تأتي الكوارث الطبيعية بما لا يشتهي البشر، وللأسف، وعلى غير المعتاد، زاد حدوثها خلال الفترات الماضية بصورة تثير القلق، والرعب في نفوس الشعوب، حيث ضرب زلزال مدمر، جنوب شرق تركيا، أقترب من الـ٨ درجات على مقياس ريختر، وذلك في الساعات الأولى من صباح يوم ٦ فبراير، وبعده بفترة وجيزة، ضرب زلزال أخر سوريا وكان على نفس الدرجة من القوة لزلزال تركيا، وقُدّر عدد القتلى من البلدين حوالي ٦٥ ألف قتيل.
وقبل أن ينتهي العام طالت المغرب نفس النكبة، وضربها زلزال مساء الجمعة 8 سبتمبر، بقوة ٧ درجات ريختر، أودى بحياة حوالي ثلاثة آلاف نفس، وبعد ثلاثة أيام منه يضرب إعصار شديد التأثير الأراضي الليبية، أدى إلي غرق مدينة درنة بالكامل، وراح ضحيته حوالي ٢٠ ألف غريق، وتسبب في فقدان حوالي ١٠٠ ألف شخص وهم في تعداد الموتى.
هذه الكوارث الطبيعية المتتالية والقاتلة تفرض عدة تساؤلات وجودية أهمها، كيف يتلاقى الإيمان مع هذه الكوارث، وكيف يفسرها، وما النظرة المسيحية لها، هل تحدث بعشوائية أم بحكمة من الله وتحت رقابته، وهل يتنافى حدوثها مع رحمته، ولماذا كل هذا التشوه في الطبيعة، وما سبب عداوتها مع البشر، وهل للإنسان دور في هذا الخلل الذي أصابها، وهل تزايدها له مدلول سماوي يعلن عن قرب موعد النهاية كإحدى علامات الساعة؟
وأسئلة أخرى من خلال السطور التالية سنحاول الوقوف عندها، والإجابة عنها من خلال حوارنا مع القمص موسى إبراهيم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، فيقول عن الكوارث الطبيعية: "من الناحية العلمية في أغلبها تعد ظواهر متوقعة ولها تفسير علمي واضح أي أنها تحدث وفقًا لقوانين الطبيعة، أما الناحية الإيمانية هي إحدى ضيقات العالم الذي نعيش فيه، والتي يجب أن نقابلها بتفهم وثقة في الله القائل: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ"( يو٣٣:١٦)، وأن كان الأنجيل أورد الزلازل ضمن علامات الساعة، فسألنا القمص موسى عن احتمالية أن تكون هذه الزلازل بالفعل دلائل النهاية، فأجاب: "ظاهرة الزلازل وغيرها من الظواهر التي تهدد البشر، تحدث في كل العصور، ولم يشهد العالم عصرًا أو جيلًا لم تحدث فيه زلازل".
ويكمل القمص في هذا السؤال فيقول: "علامات الأيام الأخيرة، المذكورة في الإنجيل، ستكثر في تلك الأيام هذه الظواهر الخطيرة بشكل غير مسبوق في العالم كله أي ستكثر الحروب، والأوبئة، والمجاعات، والزلازل، بل وتزداد وتستمر في الازدياد بشكل يصعب احتماله".
أما عن تشوه الطبيعة، واعتدائها على البشر ذكر القمص موسى في ذلك قائلا: "الإنسان وممارساته التي تتسم بالاعتداء على الطبيعة هي السبب، ولعل أبرز الآثار السلبية لهذه الاعتداءات، هو التغيرات المناخية التي تسبب فيها الإنسان وهو ما أدى إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار يزيد عن واحد درجة مئوية مقارنة بدرجة حرارتها حتى أواخر القرن الـ ١٩ مع بدء الثورة الصناعية".
ويتابع القمص حديثه: "وخطورة ارتفاع الحرارة ليست في مجرد الرقم وإنما في توابع هذا الارتفاع، مثل الجفاف، وندرة المياه، والحرائق الشديدة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف الكارثية، وتدهور التنوع البيولوجي، الأمر الذي يجبر الطبيعة على الاعتداء بدورها على الإنسان".
وذكر القمص موسى خلال حواره معنا أمثلة كتابية عن كوارث طبيعية ضربت الأرض حيث قال أن المثل الأكبر والأخطر هو الطوفان الذي مات بسببه البشر أجمعين باستثناء نوح وعائلته (٨ أفراد!)، وأيضا يلي الطوفان في الخطورة، المجاعة التي تعرض لها العالم في أيام يوسف الصديق، بسبب جفاف الأرض سبع سنوات.
ومن جهة الله تساءلنا هل هذه الكوارث تقع على الإنسان بحكم العشوائية، مما يعني غياب الله عن المشهد، أم لابد من سماح الله أولا، فقال القمص أن للطبيعة قوانينها الصارمة التي وضعها الله خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، ووفقًا لهذه القوانين تسير الأمور، كما أكد أن الله هو ضابط الكل أي أنه واضع قوانين الطبيعة والكائنات، وهو الذي فَعَّلَ هذه القوانين، وتركها تعمل وتأتي بثمارها ولا يمكن لها أن تعمل أي أمر خارج ترتيباته التي وضعها، وشدد على أن غضب الطبيعة ،المحكوم بيد الله، هو نتاج لأفعال الإنسان الخاطئة.
وقد يظن البعض خلال هذه الأوقات العصيبة التي يعانيها الإنسان جراء الكوارث أن رحمة الله غير موجودة، وأن الكوارث الطبيعية تتنافى مع مراحم الله، وفي هذا يقول القمص موسى: "الله كلي الرحمة وكل تدبيراته صالحة، "مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ"(إر٢٢:٣)، بل إننا نرى في قلب الكوارث يده تعمل بوضوح، وكثيرون في وسط ضيقاتهم وخسائرهم يشهدون لعمله معهم".
ومن الواضح أن الكوارث الطبيعية أمر واقعي، والشيء الأهم من معرفة لماذا وكيف يكمن في العبرة، فيختم القمص موسى إبراهيم المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية حواره معنا قائلا: "حينما نرى تقلبات الطبيعة من الضروري أن ننتبه إلى أنه يجب ألا يتكل الإنسان على الأمور المادية الزائلة ويضع كل آماله فيها، وأيضًا نتذكر نهاية العالم فنراجع أنفسنا بل وحياتنا بالكامل، وعلاقتنا بالله"
يذكر أن الزَّلْزال أو الهَزَّة الأَرْضِيَّة هي ظاهرة طبيعية وهو اهتزاز أو سلسلة من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية لسطح الأرض تحدث في وقت لا يتعدى ثوانٍ معدودة، والتي تنتج عن حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية، يتبع ذلك بارتدادات تدعى أمواجاً زلزالية، وهذا يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية للأرض نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية، وينشأ الزلزال كنتيجة لأنشطة البراكين أو نتيجة لوجود انزلاقات في طبقات القشرة الأرضية.
أما الأعاصير هي عاصفة سريعة الدوران، تدور عكس اتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي وفي اتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، وتتسم بمركز ضغط منخفض. عادة ما تكون بطيئة الحركة ولكنها عنيفة جداً، مع سرعة رياح تتراوح بين 120 و 320 كيلومترًا في الساعة، ومعظم الوفيات المرتبطة بالأعاصير ناتجة عن الفيضانات، والصعق بالكهرباء، والأبنية المنهارة، والحطام المتطاير.