رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: معلومات صادمة.. اليوم.. قمة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أهداف التنمية المستدامة 2030

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اليوم، تبدأ قمة إنقاذ أهداف خطة التنمية المستدامة ٢٠٣٠ الآيلة للسقوط. ويدعو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش رؤساء دول وحكومات العالم إلى ضرورة التحرك بسرعة على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة خلال السنوات السبع المتبقية من البرنامج التنموى العالمى حتى عام ٢٠٣٠. وليس من المتوقع فى كل الأحوال تحقيق كل أهداف التنمية المستدامة بنسبة ١٠٠٪، وربما يكفى أن تنجح الدول المختلفة، الفقيرة والنامية والصناعية بنسبة تتجاوز ٥٠٪ حتى تحصل خطة التنمية المستدامة على علامة النجاح. لكننا مع الأخذ فى الاعتبار بأن نسبة ١٢٪ فقط من هذه الأهداف تسير على الطريق الصحيح ندرك صعوبة الموقف، بل وخطورته، فى الوقت الذى أظهرت فيه مؤشرات أساسية، مثل الفقر والجوع والمرض والتعليم، تراجعا أو تقدما بطيئا جدًا. 
الأهداف المحورية
ولذلك فقد يكون من الملائم تكثيف مناقشات قمة الأمم المتحدة لتقييم مدى التقدم فى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة اليوم وغدا على تحديد الأولويات العاجلة لضمان السير على الطريق الصحى والصحيح، والتركيز على الأهداف المحورية الرئيسية، التى تتطلب بالضرورة تفعيل الأهداف السبعة عشر الرئيسية. التركيز على تحقيق الأهداف المحورية سوف يتطلب تشغيل محركات اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية ديناميكية، تتميز حركتها بإنتاج آثار متعددة ومتنوعة أفقيا ورأسيا، ولا تقتصر على إنتاج آثار خطية أو جزئية تستخدمها الحكومات فى ملء الخانات بطريقة ticking the box للحصول على علامة النجاح. 


ونعتقد أن الأهداف المحورية المركزية للتنمية المستدامة يمكن تقليصها من ١٧ هدفا إلى ستة أهداف فقط، تتعلق بمواجهة: الفقر، والجوع، والمرض، والأمية، والمساواة بين الجنسين، وإنهاء تدهور المناخ والطبيعة. تحقيق هذه الأهداف الستة هو الكفيل بأن يثبت لنا مدى كفاءة النظام العالمى فى إقامة علاقة سلام بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين غيره من الإنس، وبينه وبين الطبيعة. وبدون تحقيق هذا السلام يكون النظام العالمى الحالى قد فشل فشلًا ذريعًا، ويحتاج إلى إصلاح جذرى. وتشمل الأهداف الرئيسية للتنمية المستدامة، إتاحة مياه الشرب النقية، والطاقة، والنمو الاقتصادى المستدام، وإقامة بنية اساسية شاملة مستدامة ذات قدرة كبيرة على تحمل الصدمات والظروف المفاجئة، وتقليل انعدام التفاوت وعدم المساوة داخل البلد الواحد وفيما بين البلدان المختلفة، وجعل التجمعات البشرية مثل المدن والقرى آمنة وقوية التحمل، والتأكيد على وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة وقوية، واتخاذ اجراءات عاجلة لمنع تدهور المناخ والحد من تداعياته، والمحافظة على استخدام البحار والمحيطات والموارد البحرية بطرق مستدامة، وحماية التنوع البيئى، وتعزيز السلام وتوفير العدالة وتطبيق معايير المحاسبة والمسؤولية على المؤسسات، وتعزيز استخدام معايير الشفافية وحرية تداول المعلومات. ونعتقد أن النظرة الشاملة والديناميكية للأولويات الست التى ذكرناها، من شأنها توفير الوقت والجهد فى قياس مدى التقدم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إلى جانب تحقيق دقة أكبر فى تحليل المعلومات، وتنسيبها إلى مجالاتها الرئيسية. 


