السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الاعداد الخاصة

احتفالات المصريين بـ «المولد النبوي» قديما

المولد النبوي
المولد النبوي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«عين تجود بدمع هاطل جاري... منذ غاب إنسانها المأنوس من جاري

تبكيه شوقًا وتوقًا غدوة ومسا.. والقلب في حرق من نار تذكار» 

موكب «الدوسة» وأغرب طقوس الدراويش السعدية بالمولد النبوي 

ليالي الذكر تبدأ من «سوق البكري»

تقام الاحتفالات في بداية شهر ربيع الأول وتستمر حتى يوم الثاني عشر

أكل الثعابين الحية ومنع الغوزاي أغرب طقوس المصريين قديمًا في الاحتفال بالمولد النبوي 

في السطور المقبلة قد ننقلكم نقلة أخرى لكيف كان يحتفل المصريين قديمًا بالمولد النبوي وبالتحديد في مطلع القرن التاسع عشر، والتي قد يستغربها البعض، فأغلب تلك الطقوس قد اندثرت ولم يبقى منها سوى حلقات الذكر وتلاوة القرآن وأكل الحلوى وانتشار المراجيح، وبائعي المأكولات.

ومن المعروف أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدأ في مصر خلال العصر الفاطمي، حيث اتخذه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كنوع من التقرب للمصريين، وأخذ يوزع الحلوى على الناس، بل وظهر أيضًا سوقًا خاصًا لصناعة الحلوى وهو "سوق الحلاويين"، وفقًا لما ذكرة جمال الغيطاني في كتابه «ملامح القاهرة في ألف سنة» ويقول الغيطاني:« سوق الحلاويين وكان يمتد على سوق الشوائيين، وكان معدًا لبيع منتجات الحلوى، وربما كان هذا السوق أصل الاسم الذي أطلق فيما بعد على حارة السكرية».

 

حلاوة زمان عروسة حصان

ويقول المقريزي عن حلوى المولد النبوي:«أنه وقت الدولة الفاطمية شُكلت الحلوى على هيئة 1000 صورة وتمثال تصنع من السكر على أشكال الخيول والسباع، والقطط، وكان يطلق عليها بـ «العلاليق» إذ أنها كانت تُعلق على أبواب الحوانيت «المتاجر» بخيوط رفيعة».

أما عن عروسة المولد والتي وصفها المقريزي بأنها كانت تصنع من السكر على هيئة حلوى منفوخة وتجمل بالأصباغ وتشكل على هيئة عروس تضع يداها في خصرها، وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها.

وأما عن «حصان المولد» وكان يرمز للخليفة صاحب الفتوحات والبطولات والانتصارات، وهذه إحدى الروايات التي أطلقت على الحصان، أما الرواية الأخرى والتي أشيعت بأنه في فترة حُكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله قد تم منع الاحتفالات، بما فيها احتفالات الزواج، فيما عدا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وانتهز البعض فرصة احتفال الدولة بالمولد النبوي الشريف وقرر بعض لمقلبين على الزواج بالاحتفال بزواجهم في أثناء احتفالات المولد النبوي، وهو التقليد الذي يتم ممارسته خلال الاحتفالات بالموالد المختلفة في كافة ارجاء البلاد حيث يتم عقد القران في بعض المناطق واتمام عمليات الخطبة والزواج خلال تلك الموالد، مثل احتفالات الزواج التي تتم بالتزامن مع عيد الحصاد وعيد السياحت في سيوة. 

بركة الأزبكية ومكان الاحتفال

ونعود بالزمن مرة أخرى لشكل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في أحضان القاهرة، ففي شهر ربيع الأول وهو الشهر الثالث للاحتفال بالمولد النبوي الشريف وكان يجرى الاحتفال في الحي الجنوبي الغربي من الفسحة الواسعة المعروقة قديما بـ «بركة الأزبكية» التي تتحول إلى بحيرة كبيرة في موسم الفيضانات، وكانت تتم الاحتفالات على جانبي البركة، وتنصب في الحي خيمًا كبيرة تُعرف بـ «الصواوين» الصيوان، والتي كان يتجمع فيها الدراويش الذين يأتون ليلة الاحتفال بالمولد النبوي لإقامة حلقات الذكر، ويرفعون الصاري الخاص بهم بين الصيوان ويعلقون المصابيح. 

