رجل خلوق نموذج فى أخلاقه وسلوكه وإنسانيته وفنه، والأهم عظيم فى أبوته، هو الفنان المهندس محمد ثروت الذى ولد فى ٣٠ أغسطس ١٩٥٤، فى طنطا وسط ناسها الطيبين، درس فى كلية الهندسة، تفوق فى دراسته وحصل على بكالوريوس الهندسة جامعة المنوفية عام ١٩٨٣، ويشيد بأخلاقه والتزامه كل يقترب منه، تفتحت عيناى على صوته وتعلمت نطق الكلمات والتمايل بالرقص على أغنيته التى لحنها الفنان طه العجيل، حبًا فى إبنته رشا، ولكن كان يقال لى فى طفولتى أنها صنعت من أجلى! فظللت أعوامًا عديدة أظنها أغنيتى! "حَبِيْبِة بَابَا رَشَا.. أَمُّوْرِة بَابَا رَشَا..كَتْكُوتِة بَابَا رَشَا..سَنْيُورِة بَابَا رَشَا..في الصبح بدري تصحى..تجري وتقوللي اصحى..وتبوسني أنا وماما..وتملى بيتنا فرحة..مشيتها غنوة رقيقة..ضحكتها حلوة بريئة..في كل يوم نضيفة.. وف طبعها لطيفة.. حبيبة بابا رشا..دي نبيهة وطالعة شاطرة..تقعد تكتب وتقرا..ترسم عصفور وشجرة..وتعِدِّ لحد عشرة..يا غنوة الأغاني..يا بسمة الأماني..يا معطرة زمانى..دى روح قلبى رشا".
بدأ ثروت حياته الفنية كمطرب رصين، يشدو بالاغاني الوطنية والدينية والعاطفية، وكان بارعًا فى أغاني الأطفال، لحن له كبار الملحنين وعلى رأسهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي ومنير مراد ومحمد سلطان وحلمي بكر وعمار الشريعي، وهو فنان مثقف لم يكتف بموهبته، ولكن عمل بالهندسة بجانب الغناء، ولم يستسهل الربح بامتلاك مطاعم وكافيهات، ولكن سار عكس الموجة التى سادت بزنس الفنانين، فامتلك مصنعًا للالمنيوم منذ الثمانينات لايزال يعمل حتى الآن!.. هو أحد أبناء التليفزيون العربى من مدرسة برنامج الأطفال الذى صنع العديد من النجوم برنامج ماما سميحة، يتسم بالاستقامة ولا يعرف فنون اللوع ولا جلسات النميمة والأنس، ولا ينتمى لشلة تسانده وتروج له، ولذلك أطلق عليه البعض تهكما لقب "مطرب السلطة" بسبب إلتزامه وغنائه فى الإحتفالات الوطنية فى عهد الرئيس حسني مبارك، والذى يشبهه كثيرا فى ملامح وجهه، وقد دافع ثروت عن نفسه ضد هذا اللقب وقال: "أؤكد أنها مقولة ليست حقيقية لأنه للأسف أول ما يجني على المرء إجتهاده، فأول ظهوري كان في أوبريت الأرض الطيبة مع الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب في عهد الرئيس السادات، وتضمن مجموعة من الفنانين منهم إيمان الطوخي، محمد الحلو، توفيق فريد، سوزان عطية، زينب يونس وظهرت معهم لدقيقة وبعدها إختارني الموسيقار محمد عبد الوهاب للتلحين لي بمفردي وذلك بعد نجاحي".. وما قاله الفنان محمد ثروت حقيقى، فكثيرًا ما يجنى على المرء إجتهاده! يتمتع ثروت بمشاعر أبوية مفرطة دفعته للغناء للأطفال مبكرًا، كما دفعته للقيام بدور إجتماعى وإنسانى من خلال إنشائه لدار أيتام في طنطا، ومتكفل وحده بالدار ولا يقبل تبرعات! ويعلم الأطفال الأيتام فى مدرسة خاصة من أفضل المدارس في طنطا، وكل فترة يذهب للمدرسة ويسأل عن أطفال الدار بالاسم، كما أسس مزرعة في مسقط رأسه حتى لا ينفصل عن بلدته طيلة حياته، ونجح ثروت في تدشين عدة فروع لمؤسسته في القرى المحيطة، حتى وصل به الحال إلى إفتتاح فرع في رأس البر بدمياط، بموجب حصوله على قطعة أرض منحها له محافظ دمياط الأسبق المرحوم عبدالعظيم وزير، وكانت إرادة الله أن يختبر صاحب القلب الطيب الذى يمنح الحب والأمان لكل محتاج!.. أبتلى بمرض ولده وقرة عينيه المخرج أحمد ثروت، وقد أصيب بمرض مناعي نادر وسافر إلى ألمانيا فى رحلة علاج، وهو بين الحياة والموت.. هذا الإبن ورث عن أبيه الإيمان والصبر والرضا فكتب أثناء المحنة: (مهما واجهتك في الحياة صعوبات فلا تيأس عافر وثق بالله وأعرف أن ماكتبه الله لك فيه الخير) وكتب أيضًا "بعد أربعة أسابيع حجر في المستشفى لوحدي، أخيرًا اتسمحلي بالزيارات والأستاذ جالي وفطرنا النهاردة مع بعض وعايز أقول من غير ما أقلبها دراما إن ربنا كارمنا بنعم بيوريهالنا في تجمعاتنا كل عيد ومناسبة أولها رمضان اللي ما لوش طعم من غير لمة عيلتك وصحابك حواليك وإنك تبقي بكامل صحتك! يا ريت اللي ربنا كارمه بالنعم دي أو جزء منها مع إنك ممكن تشوفها بسيطة، إستمتع بيها… قدرها وحب كل تفاصيلها وإحمد ربنا عشان دي حاجات ملهاش ثمن واللي بيعدي منها مابيرجعش.. فحاول تتأمل في فضل ربنا وأشكره دايمًا على نعمة العيلة والصحاب".. وقد من الله عليه بتحسن حالته الصحية وبعد أن هدأت العاصفة وكادت تمر، أعلن قلب ثروت الإحتجاج، فسافر إلى النمسا فى رحلة علاجية أجرى خلالها عملية دقيقة بالقلب، وعاد منها بفضل الله سالما، ومؤخرًا طل علينا فى حفل لتكريمه فى حفل بالسعودية.. وكانت مفاجأة الحفل لثروت والجمهور هو ظهور إبنه على المسرح يقبل يديه ويغنى الأغنية الرائعة (أنا ابن أبويا) فى مشهد أبكى القلوب وأسعدها، كل التهانى للفنان العظيم بالتكريم والشفاء، ودعاؤنا أن يمن الله على المخرج أحمد ثروت بتمام الشفاء.
*أستاذة بأكاديمية الفنون
