يبدو أن احتفاء «البوابة نيوز» بالزعماء الراحلين في خطوة رائدة منها للحديث عن الشخصيات المصرية التى أثرت في الحركة السياسية والثقافية والفنية، قد فتح الباب للبحث في حياة الزعماء الراحلين، وفي ذكرى الثورة العربية، نبحث في حياة زعيمها أحمد عرابي، والتي كانت حياته مليئة بالمواقف السياسية المهمة في تاريخ مصر.
بدأت رحلتنا مع الزعيم أحمد عرابي في كتب الدراسات الاجتماعية الموجهة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، ومن خلال كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الثالث الإعدادي، سنتعرف على المنهج الخاص بتاريخ مصر في العصر الحديث وبالتحديد خلال الفترة من 1805 وحتى ثورة 23 يوليو عام 1952.
ووفقًا لمقدمة كتاب الدراسات التي تقول «ويتناول الكتاب أحداث من تاريخ مصر الحديث، بدءًا من الحكم العثماني لمصر حتى قياام ثورة 23 يوليو 1952، وحالة مصر تحت الحكم العثماني والحملة الفرنسية على مصر والشام ونتائجها، ونمو الروح القومية التي أدت إلى اعتلاء (محمد علي) حكم مصر في عام 1805، واستمرار مقاومة الاحتلال حتى انبعاث فجر جديد لمصرنا العزيزة في 23 يوليو عام 1952».
وبتصفح فهرس الكتاب وجدنا الوحدة الرابعة في الدرس الثاني من الجزء الخاص بالتاريخ بعنوان «الحركة الوطنية والثورة العرابية»، لتبدأ بوادر الأمل في أن نجد اسم الزعيم أحمد عرابي ونبذه عنه وعن تاريخه النضالي من أجل الحركة الوطنية في هذا الدرس، ولكن كانت المفاجأة.. فلا نتعجب إذا ما نزلنا إلى الشارع وسألنا عن الزعيم ولا نجد أي إجابة من الطلاب.
صورة الزعيم
نعم، لا يمكن أن نجد إجابات بين أبناءنا إذا ما توجهنا إليهم بالسؤال عن الزعيم أحمد عرابي، من هو؟ وما هي حكاية ثورته؟ ومتى ولد؟ وأين نشأ؟ وما هي إنجازاته؟ وما هو دورة في حركة النضال الشعبي؟ فكل ما ذكره كتاب التاريخ عنه مجرد صورة له وهو في الثورة العرابية؟ وهو داخل سجنه.
ولكي نؤكد ما نتحدث عنه فقد تناول الدرس عدد من رؤوس الموضوعات والتي تحدثت عن فترة تولي الخديو توفيق الحكم والسياسات التي اتخذتها قوات الاحتلال من تدخل في الشأن الداخلي المصري، والتي منها إعادة نظام المراقبة الثنائية ورفض اللائحة الأساسية "الدستور" لمجلس النواب.
ثم خرج من هذا الجزء إلى أسباب اندلاع الثورة العربية، والتي لخصها في أربعة أسباب هي «ازدياد التدخل الأجنبي في شئون مصر نتيجة للقروض وفقدان مصر نصيبها من أسهم شركة قناة السويس، والمؤثرات الفكرية العربية التي أدت إلى نمو الوعي القومي وتطورت إلى المطالبة بالدستور والحكم النيابي وسوء الأحوال الاقتصادية في عهد وزارة رياض باشا، واضطهاد عثمان رفقي باشا للضباط المصريين وعدم ترقيتهم»، وبغض النظر عن وجود بعض الأخطاء الإملائية بالكتاب مثل كتابة كلمة سوء هكذا «سؤ»، والمفروض أن تكتب بالهمزة على السطر “سوء”، وكلمة "الإقتصادية" والتي كتبت بهمزة تحت الألف، وهو خطأ لأن كلمة الاقتصادية تعود للفعل الخماسي «اقتصد» وفي القعدة النحوية أن الفعل الخماسي همزته وصل أي لا يكتب همزة مثل فعل "اجتمع" وهذا على سبيل المثال، ولو دخلنا في هذا الشق المتعلق بصحيح الكتابة والحفاظ على النحو والإملاء بداخل الكتب المدرسية سنعثر على الكثير والكثير من الأخطاء التي بالتأكيد ستؤدي إلى كوارث فلا نندهش إذا ما وجدنا طلاب الجامعات لا يعرفون أو يتقنون الإملاء أو الكتابة الصحيحة باللغة العربية.
