تمر علينا اليوم الخميس الموافق 14 سبتمبر ذكرى تولي هارون الرشيد الخلافة العباسية، وذلك بعد مقتل أخيه الهادى؛ إذ تولى هارون الرشيد الخلافة العباسية فى يوم 14 سبتمبر من عام 786 ميلادي.
مَن هو هارون الرشيد؟
هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي القرشي ولد في عام 149 هجري.
وهو الخليفة العباسي الخامس، ولد في مدينة الري عام 149 هجري ـ (766 ميلادي)، وبويع هارون الرشيد بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي عام 170 هـجري وكان عمره آنذاك 22 سنة، وأمه الخيزران بنت عطاء وهي أم ولد يمانية جرشية.
ويعتبر هارون الرشيد من أشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرا حتى في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية في عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (ارون)، والحوليات اليابانية والصينية التي ذكرته باسم (الون)، أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه لدرجة أن أخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص.
وصوره كُتَّاب «ألف ليلة وليلة» التي صورته بالخليفة المسرف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات.
لكن الواقع أن هذا الخليفة كان من خيرة الخلفاء فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وذكر أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ.
وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له ثم إن هذا الخليفة كان حسن السيرة والسريرة.
كذلك كان يصور بصورة الخليفة الحذر الذي يبث عيونه وجواسيسه بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم، بل كان أحيانا يطوف بنفسه متنكرا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها.
والواقع هذه الصورة المتباينة للرشيد ما هي إلا انعكاس للعصر الذي عاش فيه بمحاسنه ومساوئه، وهو العصر العباسي الأول أو العصر الذهبي للإسلام.
وقد تميز عصره بالحضارة والعلوم والازدهار الثقافي والديني، وأسس المكتبة الأسطورية بيت الحكمة في بغداد، وبدأت بغداد خلال فترة حكمه بالازدهار كمركز للمعرفة والثقافة والتجارة.
العهد
لم ينازع الرشيد أخاه الهادي من توليه الخلافة، ولم يدخل معه في صراع، لأنه يعلم أن الصراع على السلطة والحكم مِعول هدم للخلافة الإسلامية التي سعى العباسيون إليها، إلا أن أخاه الهادي أراد عزل الرشيد عن ولاية العهد وجعلها لابنه جعفر من بعده، وهذا يتطلب تنازل الرشيد عن ولاية العهد ومبايعة الولي الجديد.
وأصبح الهادي ينتقد تصرفات أخيه الرشيد في مجالسه ويبدي عدم رضاه عنه، بل وطلب منه أكثر من مرة أن يتنازل عن ولاية العهد، فقد ذكر الطبري في تاريخه أن الهادي بعث إلى يحيى البرمكي، وكان أشد المناصرين للرشيد ليلا ولكن يحيى يشك أن الهادي سوف يقتله لدرجة أنه ودع أهله، وتحنط وجدد ثيابه، فلما أدخل عليه، قال له الهادي: يا يحيى، ما لي ولك! قال: أنا عبدك يا أمير المؤمنين، فما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته. قَالَ: فلم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي!
قال: يا أمير المؤمنين، من أنا حتى أدخل بينكما! إنما صيرني المهدي معه، وأمرني بالقيام بأمره، فقمت بما أمرني به، ثم أمرتني بذلك فانتهيت إلى أمرك، قال: فما الذي صنع هارون؟ قال: ما صنع شيئا، ولا ذلك فيه ولا عنده. فسكن غضب الهادي.
ويرجع سبب هذا الحوار أن الهادي قد علم أن يحيى البرمكي كان يشجع الرشيد على عدم التنازل عن ولاية العهد، ولذلك تكرر تحذير الهادي له أكثر من مرة، إلا أن يحيى البرمكي ظل معاونًا للرشيد يشجعه على عدم التنازل عن ولاية العهد بعد أن رأى أن الرشيد لا يريد أن يدخل في صراع على السلطة والخلافة مع أخيه، وانتهى الأمر بأن أصدر الهادي أمرًا باعتقال يحيى البرمكي، فظل في السجن حتى وفاة الهادي وأخرجته الخيزران ليكون الوزير المقرب من الرشيد.
توليه الخلافة
بويع الرشيد بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى في 14 سبتمبر عام 786، وكان عمر الرشيد وقتها اثنتين وعشرين سنة، وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف متباعدة، تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلسي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال صعبة، ومتابعة الأمور شاقة.
بتولي الرشيد الحكم، بدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية، ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها.