الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النقد الموضوعى وضحاياه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعرف كل من له علاقة بالفنون والإبداع في كل المناحي أهمية النقد ودوره، فلا يقتصر أن يحلل العمل ورموزه ولكن عليه أن يغطي بوعي كل العناصر الفنية من قصة وإخراج وحركة كاميرا وأداء وإضاءة، فهو الوسيط بين المبدع والجمهور، وعليه أن يلتزم الموضوعية ولا يكون ناقدًا انطباعيًا باحثًا فقط عن السلبيات أو عن الايجابيات وينحصر حديثه في إحداهما.

دور الناقد حتمي ومهم جدًا مادام هناك عمل ينتج وعليه يجب أن يكون الناقد مُحبًا للسينما أو المنتج الدرامي ومدركًا بتطورات الأحداث وتاريخ الإبداع ولديه قدر كبير بالمعرفة السياسية والأدب والتشكيل والموسيقى حتي يلعب الدور المنوط به كهمزة الوصل بين الجمهور والعمل وكذلك وضع الضوء علي سلبيات العمل ليتجنبها كل المشاركين وتكون آراؤه بوصلة يستفيد منها كل من شارك في العمل الفني، وهنا يأتي السؤال: هل لدينا عدد كافٍ من تلك النوعية من النقاد التي تدفع بالإنتاج الفني إلى التجويد ونشر قيم التصالح مع الحق والخير والجمال وقيم الولاء والإنتماء مما يضيف إلى التاريخ الفني المصري العريق والثري بأعمال مازلنا نتابعها وبعضها شرفنا في كثير من المحافل والمهرجانات العالمية؟.

الإجابة أعتقد وبموضوعية لغير صالح النقد فما زال البعض من المنتجين يبحث عن فنون تعتمد علي كوميديا ساذجة وأكشن دخيل منقول ومقلد لبعض الأفلام الأمريكية من مطاردات وعنف يصل إلى حد الرعب والفزع وأحيانًا الدجل للأسف، فتوارى النقد المهني الواعي إلا القليل وكثيرًا ما نجد بعض مجاملات ومهرجانات بعضها للترضية والأخرى سبوبة وتضيع أعمال تبهرني وتبهر الجمهور ولكنها لا تجد المدافع أو الناقد الموضوعي الذي يكتسب ثقة المبدع والجمهور، وتلك مهزلة أرى من نتائجها التي عاصرتها ما حدث مع المخرج القدير يوسف شاهين فقد حضرت معه في باريس عرض فيلم «إسكندرية كمان وكمان» مع شقيقي محمد نوح فقد كان واضعًا لموسيقي الفيلم، هالني كيف قابل الجمهور الفرنسي المخرج العبقري، وقف الجمهور ما يقرب من خمس دقائق يصفقون للرجل بمجرد دخوله البنوار.

وهنا يأتي سؤال آخر: هل تم نقد موضوعي مهني لأفلام المبدع يوسف شاهين؟ أم كان بعض النقد إنطباعيًا طيبًا وغير مهني علي الاطلاق وتركناه لجمهور الترسو يطلقون عليه كلمات ساذجة مثل «أفلامه غير مفهومة وبيعمل تغريب» ويبحثون عن الكمال وما يدركوه من سذاجة نابعة من أفلام تشجع علي الهطل ويلعب المخرج دور البلاسير حين يستقبل رواد السينما ليرشدهم لمقاعدهم فيلعب المخرج نفس الدور للوصول بالمشاهد إلى النهاية السعيدة وزواج الحبيب بالحبيبة وزفة وإستعراض ممجوج لراقصة أو أن يموت المجرم وتأتى الشرطة في نهاية الفيلم ليخرج المشاهد سعيدًا راضيًا، رغم أن تلك نوعية من السينما تساعد علي عدم إعمال العقل، وكما قال القدير زكي نجيب محمود: «حلول الصدف تبعدنا عن المنطق وإعمال العقل»، وكما قال كافكا، الكاتب التشيكي: «الرواية التي لاتصدمك لاتستحق القراءة».

إنها دعوة للاهتمام بالإبداع والنقد ولا نختلف مع كل جديد وإنما نترك المجال مفتوحًا لفرز الأفكار الجديدة وأرجو أن ندرك أنه حين تجد نفسك مختلفًا مع كل جديد من ذوق وإبداع تذكر أنك كبرت عمرًا وتلك صفة حياتية فسيد درويش كان مرفوضًا من جمهور التخت والغناء المبني علي السلطنة والأداء التركي، وحين ظهر عبدالحليم كان يرفضه البعض وحين ظهر محمد نوح بعضهم كتب موسيقي القرود وحين ظهر عمرو دياب أطلق البعض عليه مطرب التنطيط.

النقد الموضوعي والمهني هو الحارس للإيضاح وتنوير الناس بمفردات الإبداع فالمشكلة الحقيقية أن البعض يعرف في التمثيل ولا يعرف في الإخراج ومن يدرك الإخراج لايدرك قيم التشكيل ومصدر الضوء والعدسات والكادرات وقيمة الكلوز وحتمية اللونج ومتي يتحدث الممثل بظهره ومتي يقف على العالي في الديكور واستخدام السلالم في حركة الممثل ولماذ تستحم البطلة ثم لماذا ذهبنا إلى البحر لارتداء المايوه وما السبب! ولا يمكن أن يكون شباك التذاكر لجذب المراهقين، ومتي يقف الممثل في كادر أو أرش.

يا سادة لدينا خلال مشوار السينما الطويل عباقرة في الإخراج قدموا وبوعي كل ما ذكرت ويدركه كل عاشق مدرك لفنون السينما والدراما والمسرح وكل من قرأ لأكسندر دين أو فن الإخراج السينمائي لسيدني لوميت. مصر بلد عظماء الإخراج، مصر بلد صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وحسين كمال وحلمي رفله ونيازي مصطفي وبركات وعاطف سالم وحسام الدين مصطفي وحسين كمال وسعيد مرزوق.

هل لنا أن نتعرف على بعض أسماء النقاد كان لهم الفضل في وجود سينما نفتخر بها ونشاهدها كلما عرضت علي شاشات التليفزيون، وأتذكر منهم يوسف شريف رزق الله، كمال الملاخ، كمال رمزي، علي أبو شادي، سمير سرحان، د. عبدالمنعم تليمة، د. عبدالقادر القط، د. جابر عصفور، جليل البنداري، د. علي الراعي، د. صلاح فضل، د. غالي شكري، أحمد صالح، سمير فريد، د. وليد سيف، أحمد الحضري، تلك أمثلة أضعها لنتعرف عن أعمال سينمائية وأدبية كتب عنها هؤلاء العظماء وكيف كانت نتائج ما إنتجته فنون الإبداع في عصر النقاد الحقيقيين. النقد هو قاطرة التنوير للمبدع وللمتلقي، حفظ الله مصر ومبدعيها فهي تنطلق وتستحق.

حسين نوح: ناقد وفنان تشكيلى