منذ أن أذن الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة أو يثرب كما كانت تسمى قديما بدأت قصة جديدة عرفها التاريخ بالمغامرة في سبيل الحق والإيمان، وذلك لأن محمدا وصاحبه أبا بكر قد سلكا طرقا غير مألوفة في الطريق إلى المدينة حتى إن موعد السفر كان على غير المعتاد وفي سفره لاقى الكثير من المعجزات التي قصتها كتب التاريخ فما إن دخل محمد وصاحبه الغار حتى أسرعت العنكبوت إلى نسج بيتها تستر به من في الغار عن الأعين، ومن بعد الحمامتين اللتين باضتا عند بابه، ونمت الشجرة التي لم تكن نامية من ذي قبل، فهولاء أعاجيب ثلاث لها كل يوم في أرض الله نظائر.
وما إن وصل النبي محمد من الوصول إلى مدينة يثرب حتى بدأ يفكر في هذه الحياة الجديدة التي نقلت دعوته كخطوة جديدة واسعة ليجعل فيها السكينة والهدوء ويجنبها الخلاف ويهيئ لها في المستقبل طمأنينة تطمع معها أن تكون أوفر من مكة ثروة ووجاهة، كما كان همه الأول والآخر هذه الرسالة التي عهد الله إليه في تبليغها والدعوة إليها والإنذار بها
حياة محمد
وضع النبي محمد طور جديد من أطوار حياته لم يسبقه إليه أحد من الأنبياء والرسل أشار اليه الكاتب محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد» هو الطور السياسي الذي أبدى من خلاله الحنكة والمهارة والمقدرة ذلك لأنه كان يرغب في أن يجعل موطنه الجديد «يثرب» الذي قدم إليه من مكة مهاجرا بلدا قائما على الوحدة السياسية والنظامية التي لم تكن معروفة من قبل في سائر أنحاء الحجاز.
كان أول قرار وضعه النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم ذلك للقضاء على كل شبهة تحاول أن تثور أو تزيد من العداوة القديمة فيما بينهم فمحمد لم يفكر في مال ولا جاه بل كان تفكيره وشغله الشاغل أن تتجه سياسته إلى طمأنة أهل يثرب وكل من يتبع رسالته بان يكفل لهم الحرية في عقيدتهم ككفالتها لغيرهم في عقيدتهم لأنه رأى أن الحرية هي وحدها الكفيلة بانتصار الحق، وتقدم العالم نحو الكمال في وحدته العليا، فكل حرب على الحرية هي تكمين للباطل، فأوضح أن الإسلام يكفل حرية العقيدة بأنه ليس للإنسان على الإنسان أي سيادة وأن أمور الدين لله وحده، ولذلك نجد أن المجال قد انفتح أمام النبي ليعلن تعاليمه الدينية وكوّن بذّاته وبتصرفاته مع من يقطنون البلدة المثل الأسمى لهذه التعاليم ليضع من خلال ذلك الحجر الأساس في الحضارة الإسلامية.
جمع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما بين أقواله وأعماله في تدعيم حضارة الإسلامية وقوتها، وذلك نجده يأبى أن يظهر في أي مظهر من مظاهر السلطان، وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحدثهم ويبدأ هو بالمصافحة حتى إنه لا يجلس إليه أحد وهو في صلاته حتى يخفف من صلاته ليقضى إليه حاجته، وعندما ينصرف يعود للصلاة مرة أخرى.
دعائم الحضارة الإسلامية
إن دعائم الحضارة السلامية التي شكلها النبي محمد لم تقف عند حد الإنسان فحسب بل تعداها إلى الحيوان فكان يقوم بنفسه بفتح الباب لهرة تلتمس عنده ملجأ وكان يمسح لجواده بكم قميصه، وهو ما ترك أثرًا واضحا من أفعاله فأقبل الكثيرون على الدخول في الإسلام؛ ليزداد المسلمون قوة في المدينة فأوامر الإسلام ونواهيها كانت معروفة للجميع، لكن النبي محمد لم يترك لأحد يدّعي لنفسه حقا في إقامة الحدود أو إكراه الناس على طاعة الأوامر واجتناب النواهي غير من كانت له ولاية الأمر وسياسة الناس.