أحياء بأكملها سويت بالأرض.. تحطمت الجسور والطرق.. خطوط الكهرباء سقطت.. المستشفيات مكتظة بالضحايا.. وتركت الجثث ملقاة في الشوارع.. المقابر الجماعية تمتلئ بالجثث.. هذه مشاهد الدمار فى شرق ليبيا فى أعقاب الفيضانات الكارثية هذا الأسبوع؛ والتى تذكرنا بلحظات الدمار الأخرى فى تاريخ البلاد الحديث - الصراعات التى خلفت آلاف القتلى ومزقت البلاد بسبب الاضطرابات السياسية.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن هذه الانقسامات نفسها قد أدت إلى تفاقم الكارثة المستمرة؛ وأدت سنوات الحرب والتنافس السياسى إلى تدمير خدمات الدولة والبنية التحتية فى ليبيا، مما ترك البلاد غير مستعدة بشدة للاستجابة لكارثة إنسانية واسعة النطاق.
ورصدت "واشنطن بوست" ما يجب معرفته عن الوضع فى ليبيا، البلد الذى مزقته الحرب ويفتقر إلى سلطة مركزية.
لماذا انقسمت ليبيا بين حكومتين؟
حكم معمر القذافى ليبيا كرجل قوى من عام ١٩٦٩ حتى ٢٠١١، وقُتل على يد قوات المتمردين خلال انتفاضة الربيع العربى المدعومة من الناتو. وخلف سقوط القذافى فراغا فى السلطة فى ليبيا أحد أكبر الدول العربية فى العالم ويسكنها أقل قليلا من سبعة ملايين نسمة.
وفى غضون ثلاث سنوات، انهارت الجهود المبذولة لبناء حكومة ما بعد القذافى من خلال الانتخابات وكتابة الدستور؛ وبحلول عام ٢٠١٤، اندلعت حرب أهلية أخرى بين الجماعات المسلحة المتنافسة، ومنذ عام ٢٠٢٠، استقرت ليبيا فى حالة ركود فوضوي، مع وجود حكومتين متنافستين:
ففى الشرق، يرأس خليفة حفتر الجيش الوطنى الليبي، وتتركز احتياطيات ليبيا النفطية الهائلة فى الشرق. وفى الغرب، تحكم حكومة الوفاق الوطنى من العاصمة طرابلس؛ إذ يوجد البنك المركزى الليبى وشركة النفط الوطنية.
كيف يؤثر الانقسام على الحياة فى ليبيا؟
لقد أُجبر الليبيون على مواجهة تحديات الحياة فى بلد يُحكم كدولتين فاشلتين، وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": "لا تزال الجماعات المسلحة والسلطات مسؤولة عن الانتهاكات المنهجية، بما فى ذلك الاحتجاز التعسفى طويل الأمد، والقتل غير القانوني، والتعذيب، والاختفاء القسري.. ولا يزال المئات فى عداد المفقودين منذ نهاية حرب طرابلس عام ٢٠١٩، ولا يزال الآلاف نازحين فى ليبيا بسبب الأضرار التى لحقت بالممتلكات، أو وجود ألغام أرضية، أو الخوف من الاضطهاد".
إن البلاد، التى تمتد تضاريسها عبر المجتمعات الصحراوية والساحلية، معرضة بشدة لتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري؛ لكن مارى فيتزجيرالد، الخبيرة فى شئون ليبيا فى معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث فى واشنطن، قالت: "إن تحسين وصيانة الخدمات الأساسية والبنية التحتية، مثل شبكات السدود فى البلاد، لم يعد يحظى بالأولوية".
وقالت: "إن النخب السياسية، سواء فى طرابلس أو شرق ليبيا، لم تعطى الأولوية لتحديات البنية التحتية الضخمة التى تواجهها ليبيا".
وبالنسبة لدرنة، المدينة الساحلية الشرقية التى ضربتها فيضانات هذا الأسبوع، كان الوضع مأساويًا بشكل خاص؛ إذ تم تدمير ما يقرب من ربع مدينة درنة. ويعود جزء كبير من بنيتها التحتية إلى الاحتلال الإيطالى للبلاد فى أوائل القرن العشرين".
ماذا تعني انقسامات ليبيا بالنسبة للاستجابة للفيضانات؟
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الطقس المتطرف والجغرافيا الضعيفة والسدود والطرق الضعيفة جعلت فيضانات الأحد والاثنين الماضيين، الأسوأ فى ليبيا منذ قرن تقريبًا.
لكن المحللين يقولون إن السياسة ستكون عاملا مهيمنَا فى تعقيد عمليات البحث والإنقاذ والاستجابة الإنسانية. وقالت كلوديا جازيني، وهى محللة بارزة فى شئون ليبيا لدى مجموعة الأزمات الدولية فى بلجيكا: "إن حدود الحكومة التى تتخذ من طرابلس مقرًا لها لا تستطيع الوصول إلى الشرق.. وإن حد السلطات المتمركزة فى الشرق هو أنها تحتاج إلى دعم [مالي] من طرابلس.. ودعم من المجتمع الدولى الذى يمر، والذى ينسق مع طرابلس لجهود الإغاثة".
وقالت جازيني: إن الجهود حتى الآن تضمنت "شكلًا من أشكال التنسيق"، ولكن لم يتم اتخاذ أى خطوة رسمية نحو "تضافر الجهود بين الجانبين".
وإضافة إلى مشكلات الوصول، قالت فيتزجيرالد: "إن الحكومة الشرقية لم تكن منفتحة بشكل خاص على الغرباء وما إلى ذلك.. لكننى أعتقد أن الاحتياجات ضخمة للغاية، لدرجة أنه لا أحد، فى الشرق أو الغرب، لديه القدرة على الاستجابة لهذا الوضع".
وحتى الآن، أرسلت مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، فرق بحث وإنقاذ ومساعدات طبية.. وأرسلت تركيا عدة طائرات تحمل مساعدات وأكثر من ١٥٠ من أفراد الطوارئ. كما أرسلت قطر، طائرتين على الأقل من المساعدات، بما فى ذلك للمستشفيات الميدانية. وفرنسا ترسل مستشفى ميدانيا.
وقالت الولايات المتحدة إنها ترسل الدعم عبر منظمات الإغاثة بالتنسيق مع السلطات الليبية والأمم المتحدة. كما خصص صندوق الأمم المتحدة المركزى لمواجهة الطوارئ ١٠ ملايين دولار للاستجابة للفيضانات.
وأرسلت الجزائر وإيطاليا والكويت وإسبانيا وتونس والمملكة المتحدة، من بين دول أخرى، أغذية ومعدات طوارئ متخصصة وفرق بحث وإنقاذ.
وأكدت جازيني: "إن الكارثة التى ضربت درنة قد جمعت البلاد والشعب، والأهم من ذلك... لن أعطى وزنا سياسيا للتعاون القائم بين الشرق والغرب، هذا هو التعاون بين الشعوب".