في مثل هذا اليوم 26 سبتمبر 1982م، توفي السياسي أحمد حسين صاحب مشروع القرش ومؤسس حزب مصر الفتاة.
ولد أحمد حسين في 8 مارس 1911م بحي "السيدة زينب" بالقاهرة ، وتلقى تعليمه الابتدائي في "مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية"، ثم انتقل منها إلى مدرسة "محمد علي الأميرية"، وفي المرحلة الثانوية انتقل الى المدرسة الخديوية الثانوية ، بدأ اهتمامه بالمسرح والتمثيل ، ونمت عنده موهبة الخطابة ، والحس الوطني ، وبعد ان أنهى دراسته الثانوية التحق بكلية الحقوق.
تبنى أحمد حسين "مشروع القرش" سنة 1931م ، وذلك لحث كل مواطن مصري على أن يتبرع بقرش واحد لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي كان يعاني آنذاك من آثار انخفاض أسعار القطن في الأسواق ، كما أن المشروع جاء في إطار معركة شهيرة عرفت في مصر بمعركة الطربوش ، فمصر كانت تستورد الطرابيش إلى أن أنشأ محمد علي باشا مصنعا لتصنيع الطرابيش.
لكن بعد تحالف الدول الغربية ضد مشروعه عام 1840م توقفت كثير من المصانع، ومن بينها مصنع الطرابيش، وعادت مصر إلى الاستيراد مرة أخرى ، لكن المعركة التي اشتعلت في تلك الفترة كان الطربوش فيها يعبر عن رمزية، ورمزيته تعني التمسك بالهوية الوطنية المصرية الشرقية والإسلامية في مقابل الهويات التي كانت تطرح نفسها في ذلك الوقت، خاصة الانجذاب نحو الغرب، حيث كان أنصار هذا الاتجاه يرون أن القبعة هي بديل الطربوش الذي من المفترض أن يرتديه المصريون كغطاء للرأس.
شارك آلاف المتطوعين في كافة أنحاء مصر في "مشروع القرش"، وحظي بدعم الكثير من الأحزاب باستثناء حزب الوفد ، كما حظي بدعم الحكومة ، حتى ان الشاعر الكبير أحمد شوقي شارك في دعم المشروع بأشعاره ، وكان مما قاله :
علم الآباء واهتف قائلا أيها الشعب تعاون واقتصد .. إجمع القرش إلى القرش يكن لك من جمعهما مال لبد .. أطلب القطن وزاول غيره واتخذ سوقا إذا السوق كسد.
أسفر مشروع الطربوش بالفعل عن إنشاء مصنع في العباسية “في شارع مصنع الطرابيش” بالتعاقد مع شركة هاريتمان الألمانية ، و افتتح المصنع في 15 فبراير 1933م ، وفي أواخر 1933 بدأ الطربوش المصري يطرح في الأسواق، غير أن بعض الوفديين قاموا بمظاهرات تنادي بسقوط أحمد حسين ، وتقول : "يسقط حرامي القرش"، واتهموه باختلاس أموال المشروع ، وكانت حملة تشهير قاسية ضده تغذيها روح السياسة ، فاضطرته إلى الاستقالة من سكرتارية جمعية القرش ، وإعلانه قيام جمعية مصر الفتاة.
في أكتوبر عام 1933م تشكلت جمعية "مصر الفتاة"، و أعلنت رسميا تحت رئاسة "أحمد حسين"، و اتخذت من جريدة "الصرخة" لسانا لها ، و كانت جمعية ذات أهداف وطنية قد تصل إلى حد الحماسة المفرطة ، و لعل ذلك يرجع إلى حالة الاحتلال التي كانت تعيشها مصر ، وكان من متطلباتها : "لا تتحدث إلا بالعربية"، و"لا تشتر إلا من مصري"، و"لا تلبس إلا ما صنع في مصر"، و "احتقر كل ما هو أجنبي ، و تعصب لقوميتك إلى حد الجنون".
كانت الجمعية مقصدا لكثير من الشباب المصريين ، لما تميزت به من حماسة وحب للوطن ، وأنشأت الجماعة جماعات شبه عسكرية عرفت بـ"تشكيلات القمصان الخضراء"، وفي 31 ديسمبر 1936م تحولت جمعية مصر الفتاة إلى حزب سياسي ، فكان حزبا يتمتع بشعبية وسط الشباب المصري ، ويتبنى خطا وطنيا قويا ذا تأثير سلبي على شعبية الوفد بين الشباب ، لذا اتجه الوفد إلى محاربة مصر الفتاة ، كما أن تولي مصطفى النحاس رئاسة الوزراء في مصر عام 1936م كان مؤشرا على اضطهاد أعضاء مصر الفتاة وتشكيلات القمصان الخضراء ، فأنشأ الوفد تشكيلات شبه عسكرية عرفت بـ"القمصان الزرقاء"، واصطدم هؤلاء بتشكيلات مصر الفتاة ، ونتج عن ذلك قتل شخصين ، ومن ثم تعرضت مقرات مصر الفتاة للإغلاق .
