أيام قليلة، بل ساعات قصيرة، وينطلق العام الدراسي الجديد «2023/2024»، على أي حال، كل عام وأنتم بخير.. هو ليس خير، أنا أعرف وأنت تعلم وهم يعلمون والله يرى كل شيء، وينتظرنا جميعا في يوم الحساب العسير.
تصريحات صادمة أطلقها د. علاء عشماوي رئيس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، قال إن مصر تحتاج من 40 إلى 80 ألف فصل لاستيعاب كثافة الطلاب سنويا.
الحق أقول وإن كان غير ذلك فاعتبره الحق.. كلنا لنا دور في المسرحية.. فلا هو تعليم ولا هي مدارس ولا المستقبل المشرق ينتظر أولادكم بعد رحلة تعليم 16 عاما، وحتى إن بيعت أعضائكم للأثرياء لتستثمروا نقودها في أطفالكم!.
النتيجة محسومة، إما تكون عاطلا متعلما، أو «الحمد لله على كل شيء»، وهي عبارة يرددها الفقراء ليصبروا أنفسهم على البلاء فلا هم يعملون ويتقاضون أجرا يساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة، ولا هم عاطلون.. إنها البطالة المقنعة.. القوى العاملة التي لا تعمل ولا تعلم ولكنها تحاسب على «المشاريب».
مشوار طويل يسير فيه هذا الطفل التعيس، في رحلته مع المدارس الحكومية المكتظة بالطلاب كـ«علبة تونة مفتتة»، ولولا النوافذ المتهالك والزجاج لقتلتهم الروائح الكريهة سواء الناتجة عن مخرجات الغذاء غير الصحي، أو المنهمر من عرق الصيف.
التغيرات المناخية التي قد يعتبرها البعض قضية نخبوية أو خطر قادم، بالنسبة للفقراء هو مصير مشئوم، فلا تكييفات تحميهم من درجات الحرارة، ولا بيوت تصمد أمام الأعاصير والكوارث، ولا مال للعلاج، حتى أطفالهم يدفعون الثمن باهظا.
لست اشتراكيا ولا أريد أن أكون يساريا أتربح من أوجاع الناس.. لكن لا تذهب بعيدا لترى ذلك الطفل الذي ملأ العالم ضجيجا وصراخا بعد أن ضربته أمه في الصباح الباكر عندما دقت عقارب الساعة السابعة صباحا، لأنه يمارس «الدلع» ولا يريد الاستيقاظ للذهاب للمدرسة، في الحقيقة هو «لا دلع ولا حاجة».. فهذا الطفل البائس لا يريد الرحيل عن «العشة» التي يسكن فيها ليذهب إلى «عشة كبيرة»!.
وأنت أيضا يا سيدتي لا تريدين رؤية الناظر البيروقراطي المتجهم الذي يهددكم يوميا بغلق الباب وأنه لن يسمح بدخول المتأخرين عن طابور المدرسة.
حياة بائسة يتم تمريرها لجيل وراء جيل.. زوج مكلوم يضرب زوجته المضطهدة وأم مجبورة تضرب طفلها فتقضي على بقايا الآمال في مستقبل مشرق… وبيئة هدامة ودورة حياة من المستحيل أن تنتج مجتمعي صحي.. الطفل يتعلم أن «من زرع حصد»، لكن والده يشقى طوال اليوم وأمه أيضا ويزرعون وهو يزرع أيضا لكن لا حصاد لا ثمار لا شيء «مفيش».
طريق مسدود لا يعرف ولا يعلم ولا يريد أيضا.. فلا تكافؤ فرص ولا عدالة ولا مساواة.. مجتمعات تحكمها الواسطة والمحسوبية.. وفساد يحميه الفقراء قبل أصحاب المصالح.
فالفنانة الفاتنة تتعرى فيقولون له «حرية شخصية» وعندما تتعرى الفقيرة تصبح الاتهامات حاضرة من البؤساء قبل الأثرياء.. الفنان يقيم مع صديقته دون زواج فيقولون «زواج المؤانسة أو مساكنة» فتعقد اجتماعات التحرير في الصحف والمواقع والقنوات ويأتي شيوخ من عصور الجاهلية للإجابة على سؤال: هل هذا «حلال أم خلوة محرمّة»، على النقيض تمام هناك من يسب ويلعن هذا الشاب وتلك الفتاة لأنهم قررا الجلوس أمام نهر النيل ليتبادلا مشاعر بريئة قد يصحبها لمسات غير بريئة أحيانا!.. لكن العيون لا ترحمهما ولا الألسنة ولا المجتمع ولا حتى الفقراء!.
يرصد أنيس منصور في كتابه «يوميات شاب غاضب» مشهد مهم نستعيره ببعض الإضافات: «عندما يعود الطفل من المدرسة وإن عاد أصلا!.. فإن لم يقتله البؤس، قد يقتله الجوع.. ويحتاج لوجبة غذاء عاجلة تساعد جسمه الهزيل.. لكن دائما ما يكون الجواب الحاسم من أمه «اتلهي على عينك وعين أهلك وأبوك» هو حد فيكم فلح علشان تفلح انت؟!.. الأم على صواب، لكنها تثأر لنفسها في ابنها، لكن للدقة «لا هو فلح ولا أبوه فلح ولا عمه ولا صديقه ولا حتى أنا!».
فقط نريد تعليم يليق بحجم مصر، وبيئة تليق بحق الطفل المصري، فقط نريد أن تتحول التصريحات الصحفية إلى واقع.. نحتاج إلى كل شريف ليتدخل بالمال أو الفكرة أو الدعم من أجل العبور نحو المستقبل فقط بـ«التعليم».