فى ٢٠ مايو ٢٠٢٣، أفاد المكتب الصحفى بالفاتيكان أن البابا فرانسيس كلف الكاردينال ماتيو زوبى، رئيس المؤتمر الأسقفى الإيطالى ورئيس أساقفة بولونيا، بمهمة سلام لمحاولة إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا. «أستطيع أن أؤكد - أعلن بهذه المناسبة مدير غرفة الصحافة فى الكرسى الرسولى ماتيو برونى ردا على أسئلة الصحفيين - أن البابا فرنسيس عهد إلى الكاردينال ماتيو زوبى، رئيس أساقفة بولونيا ورئيس المؤتمر الأسقفى الإيطالى، بالمهمة.. قيادة مهمة، بالاتفاق مع وزارة الخارجية، من شأنها أن تساهم فى تخفيف توترات الصراع فى أوكرانيا، على أمل، وهو ما لم ييأس منه الأب الأقدس أبدًا، أن يفتح هذا سبل السلام. كان الكاردينال زوبى، عندما كان كاهنًا بسيطًا، قد نجح بالفعل فى إنجاز مهمة الوسيط فى عملية السلام التى أدت إلى نهاية الحرب الأهلية فى موزمبيق عام ١٩٩٢.
ولإنجاز هذه المهمة، سافر الكاردينال إلى كييف يومى ٥ و٦ يونيو وإلى موسكو يومى ٢٨ و٢٩ يونيو، برفقة مسؤول من أمانة سر دولة الفاتيكان. فى ١٦ يونيو، ومن هذا المنظور للمصالحة، وبعد عودته من العلاج فى مستشفى جيميلى فى روما بعد عملية جراحية فى البطن، التقى البابا فرنسيس بالمتروبوليت أنتونى فولوكولامسك، رئيس قسم الشئون الخارجية لبطريركية موسكو، للتخطيط المرحلة الثانية من رحلة الكاردينال زوبى، رحلة موسكو، بينما بالتوازى مع الرحلة إلى موسكو، أرسل البابا للمرة السادسة الكاردينال كونراد كرايفسكى، محافظ ديكاست، إلى أوكرانيا كجزء من خدمة المحبة.
فى مقابلة أجريت فى ٢٢ أغسطس مع موقع «il filial-net» (https://www.ilsussidiario.net/news/guerra-in-ukraina-card-zuppi-perche-leuropa-non-aiuta-linizia-di -pace -del-papa/٢٥٧٩٤٠٣/)، على هامش «لقاء الصداقة بين الشعوب» الرابع والأربعين، الذى يقام كل عام فى نهاية شهر أغسطس فى ريمينى، والذى تنظمه حركة «الشركة والتحرير»، قال الكاردينال زوبى: «الجميع يريد السلام، لأن الحرب فظيعة. ومن ناحية أخرى، فإن أسباب كليهما تؤدى لسوء الحظ إلى وجهات نظر مختلفة للغاية. ولا ينبغى لهذه الاختلافات أن تجعلنا نفقد وضوح مسؤولية المعتدى والمعتدى. وعلينا أن نؤمن بأن هناك طريقة لتحقيق السلام العادل والآمن، ليس بالسلاح بل بالحوار. لذلك هناك حرب لأن الإنسان قد عصى أمر الله بعدم القتل وجعل نفسه متواطئًا بشكل مباشر أو غير مباشر فى الشر».
