته العسكرية لدى الدول الكبرى، يقول الكاتب إن دمــج الــذكــاء الاصـطـنـاعـي فـي جيوش الدول الكبرى مسألة وقت، ومن المرجح أن يحارب المقاتلون في ساحات المعارك جنبًا إلى جنب مع الكثير من الأنظمة المستقلة.
ورغــم أن تلك الأنظمة قد تبدو وسيلة أكثر فعالية للقتال عند البعض، فإن خطر التصعيد مـن تلك الأنظمة المستقلة قد يكون أكبر من اللازم.