مؤشرات صادمة
وقد علمنا من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن حظوظ النجاح تحالف حتى الآن ١٢٪ فقط من أهداف الخطة، وأن حوالى ٣٠٪ منها لم تتحرك للأمام أو تراجعت عما كانت عليه عام ٢٠١٥، فى حين أن ما يقرب من ٥٠٪ من تلك الأهداف تواجه حالة من عدم اليقين والهشاشة فى التنفيذ. وطبقا للمعطيات الحالية فى تقرير مراجعة تنفيذ الأهداف يتبين أن ٥٧٥ مليون شخص حول العالم سيكونون فريسة للفقر الموقع، بل إن المعاناة من الجوع زادت إلى نطاق لم يشهده العالم منذ عام ٢٠٠٥، وأن ثلث بلدان العالم فقط سيتمكن من تحقيق هدف تخفيض معدل الفقر الوطنى إلى نصف ما كان عليه عند نقطة الأساس فى عام ٢٠١٥. ويقدر التقرير أنه إذا استمرت السياسات الحالية فى التفرقة بين الجنسين فإن العالم سيحتاج إلى ٢٨٦ عامًا لسد الفجوة الكفيلة بحماية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. ومن التوقعات الصادمة أن الفشل فى تحقيق أهداف التنمية المتفق عليها فى الموعد المحدد فى عام ٢٠٣٠ أن أكثر من ٨٥ مليون طفل حول العالم لن يدخلوا المدارس للتعليم، وأن أكثر من ٣٠٠ مليون شخص فى سن التعليم الأساسى سيتسربون إلى خارج النظام التعليمى دون معرفة القراءة والكتابة. 
هذه المؤشرات المخيفة لا تتعلق فقط بفشل الدول النامية التى يُنظر إليها دائما على أنها موطن الفشل السياسى والاقتصادى فى العالم، وإنما تشمل أيضا الدول الصناعية المتقدمة، بما فيها الدولة الصناعية الأكثر تقدما فى العالم، الولايات المتحدة. وتشير تقارير واستقصاءات اقتصادية واجتماعية أمريكية إلى حقائق صادمة، فيما يتعلق بقياس مدى تقدم الولايات المتحدة فى تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. 
وتشترك الولايات المتحدة مع عدد قليل من دول العالم التى لم تنفذ مراجعة واحدة لمدى التقدم فى تحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠ التى أقرتها الأمم المتحدة عام ٢٠١٥، مثلها فى ذلك مثل ميانمار وجنوب السودان واليمن! كما أن الولايات المتحدة غير معنية بحماية الأطفال، مثلها مثل كثير من الدول الأشد تخلفًا فى أفريقيا وآسيا، وهى الدولة الوحيدة فى العالم التى لم توقع على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل! وبسبب ذلك تتسع ظاهرة استغلال الأطفال وتشغيلهم فى ظروف سيئة فى كثير من الولايات الأمريكية. وتتركز أسوأ مظاهر الفقر والتمييز الاجتماعى وانعدام المساواة فى مجتمعات الاقليات، خصوصا الأفارقة الأمريكان، أيا كانت المدن التى يعيشون فيها، بما فى ذلك العاصمة. 
فى عام ٢٠٢١ بلغ متوسط العمر المتوقع للفرد فى بنجلادش ٧٣.٦ سنة، مقارنة بمتوسط يبلغ ٦٥.٢ سنة للمواطنين السود فى العاصمة الأمريكية واشنطن. هذه المؤشرات مبنية على دراسات تفصيلية، ظهرت فى دراسة لمعهد بروكنجز فى أوائل العام الحالى. وطبقا لنتائج الإحصاء السكانى الاخير لعام ٢٠٢٢، فإن عدد الفقراء فى الولايات المتحدة يبلغ ٣٧.٩ مليون شخص بنسبة ١١.٥٪ من السكان. كما أن عدد الذين يعيشون بلا تأمين صحى على الإطلاق فيبلغ ٢٧.٢ مليون شخص بنسبة ٨.٣٪ من السكان. وفى العاصمة الأمريكية أيضا، وطبقا لبيانات السنة المالية الأخيرة ٢٠٢٢، اعتمد ٢٢٪ من السكان على الإعانات الغذائية التكميلية، كما بلغت نسبة الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر ٢٣.٩٪. وتدل مؤشرات الوفاة عند الولادة والعمر المتوقع للمواليد على أن العمر المتوقع بين المواطنين الأمريكيين السود والفقراء، يعادل أو يقل عن العمر المتوقع للمواطنين فى بنغلاديش. انتشار العنف والجريمة والفقر وانخفاض متوسط العمر المتوقع للفرد فى اوساط مجتمعات المواطنين السود والفقراء، وانتشار معدل الفقر، وغياب برامج النهوض بالأقليات يقدم صورة سيئة للنظام الاجتماعى الأمريكى، لأنه يترك عشرات الملايين، دون حماية، بل ودون حقوق.