وبحسب الكاردينال، بالإضافة إلى عصيان الله، فإن العوامل الأخرى التى أثارت هذا الصراع - مثل الحروب الأخرى - فيما هى، على حد تعبير البابا فرانسيس، «حرب عالمية ثالثة مجزأة»، هى القوميات الغاضبة والافتقار إلى الحرية. التأثير السياسى للاتحاد الأوروبى: «يجب علينا أن نسعى إلى تجديد الروح الأوروبية إذا أردنا أن نضمن لأطفالنا مستقبلًا ينعم بالسلام. وفى الحقيقة مشكلة القوميات، أيًا كانت، هى أنها إذا تم وضعها فى نطاق واسع وعالمى، فإنها تصبح عاجلًا أم آجلًا خطيرة لأنها تعارض وتقسم! ومن المؤسف أن الاتحاد الأوروبى لا يفعل إلا أقل مما ينبغى، ويجب عليه أن يفعل أكثر من ذلك بكثير.. وهنا عليه أن يسعى بكل الوسائل لمساعدة مبادرات السلام، استجابة لدعوة البابا فرنسيس من أجل سلام خلاق.
ولا شك أن إصرار الأطراف المعنية على «التنازل عن شيء ما»، يشكل مصدرا لاستمرار الصراع وتمديده وعلى الرغم من هذه المبادرة البابوية، فإن الحرب مستمرة للأسف، خاصة بسبب رفض الأطراف التنازل عن أى شيء، على الرغم من أننا ربما نبدأ فى رؤية بصيص السلام الأول. هناك بالفعل دلائل على أن الولايات المتحدة، فى مواجهة النجاح المحدود للهجوم المضاد الأوكرانى، ستضغط على الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى للتوصل إلى اتفاق. ومن المرجح أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن استمرار الحرب، مع احتمال انهيار روسيا، قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى صالح الصين، منافسها الرئيسى، على الرغم من ظهور إشارات إيجابية فى الآونة الأخيرة. أعلن وزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف، فى الأيام الأخيرة، أن رئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكاردينال زوبى سيعود إلى موسكو «قريبا» ويفترض البعض، بهذه المناسبة، لقاء مباشرا بين زوبى ووزير الخارجية الروسى. هو نفسه وليس، كما فى المرة الأخيرة، مع شخصيات من الدرجة الثانية فى التسلسل الهرمى الروسي؛ لدرجة أن صحيفة كورييرى ديلا سيرا فى عددها الصادر فى ١٨ سبتمبر وهى الصحيفة الأكثر انتشارا فى إيطاليا كانت بعنوان: «الفاتيكان وروسيا. اللوحة الممكنة.» باولو ميلى، كاتب المقال المنشور على الصفحة الأولى، المدير السابق للصحيفة، شخصية مهمة للغاية ومطلعة فى بيئة الصحافة الإيطالية، وليس فقط، يعلق فى المقال بأن «إعلان الوزير الروسى «الشؤون الخارجية يمكن أن يكون إشارة ذات أهمية خاصة وإشارة لأولئك الذين يأملون فى مفاجأة إيجابية فى الحرب فى أوكرانيا». وفى الحقيقة لا يتحدث شخص له مكانة ميلى وحكمته عن هذا الموضع إلا إذا كان يمتلك معلومات معينة عن هذا الملف.
وظيفة التحكيم للبابا والكرسى الرسولى فى حل النزاعات: دعوة الفاتيكان تُنسى أحيانًا !
