حكاية حب أسطورية، من الممكن أن تُكتب يومًا كسيناريو، تُجسد قصة حب وعشق من نوع خاص كُللت بزواج؛ بين شاعرٍ وفتاة كان الفارق بينهما نحو 24 عامًا؛ إنها حكاية زواج «أسطورة التترات» وشاعر العامية سيد حجاب بالدكتورة ميرفت الجسري اللبنانية المصرية.
وفي ذكرى ميلاد سيد حجاب، حاورت "البوابة نيوز"، معشوقة شاعر العامية، التي لازمته لـ21 عامًا، كزوجة وصديقة وحبيبة؛ وحتى بعد 7 سنوات من رحيله، لا تزال تعيش حياتها كاملة داخل أسطورة شاعر الغلابة سيد حجاب.
في البداية؛ تسرد ميرفت الجسري تفاصيل نشأتها إلى أن التقت بـ"حجاب" وتعارفا سويًا حتى انتهى هذا اللقاء بالزواج رغم فارق السن بين مرفت وحجاب نحو 24 عامًا.
وتقول "الجسري": أنا لبنانية الأصل، وجدي كان يُغني في الإذاعة اللبنانية، وكان عازف عود ورق، ولكن توفي في سن صغير؛ ومنذ صغري تربيت على سماع الأغاني والموسيقى، خاصة وأن الأسرة كانت «سميعة»، وعمتي لأمي والتي قامت على تربيتي- كانت دائمة تُغني لأم كلثوم، وحتى الأب والأم كانوا عاشقين لـ«كوكب الشرق»، وقد حضروا كل حفلاتها في لبنان وعدد من حفلاتها في القاهرة.
أمنية حياتي الغناء.. وفيرز كانت مثلي الأعلى
وتضيف: كُنت في عمر الـ 8 سنوات، دعمتني أسرتي لحضور حفل الفنانة فيروز في الإجازة الصيفية للدراسة، كان ذلك قبل الحرب الأهلية في لبنان (1975 إلى 1990)، وأصبحت الموسيقى والقراءة عشق، خاصة في فترة الحرب الأهلية؛ وكانت أمنية حياتي الغناء؛ خاصة وأن فيرز كانت مثلي الأعلى.
بدأت في البحث عن سيد حجاب الشاعر اللامع آنذاك، ليكون هو المؤلف الغنائي؛ وبعدها التقيت به، تقريبًا عام 1994 في القاهرة، وحينها لم أكن أعرف شكله نهائيًا، فلم أراه من قبل؛ ولكن كنت عاشقة لأعماله الأدبية والثقافية والشعرية.
وتكمل "الجسري": قبل لقائي بـ"سيد حجاب" لم أكن أعرف طريق الحب نهائيًا؛ وكان تركيزي فقط على تحقيق حلمي الفني والغنائي، وكنت حينها أدرس في معهد الموسيقى؛ وأحاول إتمام دراستي العلمية في الكيمياء، و«مكنش في بالي حب ولا غيره.. كنت عايز أقابل سيد علشان يكتب لي أغاني وبس».
وتتابع: اللقاء الأول بسيد كان غريبًا جدًا، فكان التوافق في الحديث والأفكار غير عادي، وكان الحديث لا يشبع منه؛ وتمنيت ألا تنتهي الجلسة الرائعة التي خطفت قلبي وتعلقي بالشاعر الإنسان.
اللقاء الأول بين سيد حجاب وزوجته مرفت الجسري
وتواصل "الجسري"؛ فتقول: وضم اللقاء الثاني الحديث عن طفولتنا والتي كانت تُشبه طفولتي بنسبة 100% رغم اختلاف السن وبلد الإقامة؛ فالحرب الأهالي في لبنان دفعتني للقراءة وحب الشعر والغناء، ووباء الكوليرا في الدقهلية دفع سيد حجاب لحب القراءة والشعر والغناء والإبداع الفكري رغم أن عمره كان 7 سنوات فقط فكانت مكتبة والده مرجعه الذي أثرى فكره بالقراءة والتعلم.