إنتشار الفقر واللا مساواة
منذ عام ٢٠١٩ تسببت السياسات الاقتصادية فى مواجهة الاوبئة والصدمات البيئية والجيوسياسية فى إسقاط ٧٠ مليون شخص جدد إلى هوة الفقر المدقع. ويحدد البنك الدولى حاليًا معدل الفقر المدقع بدخل يعادل ٢.١٥ دولار للفرد يوميا (حوالى ٦٧ جنيها بالسعر الرسمي). هذا يعنى أن حد الفقر المدقع للأسرة المصرية المكونة من خمسة أفراد يبلغ ٣٣٥ جنيها يوميا. وطبقا لذلك فإن الأمم المتحدة تقدر عدد من يعيشون تحت خط الفقر المدقع فى العالم حتى نهاية العام الماضى بنحو ٦٧٠ مليون شخص. وبافتراض استمرار السياسات الحالية فإن عدد السكان تحت خط الفقر المدقع فى العالم بحلول عام ٢٠٣٠ سيكون ٥٧٥ مليون، بنسبة انخفاض تبلغ ٣٠٪ فقط عن عام ٢٠١٥. هذا يعنى أن العالم فشل فى تحقيق هدف اجتثاث الفقر المدقع «فى كل صوره وفى كل مكان». 
ويسجل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذى يتم إعلانه رسميا اليوم، قصورًا شديدًا فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فى مجالات مكافحة الجوع والأمية والمرض والمساواة بين الجنسين والحد من تدهور المناخ والاعتداءات على الطبيعة. ونحن نرى الآن أنه ما من دولة فى العالم تستطيع الهروب من غضب الطبيعة إذا غضبت، وأن أكثر الدول تقدمًا فى العالم لا تملك الوسائل الكافية لحماية نفسها من تداعيات ذلك الغضب، بما فيها الولايات المتحدة والصين. وفى حال استمرت السياسات التى اعتمدت عليها دول العالم لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة فى السنوات الثمانى الماضية، فإن النتائج فى السنوات السبع القادمة لن تكون أفضل بكثير. 
هذا، فى واقع الأمر يتطلب إعادة دراسة المعطيات المتاحة حاليًا عن حالة التنمية المستدامة فى العالم، بغرض إعادة تحديد الأولويات، لإعطاء قدر أكبر من تركيز السياسات، ومنها السياسة التمويلية، لتحقيق أولويات عاجلة، حددناها فى ست مجالات أساسية، هى محاربة الفقر والجوع والمرض والأمية والتمييز بين الجنسين، والإساءة إلى البيئة. كما أن دراسة معطيات حالة التنمية المستدامة فى العالم، يتيح للأمم المتحدة مجالا أوسع للمناورة، وإعادة توجيه السياسات، من أجل تحقيق فاعلية أكبر فى التنفيذ، وتجنب أخطاء السنوات الثمانى الماضية، وهى أخطاء لا تتعلق بطبيعة الأهداف أو السياسات، بقدر ما تتعلق بتركيز المجهود الرئيسى للتعجيل بتحقيق أهداف تتميز بقدرتها على توليد آثار انتشارية واسعة النطاق مثل التعليم والصحة. 
أولويات عاجلة
وطبقا للتقرير الذى يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة أمام قادة العالم اليوم، فإن أولويات خطة العمل للإسراع فى تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وضمان تحقيق القدر الأكبر منها، أو بمعنى آخر الإجراءات الضرورية لإنقاذ ما يمكن انقاذه من أهداف التنمية المستدامة المهددة بعدم التنفيذ، أو القصور، تتضمن ما يلى: 
أولا: تجديد التزام دول العالم بتحقيق أهداف التنمية لعام ٢٠٣٠. وفى هذا السياق نقول ان تجديد الإلتزام بأهداف التنمية المستدامة يجب أن يشمل كل دول العالم، الفقيرة والنامية والصناعية، ومؤسسات التمويل الدولية المتعددة الأطراف، مع التأكيد على مسؤولية الدول الصناعية الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة، التى تستحوذ على القدر الأعظم من القوة فى عملية اتخاذ القرارات على المستوى الدولى.