لا شك أن، مشاركة الكرسى الرسولى فى عمليات السلام ليست فكرة بعيدة المنال، وتعيد إطلاق موضوع مثير للاهتمام تم نسيانه لسنوات: وظيفة التحكيم التى يقوم بها البابا والكرسى الرسولى فى حل النزاعات الدولية. كان هذا أمرًا شائعًا فى العصور الوسطى، ولكن فى الآونة الأخيرة، قام البابا والكرسى الرسولى بحل النزاعات المختلفة بين الدول ذات السيادة. تم ذكر ذلك قبل ثلاث سنوات، فى ٦ نوفمبر ٢٠٢٠، من قبل المونسنيور. بول ريتشارد غالاغر، وزير علاقات الدولة، وهو نوع من وزير خارجية الكرسى الرسولى، فى كلمته بمناسبة الذكرى الأربعين للاتفاقية بين بيرو والكرسى الرسولى. تم التوقيع على هذه الاتفاقية فى ليما فى ١٩ يوليو ١٩٨٠، واستشهد الأسقف غالاغر هنا بحادثتين ليس ببعيد من الزمن، إحداهما تعود إلى الثمانينيات والأخرى إلى عام ١٨٨٥ (راجع ستيفانو نيتوليا، «الحرب بين روسيا وأوكرانيا: البابا فرانسيس» يحكم بين الطرفين؟» فى «أليانزا كاتوليكا»، ٢٨ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٢، https://alleanzacattolica.org/guerra-russia-ukraina-papa-francesco-referee-tra-le-parti/.): «لتسهيل الحوار وقال المونسنيور. بين الطرفين، من الضرورى تحديد الأدوات والفرص للاجتماع. غالاغر، مذكرًا بأنه «فى الثمانينيات، تم إنشاء مكتب وساطة بابوية خاص ضمن قسم العلاقات مع الدول فى وزارة الخارجية. وبشكل ملموس، كان الأمر يتعلق بتطوير المحتوى القانونى السياسى الضرورى لوضع حد للصراع الإقليمى بين الأرجنتين وتشيلى حول قناة بيغل، فى أقصى جنوب القارة الأمريكية. تم تحقيق الهدف فعليًا فى ٢٩ نوفمبر ١٩٨٤ بإبرام معاهدة السلام والصداقة التى بموجبها أعطى الطرفان آثارًا ملزمة لحل النزاع الذى اقترحه الكرسى الرسولى.
وتابع الأسقف: «إن هذا النوع من العمل التهدئة له جذور أقدم بكثير من الوساطات الإصلاحية بين الأمم فى العصور الوسطى، وقد تم ممارسته بالفعل فى الآونة الأخيرة، كما يشير إلى ذلك التحكيم الذى أجراه البابا لاون الثالث عشر فى ١٨٨٥ لإنهاء الصراع بين إسبانيا وألمانيا حول السيادة على جزر كارولين. ويمتد هذا إلى مشاركة الكرسى الرسولى الأخيرة فى تسهيل التوصل إلى اتفاق بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية، لبدء مرحلة جديدة فى العلاقات الدبلوماسية بعد عقود من المعارضة.ولأولئك الذين يرغبون فى قراءة هذه الأحداث على أنها سياسية بحتة ولا علاقة لها بالبعد الروحى والكنسى، يكفى أن نتذكر أنه فى الحالات المذكورة هنا، كان الأساقفة المحليون على وجه التحديد، وعلى أى حال، الأساقفة المحليين. الحضور والدور الإيجابى الذى تلعبه الكنيسة فى هذه البلدان، ليحكم على التدخل الدبلوماسى المباشر للكرسى المقدس».
الخلاصة
الصكوك القانونية موجودة ولم تعد قديمة. ويبدو أن شخصية البابا فرنسيس، الذي- رغم إدانته للعدوان الروسى على أوكرانيا- لم يرغب فى تحميل كل المسئوليات على طرف واحد وهذه الطريقة هى النموذج الأكثر ملاءمة لممارسة عملية الوساطة أو التحكيم بين أطراف الصراع المختلفة.. فى الواقع الوضع خطير وخطر الحرب النووية يلوح فى الأفق.. وقد كرر البابا ذلك عدة مرات.
معلومات عن الكاتب:
ستيفانو نيتوجليا، متخصص فى شئون الفاتيكان والقضايا الدينية.. يكتب عن مهمة السلام التى أوكلها البابا فرنسيس إلى الكاردينال ماتيو زوبى رئيس المؤتمر الأسقفى الإيطالى ورئيس أساقفة بولونيا.. لمحاولة وضع حد للحرب بين أوكرانيا وروسيا. ووفقا لنيتوجليا فإن الفاتيكان وقداسة البابا هما حاليا البطل الوحيد القادر على ضمان وساطة جريئة.. ولكن سرية بين الأطراف المتنازعة.. وبالتالى استمرار وظيفة التحكيم القديمة التى كان يمارسها الحبر الرومانى