العلمانية من حيث المصطلح والدلالة، ومن حيث الأثر السياسي والاجتماعي، كانت ولا تزال مسار بحث وتساؤل في العديد من الدراسات الغربية، ويجمع كتاب "ما بعد العلمانية.. دراسات نقدية" الصادر مؤخرا عن مركز نماء للبحوث والدراسات عددا من الأوراق البحثية ترجمةطارق عثمان، التي تسلط الضوء على مفهوم العلمانية وإشكالاته في سياقٍ ما بعد حداثي، كما تتساءل عن علاقة العلمانية بالدين، وتحاول الكشف عن مفاهيم العلمانية والعلمانوية والعلمنة.
ويجمع بين بحوث هذا الكتاب خيط ناظم، يطرح أسئلة جديدة عن العلمانية، ويحاول الكشف عن غموض المصطلح وتعقيد الإشكالات التي يطرحها، والمجالات المعرفية والاجتماعية التي يشتبك معها.
ويتضمن مجموعة من الدراسات المترجمة لنخبة من أهم المفكرين المهتمين بمسألة العلمانية.
ففي دراسة «العلمانية الغربية»، يقدم لنا الفيلسوف والمنظّر الاجتماعي المرموق تشارلز تايلور بعض أفكاره الأساسية عن الموضوع، والتي فصل فيها القول في كتابه ذائع الصيت عصر علماني. وفي دراسة «العلماني والعلمانويات» يقدم لنا عالم اجتماع الأديان خوسيه كازانوفا تحليلًا مفاهيميًّا مفصَّلًا لمفاهيم العلماني والعلمنة والعلمانوية مع التركيز على المفهوم الأخير.
بينما يقدم في دراسته «ما بعد العلماني: سجال مع هابرماس»، تحليلًا لمفهوم العلمانية ونقدًا لمفهوم ما بعد العلماني عند الفيلسوف الألماني الكبير يورجن هابرماس. وفي دراسته «مقارعة العلمانوية: العلمانوية والإسلام في أعمال طلال أسد» يستعرض سيندر بانجستاد وينقد مفهوم العلمانوية عند الأنثروبولوجي المرموق طلال أسد.
وفي دراسة «العلمانوية: مضمونها وسياقها»، يقدم لنا عقيل بلجرامي، مشتبكًا مع أفكار تشارلز تايلور، تحليلًا مفصَّلًا لمفهوم العلمانوية، كمذهب سياسي، ولأسس ومبررات تبنيها وتطبيقها.
وفي دراسته «تنويعات التجربة العلمانية»، يقدم جريجوري ستارت نقدًا قويًّا لمفهوم العلماني ومشتقاته، ويحاجج عن أنه مفهوم معياري أو قيمي، متنازع فيه جوهريًّا، وبالتالي قيمته التحليلية ضعيفة أو معدومة.
وفي دراستها «الإسلاموية والعلمنة والعلمانية»، تطبق كاتيرينا دالاكاورا أفكار كازانوفا وتايلور على الحركات الإسلامية، وتبين مدى تغلغل العلمانية في بنية هذه الحركات وممارستها.