الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د. عبد المنعم سعيد يكتب: الإصلاح هو الحل؟!.. التجربة الغربية فى نهاية القرن الـ18 تلقى لنا دروسًا تفيد فى القرن الـ21

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تاريخيًا إن استخدام الإخوان المسلمون لشعار «الإسلام» هو الحل ظهر بقوة فى ساحة السياسة والإعلام السياسى داخل الدول العربية والإسلامية وجرى بقوة اعتبارا من السبعينيات فى القرن الماضى. ومن الجائز أن للشعار جذوره القديمة السابقة على ذلك.
ولكن هزيمة يونيو ١٩٦٧ من إسرائيل، مع تواضع الناتج الاقتصادى والاجتماعى لثورات الخمسينيات العربية أعطى فرصة غير قليلة لظهور هذا الشعار كما لو كان يحبذ حلولًا لأزمات مستعصية قائمة فى الوقت الذى كانت فيه الجماعة قد وضعت القواعد الفكرية ليس للحل وإنما لإجهاض كل الحلول العربية من خلال توجهات عنيفة وإرهابية.
وتاريخيًا أيضًا فإن الإصلاح كان هو الحل فى مواجهة العصور الوسطى الأوروبية التى عششت فيها ظلمات الكنيسة والاحتراب المذهبى. ظهور مارتن لوثر وجون كالفين خلال القرن السادس عشر مثل هزة كبيرة للمؤسسة الدينية الأكبر فى أوروبا، وإنما فتح الأبواب بعد ذلك لنمو أفكار أخرى تخص العلم والمجتمع.
كان الإصلاح الدينى مواكبا لبدايات ظهور «العقل» كعنصر حاكم فى التطور البشرى، ومن بعده تراكمت الاكتشافات العلمية الأولى التى حددت مكانة الأرض بين الكواكب، والبشر بين المخلوقات ولم يكن لكل ذلك أن يؤدى إلى تغييرات كبيرة من خلال ثورات كبرى إلا من افتتاحية تقدم ترجمة جديدة لعلاقة الإنسان بخالقه.
وفى الحقيقة فإن الخروج من العصور الوسطى كان صعبًا وفيه اختلطت كلمتى «الثورة» والإصلاح» متناقضتين بحكم ما هو معروف عن الأولى من مترادفات «شعبية» و«راديكالية» و«جذرية» وأحيانا «عنيفة» تسيل فيها الدماء وأحيانا بغزارة؛ والثانية «نخبوية» و«تدريجية» لا تعترف لا بحرق المراحل، ولا بالسير فى قفزات كبيرة.


ولكن التجربة التاريخية كثيرًا ما ترشد إلى أن العلاقة بين المفهومين قائمة فى أن كلاهما معنى بالتغيير، ورفض الأمر الواقع القائم على الجمود أو الذى تعدته حكمة الزمن. التجربة الغربية فى نهاية القرن الثامن عشر تلقى لنا بكثير من الدروس التى تفيد فى القرن الواحد والعشرين.
فى نهاية القرن الأول كانت الثورة الأمريكية قد نشبت وانتهت إلى الإطاحة بالمستعمر البريطانى بعد حرب دامية وقيام الولايات المتحدة الأمريكية؛ وكذلك نشبت الثورة الفرنسية التى كانت أكثر راديكالية وأطاحت بالملكية وتلتها الحروب النابليونية التى نشرت الثورة والحرب والعنف فى القارة الأوروبية.
وسواء كان الأمر واقعًا فى شمال أمريكا أم أوروبا فإنه رغم الرغبة العارمة فى التغيير الكبير، فقد كان هناك قلقًا عميقًا من النتائج التى أدى إليها، وما تركه من ارتجاج فى المجتمعات، وضغوط على العلاقات السياسية بين الدول.
فى الولايات المتحدة ورغم المكانة التى شغلها «جون آدامز"– الرئيس الثانى للولايات المتحدة– وبعد أن فشل فى رفع «العبودية» من الدستور الأمريكى، فإنه لم يجد غضاضة فى إصدار قانون «الغربة والفتنة» الذى يمنع الثوار الفرنسيين من دخول أمريكا، ويعتقل من والاهم بالفكر أو بالفعل. وفى أوروبا وبعد هزيمة «نابليون» فى ١٨١٥، اجتمعت أربعة من القوى المحافظة فى أوروبا – بريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا– وانضمت لهم فرنسا فيما بعد لكى يضعوا نظاما أوروبيا – وعالميا فى الواقع– استمر حتى نشوب الحرب العالمية الأولى (هنرى كيسنجر خلد هذا التجمع فى كتاب شهير تحت عنوان «استرداد العالم أو A World Restored».
الفكرة الأساسية التى اتفقت عليها الأطراف الخمسة لم تكن فقط معادية ومعارضة للثورة، وإنما كانت فى جوهرها تقوم على حتمية الإصلاح. كان الإصلاح حتميا وجذريا أيضا لأنه لم يكن ممكنا أن يبقى الحال على ما هو عليه ولا تقوم بسببه ثورات وحروب. 
ومع الاعتراف بأن المشابهات التاريخية قد تكون مضللة أحيانا؛ فإنها تعطينا رؤى كثيرة تساعد على فهم ما يجرى فى الحاضر. لحظة الثورات فى المنطقة العربية جاءت مع ما سمى «الربيع العربى» الذى حقق الكثير من الفوران والفوضى، وعددا من الحروب الأهلية، وولد دولة إرهابية للخلافة الإسلامية مع موجات دامية من الإرهاب والتعصب والتطرف.
