ضرب زلزال قوى المغرب فى ٨ سبتمبر ٢٠٢٣ ويُعرف بالفعل بأنه «الزلزال الأكثر عنفًا» منذ قرن فى البلاد، كما تسبب هذا الزلزال فى انهيار جزء من سور مراكش التاريخى وخلف الزلزال ٢١٢٢ قتيلا و٢٥٠٠ جريح، بحسب آخر تقرير نشرته وزارة الداخلية فى ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣.
تم تسجيل الزلزال عند الساعة ١١:١١ مساء بالتوقيت المحلى. وبحسب المعهد الأمريكى للجيوفيزياء فقد بلغت قوته ٦.٨ ريختر ويقع مركز الزلزال فى إقليم الحوز جنوب غرب مراكش وقد شعرت بالهزة أيضا مدن الرباط والدار البيضاء وأغادير والصويرة.. يعلم الجميع أن مراكش تمتلئ بهذه الأماكن المدرجة على قائمة التراث العالمى لمنظمة اليونسكو منذ عام ١٩٨٥، مثل ساحة جامعة الفنا.
عندما نفكر فى الأمر، فإننا نرى أنه على مساحة ٧٠٠ هكتار من المدينة القديمة كانت الأضرار كبيرة فى بعض الأماكن. إن أسوار القرن الثانى عشر التى تحيط بالمدينة والتى أسستها سلالة المرابطين حوالى عام ١٠٧٠، قد أصبحت مشوهة بصورة جزئية.
ويقول إيريك فالت، المدير الإقليمى لمكتب اليونسكو للمغرب العربى: «من الواضح أن المنطقة الأكثر تضررًا هى حى الملاح (الحى اليهودى السابق) حيث كان تدمير المنازل القديمة هو الأكبر والأكثر ضررا». فهناك، تحولت المنازل المكونة من طابق واحد ذات الحجارة التى تتحول إلى اللون الوردى تحت أشعة الشمس إلى فناء. وقد تم وضع قضبان حديدية أو دعامات مؤقتة أخرى لدعم الجدران المتصدعة.
ثم يعلق فالت قائلًا: «وبعد تلك الكارثة فإن أهم شيء هو الحفاظ على حياة البشر. ولكن يجب علينا أيضًا أن نخطط على الفور للمرحلة الثانية والتى ستشمل إعادة بناء المدارس والممتلكات الثقافية المتضررة من الزلزال».
وفى هذا السياق، فإن المساعدات الدولية الضرورية للشعب المغربى، قد تكون صعبة فى ظل الخلافات والتوترات التى لا تزال قائمة بين دول المنطقة ومملكة الشريف وفيما يتعلق بالدولة العبرية، فإن التطبيع بين المغرب وإسرائيل منذ توقيع اتفاقات أبراهام عام ٢٠٢٠، يثير قلق الجزائر بشكل كبير، حيث قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإعطاء أوامره لكل الأجهزة الحكومية بتقديم كل المساعدات اللازمة للشعب المغربى بما فى ذلك تجهيز فريق مساعدات لإرساله فى المنطقة.
ولم تتأخر الجزائر عن الرباط.. ألم تقدم المساعدة لجارتها معلنة قرارها بإعادة فتح مجالها الجوى أمام طائرات نقل المساعدات الإنسانية والجرحى؟ وخلافًا لكل التوقعات، ألم تصف منافستها الإقليمية بالدولة «الشقيقة"؟
أما الرباط وباريس، فقد تدهورت العلاقات بينهما فى ظل فضيحة التنصت على الرئيس إيمانويل ماكرون، ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك: فإن عدم احترام السلطات المغربية لاتفاقيات إعادة الأجانب ذوى الأوضاع غير الشرعية إلى الحدود، إلى جانب المواقف بشأن وضع الصحراء الغربية، كل ذلك لا يسهم فى التهدئة بين العاصمتين.
فى الواقع، تطالب مملكة الأشراف بهذه المنطقة، بينما فى الوقت نفسه، تقدم الجزائر، مثلها مثل باريس، دعمًا صريحًا للمستقلين فى جبهة البوليساريو كما سنشير بسهولة إلى أن مدريد، التى دعمت جبهة البوليساريو لفترة طويلة، قد وقفت فى النهاية إلى جانب المغرب. وبعد موافقة الرباط، أرسلت إسبانيا أولى فرق الإنقاذ.
وإذا كانت المغرب قد قبلت المساعدات المقدمة من أربع دول، بما فى ذلك إسبانيا وبريطانيا فى المقام الأول، بالإضافة إلى قطر والإمارات العربية المتحدة، فإن الرباط لم تقبل حتى الآن المساعدات الفرنسية. هكذا كانت كاثرين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، التى تعرف كيف تستخدم البلاغة بشكل لا مثيل له، فنراها تحول ذلك الرفض إلى مصدر للتفاؤل. قد أشارت قائلة: «نبقى تحت تصرف المغرب على المدى القصير والمتوسط». وأضافت: «إذا لم تقبل الرباط المساعدة الفرنسية، فهى أيضا لم ترفضها». ثم قالت: «تحدث إيمانويل ماكرون مع ملك المغرب».
على أية حال، فقد خصصت وزارة الخارجية الفرنسية مبلغ ٥ ملايين يورو من الأموال الاحتياطية للوزارة للمنظمات غير الحكومية ومن الآن فصاعدًا، فإننا نؤكد بسهولة، مثلما ذكر جورج مالبرونو، الصحفى والمتخصص فى شئون الشرق الأوسط، بأنه «باتفاقات إبراهام، فقد حصل المغرب على اعتراف من الولايات المتحدة فى عهد دونالد ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. ووافقت إسبانيا على ذلك. وهكذا نجد أننا الأعضاء الدائمون المهمون الوحيدون فى مجلس الأمن الذين لديهم موقف مختلف».
وفى نفس السياق، يواصل الصحفى على حسابه على منصة أكس (تويتر سابقا) لوصف العلاقات بين المغرب وفرنسا: «إنه لأمر محزن، تلك العلاقات السيئة بين الرباط وباريس. فمنذ عهد فاليرى جيسكار ديستان، كانت لدينا علاقة فريدة من نوعها مع المغرب. كيف يمكن لإيمانويل ماكرون أن يعتقد أنه سينجح؟ إن محمد السادس غاضب للغاية من إيمانويل ماكرون، لدرجة أنه يفكر فى استبدال التدريس باللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية مع بداية العام الدراسى.
وللعلم، فقد أكد رئيس الجمهورية، فى مارس ٢٠٢٣، أن علاقاته مع محمد السادس كانت «ودية».. أما الرباط فلم تتأخر فى الرد: فقد تحدثت السلطات المغربية عن علاقات «ليست جيدة ولا ودية» مع فرنسا.. وهذا ما كشفه اليوم الزلزال العنيف الذى ضرب إقليم الحوز جنوب غرب مراكش.
معلوامت عن الكاتب:
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، ما كشف عنه زلزال المغرب من تدهور فى العلاقات بين باريس ومراكش.