أيام قليلة، ونحتفل باليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر المجيد، الملحمة التي سنظل نفتخر بها جيلا بعد جيل.. سعداء بما حققه الآباء والأجداد من مجد لهذا الوطن بعد صبر لسنوات وسط لحظة اشتياق لرفع قطعة قماش ملونة لتعلن للعالم أجمع عودة الأرض والعرض والشرف والكرامة.
أيام النكسة والهزيمة التي مرت على الأجداد كانت دهورا من الأحزان.. ما بين نفوس حالمة وأسباب عاجزة.. تمر اللحظات ببطء شديد.. جاثوم أسود يطاردهم في الصباح والمساء.. لا يملكون رفاهية اليأس والاستسلام.. على أرضنا يلهو الأوباش.. يدنسون الأرض الطاهرة بأقدامهم العفنة.
أمهات لم يفقدن أبدا الأمل في النصر.. يحمسن شبابنا الحالم بلحظات تنقلب فيها السماء على الأرض، يوم تضيق فيه الأرض على أعدائنا وتسترد السماء فيها أرواحهم.
أبدا لم نيأس ولم نلق بأنفسنا في الماء قبل أن تغرق السفينة.. سيبتلع البحر أعداءنا وستطفو أرواحنا على الضفة الشرقية لقناة السويس، بأعلام النصر المنسوجة بدمائنا.
والآن قد جاء اليوم الذي تحدث عنه الزعيم محمد أنور السادات الزعيم المنتصر، ونحن الآن نحتفل بالذكرى الخمسين لقصة الكفاح والمشاقة ونتذكر مرارة الهزيمة وآلامها ولو لم نعشها.. ونستطعم حلاوة النصر وآماله.. ها نحن الآن نريد أن نقص ونروي، ماذا فعل الآباء والأجداد كل في موقعه.. كيف حملوا الأمانة.. كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة.
في فترة حالكة حملوا فيها مشاعل النور، وليضيئوا الطريق حتى عبروا الجسر ما بين اليأس والرجاء، وأثبتوا للعالم أن نكسة 1967 كانت استثناء في تاريخنا وليس قاعدة.
لقد وعد الزعيم فأوفى.. وسلم راية الوطن مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها.. رؤوسنا عالية في السماء.. فسلاما على رجل حمل المسئولية على كتفه وقاد شعبه نحو النصر والعزة والكرامة، لنكتب ملحمة بدماء القادة والضباط والجنود على رمال أرض سيناء، فنحن أمة لم تفقد إيمانها أبدا بطلوع الفجر.
لم يكن الفن بعيدا، فقد جسد بعضا مما حدث، لكن من أجمل ما كتب كان في مسلسل «السقوط في بئر سبع» عندما مزج في مشهد نهار داخلي الرائعان «عبدالرحمن فهمي وسامي غنيم»، لحظات استشهاد «فتحي الفلاح»، الدور الذي قدمه الفنان القديرمحمد الصاوي، وبين مشهد ليل داخلي لصراخ «جولدا مائير»، الدور الذي قدمته الرائعة إنعام سالوسة، بإخراج من الرائع أحمد توفيق.
لقد فارق «فتحي الفلاح» الحياة سعيدا بوطنه.. لكن الموت يحاصر «جولدا مائير» التي تصارع من أجل البقاء.. لقد انتصر «الفلاح» وسقطت رايات الأعداء تحت أقدامه.