ودون الدخول فى كثير من التفاصيل فإن عام ٢٠١٥ شهد الكثير من التطورات التاريخية فى المنطقة لا يزال بعضها عاكسا لانهيارات ما بعد الثورات؛ ولكن بعضها الآخر ولد موجات من الإصلاح القائم على مفهوم الدولة الوطنية ذات الحدود المقدسة، والهوية التاريخية لمواطنين متساوين فى الحقوق، ومشروع وطنى غلاب للتنمية والتقدم الاقتصادى والاجتماعى.
ورغم أن التاريخ لا يشهد على أمثلة متطابقة أو متماثلة، فإنه يدلنا على اتجاه وتوجهات يمكن الاستفادة منها فى إضاءة الطرق التاريخية. العالم العربى مر بكثير من هذه اللحظات الفارقة بعد استقلال الدول العربية، وفورات الثورات والانقلابات العربية، وكثيرا ما كان جوهر الموجات الجديدة هو ما سمى «القومية العربية» و«الأمة العربية» ذات الرسالة «الخالدة».
ما حدث فعليا خلال العقود التى تلت أن فرقة الدول العربية وتأخرها عن ركب التقدم العالمى باتت هى ملامح التاريخ العربى فى هذه المرحلة. أسباب ذلك ليس موضع الاهتمام الآن، ولكن ما يهمنا هو أن رد فعل ما سمى الربيع العربى كان ممثلا فى ثلاث تصورات مطروحة: الأولى جاءت من «شباب الثورة» وهؤلاء كان تصورهم استمرار الفوضى إلى أقصى مدى ممكن.
والثانية جاءت من الإخوان المسلمين الذين ذهبوا إلى خلق طبعة عربية من النظام الإيراني؛ والثالثة ترتبت على هذه الأخيرة وبشفرة كان إلهامها قادما من أفغانستان وانتهت إلى إنشاء ما سمى «دولة الخلافة الإسلامية» على الحدود بين سوريا والعراق. الرابعة هى التى تهمنا لأنه اعتبارا من ٢٠١٥ وضع عدد من الدول العربية «الإصلاح الشامل والمستدام» باعتباره منهجا للعمل والحياة والتطور والتقدم.
فى ١١ أكتوبر ٢٠٢٢؛ نشرت مقالًا فى صحيفة «المصرى اليوم» تحت عنوان «قوانين الإصلاح العربي"؛ مشيرًا فيها إلى مكوناته الأولى المتداخلة مع ما هو معروف بالدولة القومية أو Nation State وهى التى كانت مستقرة فى التقاليد العربية القديمة تحت اسم «الدولة الوطنية» تمييزًا لها دولة قومية موحدة سوف تولد يوما ما.
لم يكن الإصلاح ممكنا دونما العبور الكامل إلى الدولة القومية بهويتها الخاصة وإقليمها المحدد بصفة «الوطن»، والتى لا يزيغ بصرها تحت بيارق دينية وإنما تشترك جميع طوائفها فى مشروع وطنى واحد. ولما كان قيام الدولة القومية هى النقطة الأولى فى مسيرة الحداثة والتغيير والتقدم، فإن دولا عربية عدة دخلت فى شفرات عدة أو رؤى ممتدة من ٢٠١٥ إلى ٢٠٣٠ والتى أخذت شكل مشروعات للبنية الأساسية وغيرها واسعة النطاق. والآن بعد الدخول فى العام الثامن من هذه المسيرة فإن الدول التى شاركت فيها دون موعد أو اتفاق بدأت تشكل ثلاثة أنواع من العلاقات الدولية: أولها تجاه بعضها البعض من خلال التشاور والتعاون فى أمور بعينها؛ وثانيها التعامل المشترك مع القوى الدولية العظمى وتجسد ذلك فى «القمة العربية الأمريكية» فى جدة؛ و«القمة العربية الصينية» فى الرياض؛ والعمل المشترك فى قمة المناخ «كوب ٢٧» فى شرم الشيخ؛ وكأس العالم لكرة القدم فى قطر.
حدث ذلك كله بينما «الشفرة الإصلاحية» لا تزال فى بدايتها، وترجمتها إلى واقع أكثر غنى فى علاقات الدول الإصلاحية ببعضها البعض، وبينها وبين دول وأقاليم العالم الأخرى يحتاج إلى الكثير من التفكير فى مدى التقدم الذى حدث، ونوعيات العقبات التى تقف فى طريق الإسراع به والمشاركة فى السباق العالمى، والتعامل لا يخل من مفاجآت «الجائحة» و«الحرب الأوكرانية» وكلاهما وضع ضغوطا كبيرة على إمكانيات الإصلاح العربى.
قياس عمق الإصلاح فى العالم العربى لا يزال مبكرا، ولكن الثابت هو أن هناك تراجعا كبيرا جرى ساعة هزيمة الإخوان المسلمون فى مصر فقد ظهر أن موجة «الإسلام هو الحل» قد وصلت إلى شواطئها وانحسرت ربما لكى تأخذ أشكالا جديدة، أو أن التاريخ العربى قد وصل أخيرًا إلى الحل الإصلاحى الذى عنده يقوم تاريخ جديد.