الدراويش والاحتفال بالمولد النبوي الشريف 

 وكان الدراويش يشكلون حلقة ويعيدون الذكر، كما كانوا ينصبون بالقرب من المكان "قائمًا" مؤلفًا من أربع صوارٍ في صف واحد على بعد ياردات قليلة ومجموعة من الحبال الممتدة من صار إلى الآخر ومربوطة إلى الأرض، وتتدلى من هذه الحبال المصابيح المختلفة وتتخذ شكل الورود والأسود. 

وكانت تحمل اسمي «الله» و«محمد» وشهادة الإيمان «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله» وقد تترتب أحيانًا بطريقة زخرفية، وحينما تنتهي التحضيرات للاحتفال للمولد النبوي، تنتهي في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول وتبدأ في اليوم التالي الاحتفالات بفرحها وصخبها، وتستمر ليلا ونهارًا حتى الليلة الثانية عشر من الشهر- وهي «ليلة المولد». 

منع الغوزاي من الاحتفال بالمولد 

وكان يتوافد المصريون من العامة من كافة الأرجاء خلال فترة التسعة أيام وليالٍ إلى الأزبكية، حيث يتجمع الناس في فترة النهار في الفسحة الرئيسية للاحتفال ويستمعون لقصص الشعراء " وحكايات أبو زيد " والمشعوذين والمهرجين، الذين يتوافدون على مكان الاحتفال، وكان قديمًا تأتي الغوازي إلى الاحتفال أيضًا لكن تم منعهم واجبروهم على اخراج النذور والتخلي عن مهنة الرقص، ونتيجة لذلك غابت الغوازي عن الرقص في احتفالات المولد النبوي، وكانت تنصب في بعض الشوارع المحاورة المراجيح وبائعي الحلوى والألعاب للأطفال. 

وبعد عزوف الغوازي عن الرقص في المولد أصبح الغجر هم من يقومون بأداء بعض الرقصات  يودخلون جوًا من البهجة على الاحتفال، كالرقص على الحبال وكانت الأضواء تملأ الشوارع ليلًا بالمصابيح الخشبية وكانت تفتح أبواب المحلات والاكشاك المخزنة بالمأكولات والحلوى طوال الليل، وكانت تستقبل المقاهي روادها حيث يجلس الشعراء ويرون قصصهم فيسلون بها كل من يتوقف من المارة الذين يصغون إلى سردهم. 

موكب «إشارة»

وكان يمر موكب الدراويش كل ليلة من ليالي العيد في منتصف الليل في الحي ويحملون العصى الطويلة بدلا من الرايات التي يرفعونها في النهار ويعلقون المصابيح والمناور، ويُعرف موكب الدراويش سواء نهارًا براياتهم أو ليلًا بمناويرهم بموكب «إشارة» وهي الفرقة وكان يكتفى المصريون قديمًا بإطلاق لفظ إشارة للدلالة على مرور الموكب نفسه، وينتمي معظم الدراويش إلى طبقات المجتمع الدنيا ولا يميزهم ذي خاص بهم، ويعتمر الأغلبية العظمى منهم عمامة عادية ويكتفى بعضهم بوضع الطربوش أو اللبادة، ويرتدي معظمهم القميص الصوفي الأسمر أو القميص الأزرق المصنوع من الكتان أو القطن، وهو الزي الذي يرتدونه في مناسبات أخرى عند مزاولتهم عملهم اليومي أو في محلاتهم. 

