في موسوعة مصر القديمة، يشير الأثري الكبير الراحل سليم حسن إلى أن «رمسيس الثالث» تولى الحكم بعد موت والده «ستنخت» الذي لم يمكث على عرش الملك أكثر من عامين كافح في خلالهما لطرد الغزاة وتثبيت حكمه في البلاد.
تقول الموسوعة: والظاهر أنه -أي «ستنخت»- قد أشرك ابنه «رمسيس الثالث» في الحكم. فلما انفرد «رمسيس» بالحكم أثبت للعالم والتاريخ أنه خلف صالح لوالده، كما أثبت أن الدم الملكي الجديد كان له خطره في إنهاض البلاد من كبوتها التي سقطت فيها خلال عهد آخر ملوك الأسرة التاسعة عشر الضعاف.
وقد جمع «رمسيس الثالث» في شخصه القوة الحربية والقدرة السياسية التي امتاز بها «سيتي الأوَّل» ومن بعده ابنه «رمسيس الثاني» الذي سعى لحذا حذوه، وإن لم تكن الأحوال مُهيأة له لتنفيذ مقاصده.
وكان عهد «رمسيس الثالث» حافل بالأعمال العظيمة والأحداث الجسيمة؛ فقد ناصره الحظ، ورافقه حسن الطالع طوال مدة حكمه إلا السنين الأخيرة التي كدرت صفوها بعض الأحداث الداخلية المحضة التي لا تخلو منها بلاد في كل زمان ومكان. ولقد ظل اسمه لامعًا حتى بعد مماته؛ إذ حُفظت لنا أعماله العظيمة إلى الآن بصورة رائعة لم يحظَّ بمثلها ملك من الملوك الذين سبقوه.
وتلفت الموسوعة إلى نقش على الحجر على معبد الملك الجنائزي، المعروف باسم مدينة «هابو». ويُعّد من أحسن المعابد التي بقيت محفوظة. وكذلك وثيقته الكبرى التي دونها مدة حياته عن أعماله السياسية والدينية العظيمة، وهي أكبر وأضخم وثيقة، ويبلغ طولها أكثر من أربعين مترًا. وقد دُونت بأحسن خط هيراطيقي عُرف حتى الآن.
حروب في الجنوب والشمال
ترك «رمسيس الثالث» مناظر ممتعة، ومتونًا ضافية عن حروبه مع الممالك المجاورة لبلاده، والنائية عنها، على جدران معبده الكبير الذي أقامه في «طيبة» الغربية، وهو المعروف الآن بمعبد مدينة «هابو». والظاهر -وفق سليم حسن- أنه رتبها ترتيبًا تاريخيًّا كما فعل «سيتي الأوَّل» على جدران «معبد الكرنك».
تقول الموسوعة: تدل المناظر والمتون التي تركها «رمسيس الثالث» على أنه قام بحروب مع بلاد النوبة في أوائل حكمه. وجاء في أحد المناظر الملك في عربته يساعده جنود مصريون وآخرون أجانب يهاجم بلدة نوبية، ثم يذكر المتن أنه كان شجاعًا في قيادة عربته، وجميلًا في ساحة الشجاعة عندما هاجم العدو. وقد صير بلاد «كوش» كأن لم تغنَ بالأمس، مضرجين بدمائهم أمام خيله، وبعد أن أحرز النصر نجده يقود أمامه ثلاثة صفوف من الأسرى وبصحبته جنود من المصريين، وفي منظر آخر نجده يقود هؤلاء الأسرى ويقف أمام «آمون» و«موت» في محراب. ويُشاهد بين الملك والإلهين الجزية النوبية مكدسة.
وأظهرت نقوش أخرى في السنة الثامنة، الملك نفسه وهو يقوم بالإشراف على توزيع المهمات لجنوده استعدادًا لواقعة كان يُنتظر أن تدور رحاها في شمال البلاد والبحر المتوسط، يعاونه فيها ولي عهده. وقد وُزعت على الجنود خوذات الحرب، والحراب والأقواس، والسيوف، والدروع، والزرد، والكنانات، كما كان الملك كان يشرف على تسجيل وحدات الجيش على مختلف أنواعهم وجنسياتهم.
وبعد أن تم إعداد الجيش وتنظيمه نرى الملك في عربته في طريقه لمقابلة جيش «أقوام البحر» في بلاد «زاهي» التي كانوا قد احتلوها بعد أن استولوا على بلاد «خيتا» و«قودي» و«قرقميش» و«قبرص» و«كليكيا»، وقد كان آخر مطافهم أن وضعوا رحالهم في بلاد «آمور». وقد سار «رمسيس الثالث» في المقدمة ولم يسبقه إلا عربة نُصب فيها علم الإله «آمون» الذي كان يرجو منه النصر على هؤلاء الأعداء الأقوياء الذين كانوا يجتاحون كل ما في طريقهم.
وما أن وصل «رمسيس الثالث» إلى مكان الأعداء من أقوام «البلست» -الفلسطينيين- و«الثكر» و«الشكلش» و«الدنين» و«قوم وشش» حتى كان على أهبة الاستعداد، إذ كان الملك سبقهم في تحصين حدود البلاد وبخاصة «زاهي» فقد أمد قوات الحاميات بالعتاد وجنود «مريانا» الذين امتازوا بشجاعتهم وقوة بطشهم في «آسيا»، هذا فضلًا عن أنه كان قد أعد تحصين مَصابِّ النيل بالسفن الحربية وسفن السواحل وغيرهما من أنواع السفن التي كانت تحمل الزاد والعتاد حتى أصبحت كأنها جدار قوي لا يقوى أحد على اختراقه والاقتراب منه.
ورقة هاريس
خلف «رمسيس الثالث» أهم إرث مدون بالقلم على القرطاس تركه ملك في تاريخ الشرق القديم، والذي عُرف باسم «ورقة هاريس الأولى» التي تناولت حياته من البداية إلى النهاية، وما قام به من أعمال عظيمة في ميادين السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع.
وقد ظلت البردية مغلقة أمام الباحثين الذين فحصوها لزمن طويل، مما أدى إلى فهم حالة البلاد في عصر الملك «رمسيس الثالث» بصورة خاطئة لا يمكن تصورها. وكما يشير سليم حسن فإنه لا أدل على ذلك مما كتبه عالم المصريات واللغوي الإنجليزي «آلان جاردنر» عن أهمية هذه الورقة وما أدى إليه سوء فهمها من التورط في أخطاء تاريخية مشينة، وقع فيها كل من الأمريكي «جيمس هنري برستد» والألماني «أدولف إيرمان».