الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المسافة التى تفصل بين صحافتين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عن دارالكتب والوثائق القومية، صدر قبل أيام كتاب «صحافة تيار اليسار فى مصر خلال ربع قرن ١٩٧٨-٢٠١١» للكاتب الصحفى حسام الضمرانى، والكتاب هو أطروحته لنيل شهادة الماجستير من كلية الإعلام. والفترة الزمنية التى اختارها المؤلف لدراسته وهى نحو ربع قرن، تشير إلى عودة نظام التعددية الحزبية عام ١٩٧٦ فى عهد الرئيس السادات، وصولًا لسقوط نظام الرئيس مبارك. وفى كتابه يلقى المؤلف الضوء على عدد من الصحف التى أدرجها فى قائمة صحف اليسار، ويعقد مقارنة بينها فى الفترة الزمنية المشار إليها، وهى فترة من أصعب الفترات فى تاريخ مصر المعاصر، وأكثرها انضواءً للتغيير، وتصادم الأفكار، وصراع السياسات.

كان من اللافت للنظر، أن الكتاب غاب عنه تحديد المفاهيم، ولم ينشغل بوضع حدود ومسافات تفصل بين الصحيفة الحزبية وبين الصحف القومية والمستقلة، وتوضح الفروق بين صحف معارضة من كل شكل واتجاه، وبين صحف اليسار المعارضة، وتبين الشروط المهنية التى تكفل للصحيفة الحزبية يسارية كانت أم ليبرالية، النجاح فى أداء رسالتها الحزبية، دون أن تتحول إلى نشرة دعائية وتعبوية. وغنى عن البيان أن إدراج كل الصحف المعارضة فى خانة اليسار، هو تداخل وخلط فى المفاهيم.

يكشف الكتاب جهدًا ملحوظًا للمؤلف فى جمع مادته العلمية وإلقاء الضوء على الأحزاب التى تصدرها، والمواضيع التى حازت على اهتماماتها، ورصدًا للتأثير المتبادل بين صحفها وبين التشريعات والنظم السياسية السائدة. ويحسب للمؤلف وهو صحفى شاب، اهتمامه بمجال البحث العلمى الأكاديمى، وسعيه لتحقيق إنجاز فيه، بما يحمله من بذل جهد شاق فى العثور على دوريات الصحف، وقراءة المجلات والكتب التى تخدم دراسته، وإجراء لقاءات مع المصادر الحية ذات الصلة بمجال البحث للحصول على المعلومات وتدقيقها، وهو ما تحقق بنيله لشهادة الدكتوراه قبل أيام.

ومع الاعتراف بذلك، فإن عدم تحديد المؤلف لما هى الصحيفة اليسارية، وعدم تقديمه لتفرقة موضوعية بين صحف اليسار وصحف المعارضة، قد أدى لإدراجه جريدة «الشعب» فى قائمة صحف اليسار، وهى تنطق بلسان حزب ذو إتجاه دينى هو حزب العمل، حتى لوكان اسمه حزب العمل القومى الإشتراكى!.

بدأ حزب العمل واستمر منبرًا لجماعات الإسلام السياسى، ومهد الأجواء لفوز ٨٨ نائبًا منهم مع جماعة الإخوان فى الانتحابات النيابية عام ٢٠٠٥، انحصر جهدهم البرلمانى فى الدعوة لمصادرة الكتب والأفلام، والحجر على حريات البحث الأكاديمى، والتضيق على حرية المرأة وعملها ورعايتها لأسرتها، بزعم الدفاع عن الشريعة.

وكادت جريدة «الشعب»، أن تشعل حربًا طائفية، لقصور فى فهم كُتابها لرواية «وليمة لأعشاب البحر» التى نشرتها إحدى هيئات وزارة الثقافة، لولا يقظة ضمير الحركة الثقافية المصرية التى صدت عن الدولة والمجتمع، تلك الحملة الغوغائية الفاشية، التى كادت أن تحرق مصر، وهى تهتف باسم الله.

ثمة محددات مهمة تختصر تعريف الصحيفة اليسارية، هى أن تنطق باسم جماعة أو حزب يدعو إلى بناء مجتمع اشتراكى، يقرب الفوارق بين الطبقات سعيًا لإلغائها، وتسوده العدالة الاجتماعية، ويكون الجانب الرئيسى من نشاطه الاقتصادى فى حيازة الدولة، ويشجع القطاع الخاص المنتج، فضلًا عن بناء ثقافة ديمقراطية حداثية، تؤمن بحرية الفكر والاعتقاد، وبحقوق المرأة والمواطنة والمساواة بين الناس، وتفصل بين الدين والسياسة، وهى مفاهيم غابت كلها عن جريدة الشعب، التى انطلقت معارضتها من القاعدة الفكرية لجماعة الإخوان.

من جانب آخر، لم تكن مجلة «الطليعة» الشهرية فى أى وقت من الأوقات، من إصدارات حزب التجمع كما ورد فى الكتاب، فقد صدرت المجلة فى يناير عام ١٩٦٥ عن مؤسسة الأهرام، واستمرت فى الصدور المنتظم حتى عام ١٩٧٧، قبل أن تنتقل للصدور غير الدورى فى التسعينيات من القرن الماضى بتبرعات وعمل تطوعى من بعض من شاركوا فى تأسيسها. وكانت المجلة فى إصدارها الأول تعد أول منبر علنى رسمى للماركسيين المصريين، الذين كان قد تم الافراج عنهم عام ١٩٦٤. وكان الماركسيون قد حلوا تنظيماتهم وأعلنوا تأييدهم للسياسات الوطنية للرئيس عبد الناصر، لاسيما بعد أن أعلن تبنى النظام للاشتراكية العلمية والتنمية المستقلة وسياسة الاعتماد على الذات والعداء لخطط الاستعمار، كطريق للتقدم والتطور والتحديث فى مصر الناصرية.

ولعل تجربة مجلة «الطليعة» التى قادها الكاتب السياسى والمفكر لطفى الخولى، أن تأخذ ما تستحقه من اهتمام فى دوائر البحث العلمى والأكاديمى، كنموذج لمجلة فكرية وسياسية وثقافية ناجحة، وكانت ثمرة لتعاون مخلص وبارع، لمد جسور من الثقة بين الدولة التى احتضنتها، وبين القائمين على إدارتها من كوكبة من ألمع المثقفين والمفكرين المصريين، فقدمت خدمة غير مسبوقة للسياسات التقدمية التى كانت قائمة، ولتاريخ الصحافة اليسارية فى مصر المحروسة.

أمينة النقاش: كاتبة صحفية رئيس مجلس إدارة صحيفة «الأهالى»