سوق البكري وحلقات الذكر

وفي الليلتين الأخيرتين من الاحتفال يتجمع الناس بشكل كبير بالنسبة لليالي الأولى من الاحتفال، حيث تستقطب آخر ليلتين من الاحتفال بالمولد النبوي جمهورًا غفيرًا من كافة ارجاء المدينة، ففي الليلة الحادية عشر من الشهر القمري يكون القمر عاليا في السماء فيضفي على الاحتفال حياة وبهجة لا مثيل لها، وكان شارع "سوق البكري" الذي يقع في الجهة الجنوبية من بركة الأزبكية يعتبر من أفضل لإحياء حلقات الذكر، وكانت الشوارع تحتشد بالجموع الغفيرة، ويُسمح للناس في الاحتفال بالمولد النبوي بالتجوال دون مصابيحهم، وكانت تعلق نجفة كبيرة مضيئة في مكان حلقة الذكر المتواجدة بالسوق، وتضم بين مئتي أو ثلاث مئات من القناديل، كما كان المصابيح الخشبية تحيط بالنجفة الكبيرة المتواجدة في منتصف حلقة الذكر، وكانت تضاء كل تلك الأنوار اكرمًا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف. 

كما كانت تتلألأ بالقرب الزاوية وهي عبارة عن جامع صغير والذي كان مدفون فيه الشيخ درويش العشماوي، حيث تتصادف ليلة المولد النبوي ليلة ميلاده أيضًا، وكان يقام في كل ليلة جمعة أو ليلة الخميس حلقة للذكر في هذه الزاوية، كما كان يحتفل الأقباط مع المسلمين باحتفالات المولد النبوي ويقول إدوارد لين في كتابه "عادات المصريين المحدثين وتقاليديهم،:" أنه في ليلة الاحتفال قد لاحظ العديد من العمامات النصرانية السوداء- ونادرًا ما رأيتها كما الليلة- وكان هناك هتاف «حبة ملح في عين الذي لا يبارك على الرسول صلي الله عليه وسلم" والتي كانت تصدر من بائعي السكاكر والحلوى وهذا يظهر لنا أن النصارى واليهود وحينما سألت عن سبب هذا الاحتشاد فأتاني الرد بان القبطي الذي تحول إلى مسلم بمح إرادته يدفع كل نفقات مولد الشيخ درويش الذي يبجله أعظم تبجيل».

مراسم الاحتفال وحلقات الذكر

كان المنشدون وهم الذي يقومون بإحياء الذكر والذي يبلغ عددهم نحو 30 ذكيرًا مفترشين الأرض في وضع لقرفصاء وكانوا يجلسون فوق الحصير الملاصق للمنازل في جانب واحد من الشارع مجتمعين في ذكر دائرة مستطيلة، ويوضع داخل هذه الحلقة وسط الحصر ثلاث شمعات كبيرة جدًا، ترتفع الواحدة منها نحو أربع أقدام ويتم تثبيتها في شمعدان منخفض، وكان معظم هؤلاء الدراويش ينتمون إلى الدراويش الأحمديين، وهم من أبناء أحد أطراف الحلقة الرابعة "وفي أغلب الأحيان يكونوا منشدين، ومعهم عازف الناي، وتبدأ حلقة الذكر في الساعة الثالثة تقريبًا وتستمر قرابة الساعتين. 

تبدأ حلقة الذكر بقراءة سورة الفاتحة، وذلك بعد يأخذون الإشارة من شيخهم ويقول "الفاتحة" ليبدأوا في ترديدها بشكل جماعي وفي نفس الوقت، وبعد الانتهاء تبدأ الابتهالات الدينية بـ «اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأوليين وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وصل وسلم على سيدنا محمد بين الملائكة أجمعين إلى يوم الدين، وبارك على سائر الأنبياء والمرسلين بين أهل التقدير العظيم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى سائر المحبوبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أرحم الراحمين يا لله آمين» وبعد الانتهاء من الدعاء يتم قراءة الفاتحة في السر كما كان متعارف قديمًا فهذه هي الطريقة المتعارفة بين الدراويش. 