وتؤكد «الجسري» أنه بعد مرور نحو شهر من اللقاء، اعترف «حجاب» بحبه لي وقالي جملة كانت غريبة جدًا: «أنا بحبك.. ولما تحسي إنك عايزه تتجوزيني تعالي قولي لي.. وكان واضح إني تقريبًا حبيته ومكنتش أعرف»، وتزوجنا 3 أبريل 1996 وكان أحلى أيام حياتي على الإطلاق.
عشت مع سيد حجاب أحلى أيام حياتي
وتكمل ميرفت الجسري اللبنانية المصرية: "سيد كان جميل جمال غير طبيعي، وأنا عشت معاه أحلى أيام حياتي بجد، لمدة 21 سنة، استمتعت فيها مع أحسن الناس على الإطلاق، إلى أن توفي في 25 يناير عام 2017، ولكن طول الوقت بيوحشني، واللي بيصبرني على فراقه، إن سيد حجاب لم يمت بالنسبة لي.. وعايش جوايا.. وكنت محظوظة جدا إني عشت مع سيد السنين الحلوة دي».
وعن عصبية سيد أوقات الكتابة؛ تقول «الجسري»: «سيد كان مُبدعا من نوع خاص في الكتابة، فكان نسمة دون أي تعصب، ودون أي أزمة، أوقات كتير كان يدون كلمات في ورقة لا تفارقه أبدًا، ولكن الكتابة كانت تبدء في فكره، وتجميع النص في النهاية غالبًا يكون في مكتبه، ويبدأ في التدوين بخط يده على أوراقه التي لاتزال في مكتبه حتى الآن، ومنها الكثير من الأعمال التي لم ترْ النور حتى الآن».
كان مُحبًا للناس بطريقة غريبة جدًا
وتؤكد أن «حجاب» كان مُحبًا للناس بطريقة غريبة جدًا، فالبيت لم يخلْ يوميًا من الزيارات والأشخاص وغير الأصدقاء؛ كان يُكرس حياته للناس وللموهوبين الجدد في الشعر والتأليف؛ وكان هذا يؤثر على وقته بشكل كبير، ولكن كان يُحب دعم الكبير والصغير، ويهتم جدًا بتقديم النصائح ورعاية كل الأجيال الشابة.
ومن الأسرار التي كشفتها زوجة سيد حجاب لـ «البوابة»، أنه ترك دراسة الهندسة، ولم يكملها، والسبب في ذلك أنه كان يرفض أن يكون مجبرًا على فعل أي شيء لا يرغب فيه، فكان الشعر هو حياته وهوايته ومصدر رزقه، رغم التحاقه بهندسة الإسكندرية عام 1956، ثم هندسة التعدين بجامعة القاهرة عام 1958.
حجاب كان يقول: «أنا لو مشتغلتش مكلش».. وحالتنا المادية كانت مستورة
وعن مصدر رزقه، تقول زوجته: إن حجاب كان محبًا للدنيا، زاهدًا في مالها، والفن والتأليف والشعر كانت ثروته، وكان يردد مقولة: «أنا لو مشتغلتش مكلش»؛ لافتة إلى أن أجور الوسط الفني والثقافي سابقًا كانت مُتوسطة، ورغم ذلك كانت «حالتنا المادية مستورة».
وعن فترة علاجة في أيامه الأخيرة قبل وفاته؛ قالت: لم يكن لدينا فلوس، ولكن كانت متيسرة بفضل الله؛ مُشيرة إلى أن وزير الثقافة آنذاك الدكتور حلمي النمنم عرض على حجاب الدعم المالي بشأن علاجه، ولكن كان رد حجاب: «مستورة الحمد لله.. في ناس أولى مني»؛ رافضًا أي دعم مالي، رغم أن الأوضاع المالية لم تكن على ما يُرام.
وقالت «الجسري»: إن أحد الإعلاميين زارنا في منزلنا في المعادي، وبعد الترحيب والتحية سأل حجاب قائلًا: أنا بزور أشخاص أقل منك موهبة وعايشين في قصور؛ فرد قائلًا: «لو كان هدفي الفلوس كنت جبتها عادي جدًا»؛ لافتة إلى أن أشخاص كُثر غير مصريين عرضوا عليه الملايين حُبًا ودعمًا، لكنه كان يرفض أخذ أي أمول، لأنه لم يعمل نظير هذه الأموال».