أسماء بلا تاريخ
نعود للمعلومات التي يقدمها الدرس والتي ينقصها الكثير والكثير فمن هو عثمان رفقي؟ وما هي وظيفته؟، كل تلك المعلومات التي يجب أن يتعرف عليها الطالب في تلك المرحلة حتى يعرف بشكل جيد لماذا حدثت الثورة ولماذا انتفض ضباط الجيش؟ لا إجابة بالطبع.
ربما نجد ضالتنا وما نبحث عنه في الأجزاء أو المقاطع المبوبة بعنوان «معلومات إثرائية» لنجدها تفتح أمامنا الكثير من التساؤلات التي لن ولم تنتهي، فنجد أمام أسباب الثورة العرابية فيها هذا المربع ذو الأضلاع الحمراء «عناصر الثورة العرابية» وقبل أن الشروع في القرءاة.. توقعنا أنني ربما نجد معلومات عن الزعيم أحمد عرابي لكنني وجدنا الآتي: «شارك في الثورة العرابية عناصر عديد منها أحمد عرابي، ومعه مجموعة من الضباط الوطنيين، ودعاة إصلاح مثقفون مرتبطون بالجامع الأزهر وإن احتكوا بالثقافة الغربية، أمثال الشيخ محمد عبده وعبدالله النديم وغيرهم من علماء وطلاب الجامع الأزهر وتلاميذ السيد جمال الدين الأفغاني»، هذا في الشق الخاص بالمعلومات الإثرائية والتي لم تقدم أي جديد سوى مزيد من ذكر الأسماء التي لم يُعرف عن أي منهم أو عن دوره أو عن حياته ولكل من تم ذكرهم تاريخ نضالي وثقافي طويل.
ودون أي ذكر عن أحمد عرابي سوى اسمه فقط ينتقل الدرس إلى أحداث ثورة عرابي والمراحل التي مرت بها مثل حادث قصر النيل، حيث تقدم أحمد عرابي وزملائه بشكوى إلى مجلس الوزراء في منتصف يناير عام 1881 يطالبون فيها بإقالة عثمان رفقي ناظر الجهادية، فأمر الخديوي بالقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة أمام مجلس عسكري، وتم اعتقالهم بسجن قصر النيل، ونتيجة تحرك رجال الجيش تم إخراج عرابي وزملائه بالقوى فاستجاب الخديوي لمطالبهم وعزل عثمان رفقي، وتم تعيين محمود سامي البارودي بدلا منه، ثم الحدث الثاني للثورة العرابية وهي «مظاهرة عابدين في 9 سبتمبر من نفس العام أي عام 1881، والتي خرج فيها الزعيم أحمد عرابي على رأس الجيش ومعه الآلاف من الوطنيين إلى "ساحة عابدين" في مظاهرة يطالبون فيها بإسقاط الحكومة المستبدة برئاسة رياض باشا، وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوربي، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي، وهذا الحوار الدائر بين الخديوي توفيق وأحمد عرابي خلال أحداث المظاهرة ليرضخ الخديوي لطلبات عرابي وزملائه ويوافق طلباته ويأمر بتشكيل الوزارة واسنادها إلى شريف باشا.
أما في الجزء المتعلق بالمعلومات الإثرائية فقد ذكر على استحياء جزء من الحوار الذي دار بين عرابي والخديوي توفيق على النحو الآتي: «أعلن الخديو لعرابي أنه ورث ملك هذه البلاد عن آبائه وأجداده، وما هم إلا عبيد إحسان فكان رد عرابي جرئيًا وحاسما، فقد قال عرابي للخديو "لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، فوالله الذي لا إله إلا هو سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم"».
نعود مرة أخرى للحديث عن الزعيم أحمد عرابي والبحث عنه بداخل كتاب التاريخ وبعد الحديث المقتضب بين الخديوي توفيق والزعيم أحمد عرابي والذي كان يجب التطرق إليه بشكل أكبر وأعمق يذهب القائمون على سرد تلك الفترة الزمنية المهمة في تاريخ مصر نحو بعض الأحداث ومنها تكوين وزارة شريف باشا واجراء الانتخابات لمجلس النواب الجديد في ديسمبر عام 1881، والإشكالية التي نشأت بينهم بسبب أن شريف باشا كان يريد أن يرجئ مناقشة الميزانية واللائحة الأساسية للمجلس حتى لا يحدث صدام مع الدول الأوربية، ثم بداية أخرى للزعيم أحمد عرابي مع تولى محمود سامي البارودي في فبراير عام 1882 والتي أُسندت فيها وزارتا البحرية والجهادية إلى عرابي، وبالفعل قامت وزارة "البارودي" بإصدار اللائحة الأساسية للدستور والتي نصت على مسؤولية الوزارة أمام مجلس النواب وحق المجلس في مناقشة الميزانية وإقرارها.