وبعد هذا التقديم يبدأ الذكرين في حلقة الذكر إذ كانوا يجلسون على شكل حلقة مستطيلة دائرية ويقومون بالإنشاد بشكل بطئي ويقولون "لا إله إلا الله" وتكون رؤوسهم وأجسادهم محنية ويتسمر الوضع هكذا قرابة الربع ساعة، ثم تبدأ الانشاد بشكل أسرع مرددين نفس الجملة "لا إله الا الله" مع زيادة وتيرة حركة الجسد، وكان المنشدون يطلقون الأبيات التالية مع استمرار الدراويش في ترديد "لا إله إلا الله" 

عين تجود بدمع هاطل جاري... منذ غاب إنسانها المأنوس من جاري

تبكيه شوقًا وتوقًا غدوة ومسا.. والقلب في حرق من نار تذكار

والعشر من بعد صفو صار في كدر.. من الفراق وبعد الإلف والدار

والجسم مضنى بفقد الحب في نكد.. مازال في كبد من بين أخطار

ولست ذا قوة ألقى الصدود بها.. وليس يقوى لهجر ضيغم ضاري

ما حياتي ما احتيالي في الغرام ومن.. ألقاه يسعفني يقضى لأوطاري

ومن يعين الفتى الحيران ذا وله.. بدعوة تجتلي في وقت أسحار

تقرب النائي المحبوب من بصر.. من حل وسط الحشا ضوءَ الأبصاري

يا رب قل اصطباري لم أجد فرجًا.. إلاك يرحم من أهوال أقدار

أمُنن عليَّ يجمع الشمل في عَجَل.. بجاه طه المرجي صفوة الباري

وقر عيني بأن تحظى تشاهد من.. علا على هامة الجواز بمقدار 

وكان المنشدون يهتفون في أوقات متلاحقة (كما هي العادة في حلقات الذكر الأخرى) كلمة "مدد" مشددين على كل حرف من حروف الكلمة، ينشدون منها العون الإلهي لخارق ويذكرها المنشد ليمده الله بالعون. 

فيما يستمر المنشدون بترديد جملة طلا إله إلا الله بسرعات وألحان موسيقة متدفقة وبنغمات مختلفة وفقًا للحالة الروحانية التي تمدهم بها حلقة الذكر. 

وعند انتهائهم من هذا المقطع من حلقة الذكر ينهضون ثانية ويقفوا بنفس ترتيبهم في الجلسة ويعيدون ذكر الكلمات بنغمات مختلفة، ويقومون بإعادة الذكر بصوت أجش مشددين على كلمة "لا" والمقطع اللفظي الأول من الكلمة الأخير "الله" مع ارتفاع صوت الطبلة، ويتسارع الأداء في حلقة الذكر ويزداد ترتدي ذكر "الله بصورة كبيرة مثل "الله الله الله الله..." حتى تسود النشوة من كثرة الذكر والمدد، حتى انه يمكن أن يقع بعض الذكيرين أثناء حلقة الذكر من شدة الاجهاد، حيث تستمر الحلقة ويكون الذكيرين والمنشدين في أوج نشوتهم مع حركة الجسد التي تتمايل وتتحرك بسرعة يمينًا ويسارًا.

وكان يستمر الذكر عادةً طوال الليل حتى موعد آذان الفجر، ولا يرتاح الذكيرون والمنشدون إللا بين كل مجلس وهم يشربون القهوة أو الماء. 

ونخرج من حلقة الذكر الذي كانت تقام في سوق البكري، ونعود إلى بركة الأزبكية والاحتفال الكبير حيث كان يتفاعل ضوء القمر مع أنوار المصابيح في ليلة ساحرة، إذا كان يتفرش البعض الأرض نائمين بعد أن يكون الدراويش قد انتهوا من الابتهالات والانشاد حول "الصاري" ن وكانت يقام حلقات ذكر أخرى داخل الخيام التي شيدت في بركة الأزبكية. 

وفي الليلة السابقة لليلة الكبيرة "المولد" كانت تنتشر الحلقات الصغيرة للشعراء والمهرجين والتي تستقبط مجموعات صغيرة من الناس الذين يتجمعون حولهم ليسلوا أوقاتهم، وذلك قبل أن يأتي استعراض "الدوس" وهو الاستعراض الذي يتم إقامته كل عام في الليلة التي تسبق اليوم الثاني عشر من ربيع الأول. 

