فى العادة عندما نجد كتابًا منشورًا عن مصر القديمة فإن موضوعه إما أن يكون عن مقابر الفراعنة وأهراماتهم أو ديانة الفراعنة ومعابدهم.. أما الكتب التى تتناول الحياة اليومية عند الفراعنة فهى قليلة جدًا وأكاد أجزم أن معظم الناس لا يعرفون عن حياة الفراعنة سوى أنهم كانوا يبنون الأهرامات والمقابر لكى يدفنوا بها.
وهذه الصورة لا تعكس حقيقة الحياة الفرعونية، وكيف استمتع الفراعنة بكل يوم عاشوه على الأرض. لقد كانت عندهم أعياد كثيرة ومناسبات عديدة، حتى أن المؤرخ الإغريقى هيرودوت علق على ذلك قائلًا: إن حياة المصريين كلها أعياد واحتفالات.. وأنه ما يكاد عيد ينتهى فى مدينة حتى يبدأ عيد آخر فى مدينة أخرى.
وهذه حقيقة نعرفها من الوثائق المكتوبة والمناظر المصورة على الآثار والتى نرى فيها احتفالات فى مناسبات مختلفة تُعزف فيها الموسيقى الراقصة ونرى راقصات فى أحلى ثيابهن وزينتهن يتمايلن على أنغام الموسيقى.. أما الحاضرين فهم إما يأكلون أو يشربون من أطايب الطعام والشراب والفاكهة، أو يتحادثون أحاديثًا سجلتها الكتابة المصرية القديمة على هيئة الحوار أو الديلوج بين الشخصيات المصورة، وهو ما يتميز به الفن المصرى القديم الذى لا يكتفى فقط بموضوع المناظر المصورة على الجدران سواء كانت المقبرة أو المعبد، وإنما أضاف الحوار واللغة لتفسير هذه المناظر، ومن ذلك عرفنا مدى رقى المجتمع المصرى القديم وما كان يفكر فيه، وكيف استمتع المصريون القدماء بحياتهم؛ ومن هنا أحبوا أن يعيشوا هذه الحياة فى العالم الآخر.. لم يرغبوا حياة غير حياتهم الدنيا، والتى كانت فى وجهة نظرهم هى أجمل ما يمكن أن يصيب الإنسان فى الدنيا، أحبوا بلدهم شمسها وهوائها ونيلها.. أحبوا ما تجود به أرضهم من خيرات فبنوا وعمروا الدنيا، وتركوا ميراثًا ثقافيًا وروحيًا عظيمًا. أتمنى أن نحفظهم للأجيال القادمة كى ينفعهم فى مستقبلهم.
ولعل من أروع مناظر الاحتفالات تلك المصورة على جدران مقبرة «نخت» بمنطقة مقابر الأشراف فى طيبة الغربية الأقصر حاليًا، ويصور المنظر عازفات يعزفن على آلتهن الموسيقية، أما الحاضرين من رجال ونساء فيقوما على خدمتهم فتيات وغلمان يقدمون لهم الطعام والشراب، بل وتقوم الفتيات بإصلاح زينة بعض المدعوات فى أجواء بهجة وفرح.
الفرق بين المصريين القدماء والشعوب الأخرى التى عاصرتهم أن المصريين كانوا أكثر تفاؤلًا بالموت. نعم خافوا منه، لكنهم لم يرهبوه أعدوا له فى حياتهم، فكانت فكرة أن الخيريين هم وحدهم الذين ينعمون بحياة ما بعد الموت. أما الأشرار فهم من يذهبون إلى الجحيم.. وعلى ذلك كان على كل متوفى أن يقسم أمام الإله أنه ما فعل شر قط، وأنه ساند الـ «ماعت» أى الحق والعدل والنظام.
ولقد وضع المصريون القدماء صور عن حياتهم اليومية على جدران مقابرهم رغبة منهم فى أن يتمتعوا بنفس هذه الأعمال التى قاموا بها فى حياتهم، ونفس الأعياد التى احتفلوا بها وهم على الأرض.. كما آمن المصريون القدماء أن أرواح الموتى تعيش بينهم وتؤثر فى حياتهم، ومن أجمل ما يمكن أن يقرأه الإنسان من أدب الفراعنة هذه المناجاة التى كتبها رجل لزوجته المتوفاة، يستعطفها فيها حتى لا تسلط روحها عليه، وأن تتذكر دائمًا كل عمل طيب فعله من أجلها، وأن تسامحه على ما اقترف فى حقها من ذنب.. لقد عشق الفراعنة الحياة فكتبوا لأنفسهم الخلود.