وتوازى مع ذلك حملة سياسية شنها النحاس باشا في مجلس النواب بأن مصر الفتاة تعمل مع دولة أجنبية ، خاصة بعد حادث تعرض النحاس باشا لإطلاق النار، فتم إغلاق دور مصر الفتاة ، واعتقال الكثير من أعضائها ، وعلى رأسهم أحمد حسين ، وقد وُجهت تهم لأحمد حسين بأنه خائن لاتصاله بالألمان.
وبسبب الرسالة التي بعث بها إلى الزعيم الألماني هتلر، والحقيقة أن رسالة أحمد حسين لهتلر كانت تدعوه إلى الدخول في الإسلام ، فصدر أمر باعتقال أحمد حسين في مايو 1941م إلا أنه تمكن من الهرب ، واختفى فترة حتى قبض عليه مرة أخرى ، وعندما نزل الألمان الأراضي المصرية إبان الحرب العالمية الثانية وبدءوا يحرزون انتصارات على الإنجليز في مصر، تمكن أحمد حسين من الهرب مرة ثانية من السجن في أثناء علاجه في المستشفى ، لكن هزيمة الألمان في معركة العلمين الشهيرة أحبطته ، إذ كان يأمل أن يستغل تقدم الألمان لإحداث ثورة شعبية تقود إلى تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي ، وهو ما جعله يسلم نفسه ، فتم حبسه عامين ، حتى أفرج عنه عام 1946م .
في عام “1938-1939م”، أيدت "مصر الفتاة" الملك فاروق ، ونادت بإحياء الخلافة في شخص الملك ، وخلعت على الملك فاروق لقب "أمير المؤمنين"، وطالبت بالأخذ بالشريعة الإسلامية باعتبارها أساسا للحياة في مصر.
في أواخر الأربعينيات كاد حزب مصر الفتاة أن يختفي من على المسرح السياسي ، نتيجة الإجراءات القمعية التي مورست ضده ، ونتيجة للتغيرات التي حدثت في المجتمع المصري في أثناء الحرب العالمية الثانية و بعدها ، وكان أحمد حسين ضيفا متكررا على السجون.
في عام 1948 وضع حزب مصر الفتاة برنامجا سياسيا واجتماعيا كشف عن بعض ميوله نحو الاشتراكية ، ثم كان التغيير في شعار الحزب ، ففي البداية كان شعاره “ الله .. الوطن .. الملك ” و “ الملك نعظمه ، و نلتف حول عرشه” ثم استبدل بذلك شعار “ الله .. الشعب ” و كان إسقاط الملك من الشعار و استبدال الشعب به دلالة واضحة حول الرغبة في التغيير، بل إنه تغير اسمه من "مصر الفتاة" إلى "الحزب الاشتراكي".
واعتبر أحمد حسين "أن الاشتراكية من لب الإسلام و صميمه"، ورأى الملك أن التخلص من التيار يكمن في التخلص من أحمد حسين زعيم الحزب، و بعد حركة يوليو 1952 أفرج عنه ، وعاد لنشاطه، لكن حل الأحزاب شمل حزبه في 1953م ، ثم ما لبث أن تعرض للسجن و التعذيب الوحشي في السجن الحربي إبان "أزمة مارس" الشهيرة عام 1954م ، و التي دار خلالها صراع على السلطة بين الرئيس محمد نجيب و جمال عبد الناصر.
وعندما أفرج عنه انتقل أحمد حسين إلى منفاه الاختياري في سوريا ، ثم لبنان ، ثم لندن ، ثم السودان ، و لم يكف خلال هذا التجوال عن إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبد الناصر - الذي كان عضوا سابقا في حزب مصر الفتاة - يطالبه فيها بالديمقراطية، و يحذره من الاستبداد و الديكتاتورية.
وفي عام 1956م طلب أحمد حسين العودة إلى مصر على أن يعتزل العمل السياسي، واستجيب لطلبه، فعمل بالمحاماة فترة ، ثم اعتزلها عام 1960م ، وتفرغ للكتابة ، وأصدر مجموعة من المؤلفات منها : "موسوعة تاريخ مصر" في خمسة أجزاء ، و عدد صفحاتها 1500 صفحة، و إيماني، و الأرض الطيبة ، و في الإيمان و الإسلام ، و وراء القضبان ، ورسالة إلى هتلر ، وحكومة الوفد ، واحترقت القاهرة ، و الاشتراكية ، و كتاب الطاقة الإنسانية و هو أشهر كتبه على الإطلاق ، ثم اتجه إلى تفسير القرآن الكريم لكنه لم يكمله.
توفي أحمد حسين في 17 ذو الحجة 1403هـ الموافق 26 سبتمبر 1982 بعد حياة حافلة بالكفاح والعطاء.