لا ديمقراطية بدون أحزاب ولا أحزاب بدون تعددية.. ولذلك أقر الدستور المعدل عام ٢٠١٩ وجود أحزاب. ففى المادة الخامسة يقر الدستور بالتعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمى للسلطة. كما جاء بالمادة ٧٤ الحق فى تكوين الأحزاب بالإخطار حسب القانون على ألا تقام أحزاب على أساس ديني أو طائفي أو جغرافي.. إلخ. ويكون الحق لكل مواطن أن يختار الحزب الذى يتوافق مع موقفه السياسي ويحقق مصالحه.
نعم بدأت إرهاصات التجربة الحزبية المصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولكن كانت التجربة منقولة ومستنسخة من التجارب الحزبية الأوروبية بعد النقلة النوعية التي أحدثتها الحملة الفرنسية. وبالطبع لم تكن الحياة السياسية المصرية حينها قد تهيأت لممارسة الحياة الحزبية بالصورة السياسية الواجبة، لأننا لانستطيع أن نفصل بين الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بعاداتها وتقاليدها وبين الحياة السياسية التي لم تعرف غير الخضوع المطلق للحاكم تحت أى مسمى. وكان ذلك نتاج حياة مصرية قديمة تأثرت بموروث يعلى الحاكم ويقدسه إضافة إلى كل الحملات الاستعمارية المستبدة التى كانت تؤكد هذا المسار. لذا وجدنا التجربة الحزبية تعتمد على الفرد وتقدس الزعامة الشخصية بعيدًا عن أى مفهوم حزبى أو سياسى يعتمد على برنامج ورؤية سياسية وحزبية تمثل مصالح الجماهير. وللأسف استمر الوضع طوال الوقت يعتمد على الزعامات الشخصية مع بعض التغيرات الشكلية التى لم تغير أى مضمون. وكان نتيجة ذلك ولأسباب أخرى تخص رؤية كل نظام سياسى للحياة الحزبية بين المنع والمنح الذى لم يتجاوز الدور الديكورى فى كل الأحوال. ولذا نجد هذا العدد من الأحزاب التى لا يعرفها أحد ولا هى تعرف أصلًا هويتها السياسية التى تتطابق مع برنامجها الحزبى الذى تم صياغته من متخصصين بالأجر حتى يمكن تمرير الموافقة على الحزب. فطبيعى هنا أن تنفصل هذه الأحزاب عن الشارع السياسي ناهيك عن تلخيص أدوارها فى نفاق السلطة (لا نقول تأييد السلطة) أملًا فى الحصول على بعض المقاعد التشريعية الشئ الذى لا يفيد السلطة ولا يفيد تلك الأحزاب ففقدت دستورية وقانونية تواجدها. هنا وعلى كل الأحوال وبعد حالة استقرار الدولة وبعد عودة الأمن وبعد الفوضى التى شاهدناها ودفعنا ثمنها جميعا. وبعد إسقاط الجماعة وبعد المحاصرة الأمنية للإرهاب الأسود (فالمحاصرة الفكرية لازالت تحتاج إلى الكثير والكثير) لابد من أن نعيد الحياة للممارسة والمشاركة السياسية وعلى كل المستويات وبالطبع فى إطار الدستور والقانون. ولذا كانت قضية الأحزاب هى من القضايا المهمة التى طرحت على مائدة الحوار الوطنى.
مع العلم أن مناقشة الحياة الحزبية والسياسية لا يجب أن تنفصل عن الجوانب الاجتماعية والثقافية وكل الموروث كنوع من توصيف الواقع توصيفًا سليمًا حتى يمكن أن نضع الحلول السليمة التى تتوافق معنا بعيدًا عن نقل الشعارات والمقولات المستوردة التى لا تتوافق مع واقعنا السياسى والاجتماعى. عمليا لا تستقيم الأمور مع وجود هذا العدد من الأحزاب الورقية التى جاءت مع الصدفة فى ظل أحداث يناير، فلابد من عملية دمج حقيقية تركز على التوجهات السياسية الحقيقية فى الواقع المصرى. كما يجب إعطاء الفرصة للأحزاب الحقيقية للتواجد فى الشارع ومع الجماهير. وذلك لزيادة الوعى بأهمية المشاركة السياسية فبدون تلك المشاركة لا حياة سياسية حقيقية وهذا يعنى الوطن والمواطن والنظام السياسى فى المقام الأول. لابد أن يشمل النظام الانتخابى إجراء الانتخابات بالطريقة النسبية إلتى تجعل كل طرف مستحقًا للأصوات الحاصل عليها.
من الطبيعى أن تكون هناك أحزاب موالية وأخرى معارضة على أن يكون هذا على أرضية سياسية تعتمد على برنامج ورؤية كل حزب. هنا ليس بالضرورة أن يظل المؤيد أو المعارض هكذا طوال الوقت ولكن تتحدد الأمور حسب كل قرار الذى يجب أن يكون فى صالح الوطن والمواطن. الأهم وحتى لا أطيل: لا أعلم ماهو المبرر السياسى الذى لا يتوافق مع الدستور (المادة ٧٤) فى الإبقاء على أحزاب دينية تعتمد على رفض الآخر الدينى ولا أقول الآخر السياسى. فهل الحزب الذى يعتبر غير المسلم ليس له الحق فى المواطنة والمشاركة هو حزب دينى أن حزب سياسى؟. ناهيك عن تلك الممارسات التى تحقر من المرأة فتستبدل صورتها بوردة وهذه المرأة مرشحة ستنوب عن الشعب!.. الأمر مهم ويحتاج الكثير من الحوار والمصارحة التى تهدف إلى سلامة الوطن حتى يمكننا جميعًا وفى كل الأحوال مواجهة تلك التحديات التى تتزايد على مدار الساعة داخليًا وخارجيًا. حمى الله مصر وشعبها العظيم.
*كاتب سياسى وبرلمانى سابق