ثانيا: على صعيد قدرات القطاع العام والبنية الأساسية، يقول الأمين العام إنه من الضرورى العمل على تحديد محركات التغيير على نطاق واسع، والجرأة فى اتخاذ قرارات مركبة، متعددة المستويات أفقيا ورأسيا، تستفيد من الإمكانيات التى تقدمها التكنولوجيا الرقمية، وتعزز عملية التنفيذ بواسطة أطراف متعددة، وليس طرفا واحدا. وهو ما يعنى عدم احتكار فرد أو مؤسسة لاتخاذ القرار، كما يعنى تطبيق العلم التكنولوجيا الرقمية، وليس التقديرات الجزافية أو الأهواء المغرضة. 
ثالثا: الدعوة إلى إدراك أهمية الدور المحورى للأجهزة اللامركزية، مثل وحدات الإدارة المحلية ومؤسسات الأقاليم أو المقاطعات، فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. هذا يتطلب وضع إطار عام لهذا الدور على المستوى الوطنى، وتمكين الإدارات اللامركزية عن طريق تعزيز قدراتها التنفيذية، مع التأكيد على أهمية تنسيق الأدوار فى الأنشطة التى تحتاج إلى أكثر من إدارة أو مؤسسة، مع تطبيق قواعد الشفافية والمحاسبة والمسؤولية.
رابعًا: ضرورة تشجيع دور القطاع الخاص، عن طريق وضع السياسات واللوائح الملائمة، للمشاركة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتوافق معها، مع ضمان الالتزام بقواعد ومتطلبات الإعلان والشفافية. 
خامسًا: التأكيد على أهمية دور الثقافة العامة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفى تكوين وأداء السياسات العامة، والتعاون على المستويات المحلية والوطنية والعالمية. فلا يكفى على سبيل المثال الحديث عن «دولة المؤسسات» أو «سيادة القانون» فى مجتمع تُهدر فيه قيمة المؤسسات والقانون، لأن هذا من شأنه الفشل فى الحصول على تأييد الرأى العام للسير على طريق تحقيق أهداف التنمية، وبناء الثقة بين المواطنين وأجهزة الدولة والمواطنين. 
سادسًا: ضرورة ارتفاع نسبة تغطية المعلومات المتاحة عن التجمعات والفئات الاجتماعية المختلفة، مع التركيز على الفئات الاجتماعية المهمشة، والعمل على رفع نسبة المعلومات المتاحة عن التقدم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى ما لا يقل عن ٩٠٪ من الأهداف المحددة فى كل دولة من دول العالم بحلول عام ٢٠٢٧، وزيادة إتاحة البيانات المالية المحلية بنسبة ٥٠٪ على الأقل من مستواها الحالى. هذا يتطلب تطبيق سياسات شفافة ومسؤولة، وعدم حظر المعلومات المالية التى تهم المواطنين تحت أى مبرر. 
سابعًا: وجوب متابعة وتقييم مدى التقدم على المستويات المختلفة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك لتقديم تقييم طوعى على المستوى الوطنى لمدى نجاح الحكومات والمؤسسات المركزية المختلفة، والإدارات اللامركزية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدنى فى تنظيم دورها من أجل التوافق مع الأهداف المحددة. 
هذه المقترحات التى يضعها الأمين العام للأمم المتحدة أمام قمة التنمية المستدامة اليوم، توفر الحد الأدنى الضرورى، لمنع الفشل فى تحقيق أهداف التنمية، فى وقت يبدو العالم فيه الآن أحوج ما يكون إلى إقامة آليات قوية للصد والمقاومة ضد الصدمات الطارئة، الجيوسياسية، والبيئية، والاقتصادية، والصحية، التى يتعرض لها العالم، مع تفاقم تداعيات أسوأ يوما بعد يوم لأخطاء ما يزال يرتكبها العالم، دولا وأفرادا، ضد الإنسان وضد الطبيعة.