ألغاز داخل كتاب التاريخ
أحيانًا قد نلجأ إلى ذكر لغز حتى نحث الطالب على البحث والتدوير وتشغيل عقله ليعرف معلومة ما أو يكتشف أمر ما، ولكن لا توجد ألغاز في التاريخ ولابد أن نتطرق للحقائق لأنها أحداث حدثت بالفعل، وقد مرَّ عليها عشرات السنوات، هل تستطيع حل اللغز؟!
فجأة في المقطع الخاص بوزارة محمود سامي البارودي في الفقرة الثانية والأخيرة تقول «اكتشفت مؤامرة من الضباط الشراكسة لاغتيال عرابي والضباط الوطنيين للإطاحة بالوزارة الجديدة مما ترتب عليه محاكمة المشتركين في المؤامرة والحكم عليهم بالنفي إلى أقاصي السودان، ولكن الخديو رفض التصديق على الحكم، مما أدي إلى زيادة التوتر بين الوزارة والخديو».. ونخرج هنا بلغز أخر من هم الضباط الشراكسة؟! وما هي قوتهم بداخل الجيش المصري؟ وما هو قوام الجيش المصري وعدد المصريين فيه؟ وعدد الضباط الأجانب.
نفتح مجالات أخرى كثيرة من التساؤلات التي لا وجود إجابة عنها.. والسؤال الأكبر هنا.. ماذا نقدم لأبناءنا من معلومات؟، وأين يمكنهم البحث حتى يستطيعون الحصول على معلومات صحيحة، وقد نكون أمام تساؤل أكبر.. من يكتب التاريخ؟، وهل نحن في حاجة ماسة إلى إعادة كتابة التاريخ المصري وفقًا لما تم توافره من حقائق ووثائق عن تلك الفترة التاريخية؟، أم نعتمد على بعض الترجمات التي تأتي من المحتل الغربي وما كتبوه عنا وعن تلك الفترة التاريخية؟ تساؤلات نطرحها حتى نستطيع اللحاق بما فاتنا وما سنقوم به مع الأجيال الجديدة.
نستكمل وتيرة الأحداث التي صاحبت الزعيم أحمد عرابي والثورة العربية والمذكرة المشتركة بين بريطانيا وفرنسا التي طالبت بإقالة البارودي وإبعاد عرابي وزملاءه خارج البلاد، حتى أصدر الخديو في يوليو 1882 أمرًا بعزل عرابي من وزارة الحربية، وتحذير المصريين من الانضمام إليه حتى زاد الدعم المصري لعرابي ودارت معركة كفر الدوار بين الجيش البريطاني والقوات المصرية وتمكن العرابيون من صد هجماتهم، وتحركت القوات البريطانية إلى منطقة القناة، فعقد أحمد عرابي مجلسًا عسكريًّا للنظر في أمر قناة السويس والذي أجمع على ضرورة تعطيل الملاحة في القناة.
ليأتي بعدها الحديث عن معركة التل الكبير ثم دخول القاهرة والتي لم يتعد الحديث عنهما سوى بعض السطور القليلة وحتى محاكمة العرابيين واعتقالهم حتى أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بإعدام قادة الثورة العرابية في ديسمبر عام 1882، ثم عُدلت الأحكام إلى النفي المؤبد ومصادرة أملاكهم، وبالفعل تم ارسالهم إلى جزيرة “رسلان: بالهند وهكذا انتهى الحديث عن الثورة العربية في كتاب التاريخ”. ليبدأ أمامنا منحنى آخر نبحث عنه وهو السؤال الأهم هل تلك المعلومات كافية لإعداد جيل جديد من المصريين يعرف تاريخه حق المعرفة.. فأين الإشكالية؟.. هل هي المعلومات القليلة أو القشور التاريخية؟ أم النظام التعليمي أم المدرس نفسه؟ أم ماذا؟