الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ديمقراطية عبد الناصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

احتفلنا بالأمس بالذكرى الـ٥٣ لرحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. وفى مثل هذه المناسبة نعيش حالة من حالات الاستفزاز وتصفية الحسابات السياسية والشخصية والنفسية من رجل رحل منذ أكثر من نصف قرن!! وهذا يعنى عمليا وموضوعيًا أهمية الرجل وعصره ومواقفه سواء كانت فى الإطار الايجابى أو السلبى. وهذا أمر طبيعى حيث أن ناصر بشر غير مقدس ويخطئ ويصيب.  ولذا تلزم هنا الموضوعية فى الحكم والتقييم. حيث أن الأنظمة والزعامات تحاسب وتقيم فى إطار وعلى ضوء الواقع والزمن التاريخى الذى احتوى الحدث وشاهد الزعيم. فالتاريخ بشكل عام يُقرأ فى إطار معطيات حقبته التاريخية بعيدًا عن الواقع ومعطياته التى يمكن ألا يربطها رابط بتلك الحقبات السابقة. ولكن للأسف نعيش فى الغالب فى مناخ غير موضوعى تسيطر عليه العاطفة فتتحول الأحكام إلى أحكام مطلقة لاعلاقة لها بأى نسبى. 
وضمن هذه الأحكام العاطفية المطلقة من يقول (لا وجود للديمقراطية فى عصر ناصر). فنسمع أكلاشيهات وشعارات أصبحت محفوظة ومملة من كثرة تكرارها. فما هى حكاية الديمقراطية هذه؟.. بداية، فالديمقراطية مصطلح يونانى يعنى حكم الشعب بالشعب وللشعب. مع العلم أن هذه الديمقراطية اليونانية لم يشاهد فيها الشعب ولم يمارس أى ديمقراطية حيث كانت ديمقراطية نخبة النخبة ولا وجود للشعب!! حيث كانت ديمقراطية مباشرة أى يجتمع مايسمون بالشعب ويناقشوا مايريدون. ثم تطور الأمر واخذت الديمقراطية أشكالًا متعددة اتساقًا مع المتغيرات السياسية فكانت الديمقراطية الغير مباشرة ثم الديمقراطية النيابية التى ينتخب فيها الشعب نوابًا ينوبون عنه فى التعبير عن الرأى. كما أننا نشاهد الآن انحسارا عمليا للديمقراطية النيابية معطية الفرصة للديمقراطية الجماهيرية (الشعبوية) عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. على كل الأحوال فهذا يعنى أن الديمقراطية مسمى ومصطلح لا ينحصر فى ظل نظام بذاته. بالانظمة والتجارب السياسية لا تستنسخ ولا تستورد وإن كان هناك استفادة تتوافق مع المعطيات المجتمعية والسياسية والاقتصادية لكل نظام.
هنا وللموضوعية فالحديث عن ديمقراطية عبد الناصر لا يجب حصرها وحصارها فى إطار الشكل الديمقراطى الغربى التقليدى الذى كان يتوافق مع تلك الشعوب ومع معطياتها المعاشة هناك.
فالمعطيات السياسية عند ثورة يوليو كان تحتويها مناخ استقطاب دولى بين قوتين لكل منهما أهدافه. فكانت الديمقراطية التعددية وديمقراطية الحزب الواحد. فماذا حدث فى مصر؟ قامت الثورة فى شكل انقلاب تحول إلى ثورة. ولم يكن لدى الضباط برنامج ثورى متكامل حينها. ولكن كان الهدف هو إسقاط الملكية وتسليم الحكم للأحزاب عن طريق الديمقراطية التى تخول الحكم للحزب الحائز على الأغلبية مثل ماكان قائما قبل يوليو. فكانت تلك الأحزاب التى يتشدقون بديمقراطيتها الأن أحزابًا لا يعنيها غير مصلحة نخبتها السياسية والاقتصادية وهذا معروف تاريخيًا. هنا أدرك الضباط أن عودة النظام الحزبى القديم يعنى عودة للنظام المسقط. تغيرت الأمور وكانت المستجدات التى فرضت نفسها لمواجهة تلك المتغيرات السياسية فكان نظام الحزب الواحد. تطورت أشكال الحزب الواحد من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومى إلى الاتحاد الاشتراكى. فنجد هذا التطور فى تلك المسميات. هيئة الحرير تناسبًا لمرحلة التحرير من الملكية والاستعمار. الاتحاد القومى يعنى اتحاد الشعب لحماية الثورة والحفاظ على مكاسبها. الاتحاد الاشتراكى بعد القوانين الاشتراكية فهو تنظيم يضم كل قوى الشعب. هنا نقول إذا كانت الديمقراطية فى جوهرها وليس فى أشكالها المتعددة تعنى المشاركة فى اتخاذ القرار عن طريق التعبير عن الرأى وتنفيذ مطالب الشعب وتحقيق آمال الجماهير، فهل كانت أحزاب ماقبل الثورة تفعل ذلك وتطبق هذا؟.. نعود إلى الحزب الواحد. كان الاتحاد الاشتراكى ومنظمة الشباب الاشتراكى والحزب الطليعى (غير معلن) يقومون يوميًا بتقديم تقارير بمشاكل الجماهير وقضاياها (زراعة، صحة، تعليم، ثقافة.. إلخ) إضافة إلى آخر نكته باعتبار أن النكتة أحد أساليب التعبير فى إبداء الرأى فى السلطة. كانت التقارير تصعد من القرية إلى المركز إلى المحافظة إلى المستوى المركزى وصولًا إلى رئيس الجمهورية. أى أنها تقارير شعبية وجماهيرية لا تقارير أمنية فقط. كما كانت مجالس المدن والمحافظات تشكل من الجهاز التنفيذى وقيادات الاتحاد الاشتراكى فكانت المشاكل تطرح وتحل فى الاجتماع بقرارات وليست توصيات.  كان هذا أسلوب ونظام توافق مع المعطيات والاهداف السياسية التى كان لا هدف لها غير الجماهير وحل مشاكلها وتحقيق آمالها. وكان الشعار أن الديمقراطية هى تحقيق حياة تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية وليس الصراعات الحزبية. هنا لا تقول أن ذلك النظام يصلح الآن فكل نظام إبن زمانه. ولكن نقول إنها كانت تجربة حققت الكثير والكثير للشعب ولازالت باقية فى الوجدان المصرى وستظل هادية لتحقيق الاستقلال السياسى (طوال الوقت) والاستقلال الاقتصادى والعدالة الاجتماعية. فهل نعى أهمية الحوار الموضوعي بعيدًا عن اختلاق صراعات لا تليق بوطن يعانى من مواجهات لا أول لها ولا آخر؟.. حمى وحفظ الله مصر وشعبها العظيم.
*كاتب سياسى ونائب سابق