وحين كان يُسأل: لماذا لم تشترط أموالًا نظير الأعمال أو الندوات، كان يرد قائلًا: عمري ما أطلب فلوس من حد.. اللي عايز يعمل كده يعمل، سيد حجاب مش بيطلب، ومليش دعوة بغيري»؛ لافتة إلى أن أعماله كانت تطلب ولا تعرض على المنتجين، ويرد قائلًا: «لو ما جليش شغل خلاص مش هعمل.. أنا لا أدلل على الفن والإبداع».
رفض أن يكون وزيرًا للثقافة وقال: «كفاية أقضي وقت أخلص الشعر اللي جوايا»
وردًا على سؤال لـ«البوابة» بشأن عدم كتابة سيرته الذاته؛ أجابت زوجته قائلة: «سيد كان محبًا لأعماله مثل الشعر والمسرحية، ولم يكن مُهتمًا بكتابة سيرته الذاتية»، وقالت: بعد 2011 تلقى سيد مكالمة هاتفية غير رسمية، وأنا كنت بجواره، وطلبوا أن يذكر اسمه كـ"وزير ثقافة"، لكنه رفض هذا العرض، وقال: «كفاية أقضي وقت أخلص الشعر اللي جوايا.. القصة دي مش قصتي»؛ لافتة إلى أن سيد حجاب ترك أعمال كثيرة جدًا لم تخرج إلى النور حتى الآن.
وتقول: عشنا أيام الظروف المالية كانت صعبة جدًا؛ ولكن كانت مليئة بالحب والراحة، لافتة إلى أنه كان في استطاعة سيد أن يجلب الملايين، لكنه رفض أن يقدم أعمال غير راضٍ عنها، فرفض المال مقابل الراحة النفسية؛ كان عاشقًا للناس، ويؤمن بأن ما يخرج من القلب يصل للقلوب؛ فكان مهتمًا بأن يكتب للناس، وأن يرى مردود ما كتبه في أعين الناس؛ وحين توفى لم يترك مالًا، ولكن ترك ثروة تراث وحب غير منقطعة النظير.
وأضافت أن سيد حجاب تزوج 3 مرات، الأولى كانت الفنانة التشكيلية عاشقة الخزف، إيفيلين بوريه السويسرية، والتي كانت تعيش في الفيوم؛ ثم تزوج بسيدة مصرية أنجب منها ابنته الوحيدة ريم سيد حجاب؛ وبعد ذلك تزوجني حتى وفاته في 2017.
رفضت الإنجاب حتى لا يشاركني في حب سيد حجاب أحد
وتقول ميرفت الجسري اللبنانية المصرية: إن قصة حياتي مع سيد حجاب كانت أسطورية، فالحب بيننا كان يزيد يومًا بعد يوم؛ وكان يتمنى أن ينجب مني؛ ولكن رفضت الإنجاب رغم حبي الشديد له؛ مُعللة: «أنا أعشق سيد بطريقة جنونية وكانت وجهة نظري أنه ملكي، ويجب أن أستمتع بالحياة معه، دون أي شريك، ولكن سيد كان نفسه يخلف جدًا، وكان يُحاول إقناعي، ولكن في النهاية رفضت الإنجاب، ولم أندم على ذلك نهائيًا».
وأشارت إلى أنه كان بين وقت آخر يمزح بشأن الإنجاب قائلًا: «ماتيجي لو نخلف طفل يكون بذكائي وجمالك.. فكنت أضحك.. وكان يرد: والله العظيم هكون مبسوط لو كان بجمالك وذكائك».
إن وفاة سيد كانت صدمة كبيرة، وصعبة جدًا، تجاوزتها بعد سنوات، ولكن سيظل سيد عايش بداخلي، لن يمُت مهما طال الزمن، وأشار عليه أحد أفراد أسرة سيد حجاب بالزواج مرة أخرى، بعد وفاته، ولكنني رفضت الزواج من بعده، فسيد لا يزال عايش بداخلي، ولم يفارقني، وكانت أحلى أيام حياتي معه، وسيظل حبي الأول والأخير وعشقي الأبدي؛ حتى زواجي من سيد لم يكن من أجل الزواج فقط؛ بل كان من أجل كمالتي سيد كان نصفي الثاني، وأنا مشبعه من حب سيد حجاب».