شيخ الدراويس وموكب «الدوسة»

وكان شيخ الدراويش السعدية، بعد أداء الصلوات والوعظ، يذهب إلى منزل الشيخ البكري ويرأس كل طبقات الدراويش في مصر وينضم إليه المجموعات المتنوعة من دراويش السعدية الذين أتوا من مختلف المناطق في العاصمة، وتحمل كل مجموعة من الدراويش الأعلام الخاصة بمهم. 

ويكون الشيخ أشيب اللحية وتحمل سماته أمارات النباهة والمودة، ويرتدي رداءً وعبائة بيضاء، ويعتمر عمامة من الموسلين زيتية اللون داكنة تقترب إلى اللون الأسود، ويركب الشيخ حصانًا معتدل الطول والوزن، ويدخل الشيخ الموكب على بعد مسافة قصيرة من منزل الشيخ البكري وينطرح عدد كبير من الدراويش وغيرهم على الأرض وتكون أجسادهم متلاصقة جنبًا إلى جنب وتكون مشدودة وممدودة على الأرض ويقوموا بترديد كلمة "الله" ثم يبدأ الموكب بمرور بعض الدراويش فوق ظهور هؤلاء المتراصين على الأرض، مع عزف الطبول مع ذكر اسم "الله" إلى أن يظهر الشيخ على جواده، ويبدأ في الدوس على الدراويش الممدودين على الأرض ويساعده في ذلك شخصان، وحينما يمر الحصان فوق أجساد النائمين على الأرض يقف ويتبع موكب الشيخ والذين يتحملون دوسة الحصان دون ألم، وذلك لأنهم  كانوا يعتقدون في أن هذا التحمل لدوس حوافر الحصان به أعجوبة تتحقق عبر قوة خارقة تُمنح لكل شيخ من شيوخ السعدية، وكان يتم تدريب الحصان لهذا الغرض، أي يتم تدريبه للدوس على البشر، ويعتبر طقس الدوسة من الطقوس التي لم تعد تمارس في يومنا هذا. 

وبعد انتهاء موكب الدوسة يقوم الشيخ بالوصول إلى منزل الشيخ البكري ويرافقه بعض الدراويش حيث تبدأ حلقة الذكر داخل المنزل، ويقوم الشيخ بالجلوس على سجادة مفروشة فوق البلاط في باحة المنزل، ويكون منحني الظهر وتكون الدموع تفيض من عينه ويشكل الدراويش أمامه شبه دائرة، ويتقدم نحوه حوالي ستة دراويش الذين يقومون بالهتاف، "الله حي"، ويردد الباقون قائلين "يا حي" وتبدأ الأجساد في الانحاء يمينا ويسارًا، ثم تبدأ حلقة الذكر "دايم، يا داين" وبعد حلقة  الذكر يبدأ أحد الأشخاص بتلاوة جزء من القرآن الكريم، وبعد قراءة القرآن يتم استئناف حلقة الذكر ويقومون بعدها بتقبيل يد الشيخ. 

ويقال أن بعد طقس "الدوسة" كان يقوم بعض الدراويش بأكل الثعابين وهي حية أمام منزل الشيخ البكري، وكان معروض عن دراويش السعدية بانهم يأكلون لحم الثعابين بعد أن يقوموا بانتزاع اسنانها وافراغ سمها ويقومون بربط فمها بإحكام بخيوط الحرير لتجنب لسعاتها.  

الليلة الكبيرة "ليلة المولد" ويكون مسرح الاحتفال الرئيسي منصوبا، ويشهد حفلات الذكر والذي يقوم فيه عدد كبير من الدراويش بتكوين حلقة الذكر ويتجمعون حول "الصاري" والذين ينتمون إلى طبقات مختلفة، وتبدأ الحلقة بذكر "يا الله" مع انحاء رؤوسهم، مع كل هتاف ويشبكون أيديهم على صدورهم في وقت واحد ثم يرفعون رؤوسهم وتستمر حلقة الذكر قرابة النصف ساعة، وتعاد نفس طقوس حلقة الذكر التي أقيمت في سوق البكري. 

 

 

موكب الدوسة وكان فيه يقوم شيخ الدراويش السعدية بالمرور ويتجمع حوله كل الدراويش