كشفت هجمات 11سبتمبر2001 الإرهابية عن الوجه البشع للتنظيمات الدينية المتطرفة، التي انطلقت تنشر رعبها بأذرع وفروع عدة، كلها تأسست على فكر جماعة الإخوان الإرهابية، ورموزها أمثال حسن البنا مؤسس الجماعة، وسيد قطب منظر التطرف العالمي، حيث نبهت العلميات الإرهابية العالمية إلى خطورة الحركات الإرهابية وتأثيرها العداوني على الجميع.
في كتابه "الإرهاب.. مقدمة قصيرة" شرح البريطاني تشارلز تاونزند، أستاذ التاريخ الدولي بجامعة كيل، تصاعد المد الإرهابي منذ تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية مرورا بالعمليات الإرهابية التي نفذتها جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، وصولا للهجوم على برجي التجارة العالمية في أمريكا على يد عناصر تنظيم قاعدة الجهاد.
وأشار مؤلف كتاب "الإرهاب"، إلى أن حركة الإسلام السياسي كانت حركة مهمة في مصر منذ تأسيس جماعة الإخوان على يد مدرس وهو حسن البنا، في عام ١٩٢٨، كان البنا يهدف إلى مكافحة تقويض القيم الإسلامية من جانب النظام التعليمي الغربي، وكان من بين أول من وضعوا في عبارات واضحة الإسلام في مقابل «الغرب» باعتبارهما نظامي قيم غير متوافقين بالمرة.
ووفقا لمؤلف الكتاب، فإن المقابلة بين الغرب والإسلام التي زرعها حسن البنا في أتباعه، ظلت تتصاعد، وأصبح أتباعه من الجماعات الإسلامية يؤمنون بأن قيام الإسلام ونهوضه يمر بمواجهة الغرب ومحاربته.
في نفس الوقت أشار "تاونزند" عدة مفارقات وتناقضات وقعت فيها هذه الجماعات التي تزعم مقاومة الغرب ومناهضته، أولها أن التمدد السريع والانتشار الكبير الذي شهدته جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ نشأتها وحتى عام 1946 كانت مصر آنذاك خاضعة للهيمنة البريطانية، وهنا يعتقد المؤلف أن وجود الإنجليز في مصر كان يزيد من الإحساس بالتوتر مع الغرب ما دعم فكرة حسن البنا وجماعاته في أنهم تأسسوا لمقاومة هذا الغرب الذي يهدد القيم الإسلامية.
وعن بداية العمل الإرهابي، أشار المؤلف إلى أنه بداخل الجماعة كانت هناك "منظمة داخلية صغيرة من الرُسل الروحانيين الذين كانوا ينفذون عمليات إرهابية متفرقة، تهدف أولًا إلى قتل الخائنين للإسلام". وفيها إشارة لعمليات التنظيم الخاص التي وجهت ضد عدة شخصيات محلية.
وأشار أستاذ التاريخ لتنامي الصدام بين الجماعة والدولة بعد تأسيس جمهورية مستقلة على يد الرئيس جمال عبدالناصر، وخاصة بعد محاولة الإخوان لاغتياله في العام 1954 وصولا لإعدام أكثر خلفاء "البنا" وهو سيد قطب، المؤسس الثاني والأكثر تطرفًا في الجماعة.
لفت المؤلف إلى ظهور جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية، كما أوضح دور الرئيس السادات في دعم نفوذ قوة الإسلام السياسي، حيث رفع الحظر عن الجماعة، حتى تم اغتياله في العام 1981 في مشهد درامي كرد فعل على تصالح السادات التاريخي مع إسرائيل، وعلى حملات الاعتقال الواسعة للمتطرفين الدينيين، لكنه كان يمثل أيضًا إشارة على الهجوم المتزايد على حياة الدولة المصرية العلمانية، من قبل جماعتين مروعتين انبثقتا عن جماعة الإخوان المسلمين؛ ألا وهما الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد.
ورأى المؤلف أن جماعة الجهاد أكملت منطق حجة تيار الإسلام السياسي بالإصرار على مركزية «الفريضة الغائبة»؛ أي الصراع المسلح، لم يكن ذلك يعني الإرهاب بعد؛ إذ إن جماعة الجهاد خططت لاغتيال السادات باعتبار ذلك «انقلابًا» سيكون بمنزلة الشرارة الأولى لتمرد جماهيري عام، وهو ما لم يتحقق قط.
عانت الجماعة من قبل نظام حسني مبارك في السنوات التالية؛ إلا أن التجنيد في تلك الجماعات يبدو أنه يزداد، لا ينحسر، في ظل القمع، وفي هذه الحالة عوضوا أكثر من الخسائر التي تكبدوها مع عودة المئات من المتطوعين، الذين ذهبوا إلى أفغانستان للمحاربة في صفوف «مجاهدي» طالبان ضد الحكومة الماركسية.
وهنا لا يفوت المؤلف أن يشير إلى أن محاربة الجماعات الإسلامية ضد الروس في أفغانستان كان ممولا من الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي تعاندها الجماعات وتعتبرها عدوا، لكنه من الواضح أن أمريكا لعبت بهذه الجماعات واستخدمتها في حربها ضد الروس.
في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، تحولت الجماعات إلى إطلاق حملة إرهابية بالكامل تستهدف صناعة السياحة، وهو الهدف الذي كان صادمًا بصورة خاصة في الغرب، وأيضًا يتضمن هجومًا على الغرب نفسه من خلال الإضرار الاقتصادي بالدولة المصرية.
وتبع ذلك سلسلة من حملات إطلاق النار على الحافلات السياحية والرحلات النيلية في أواخر عام ١٩٩٢، سلسلة من الهجمات واسعة النطاق باستخدام البنادق الآلية والقنابل اليدوية على أهداف واضحة مثل فندق أوروبا في القاهرة في عام ١٩٩٦، ثم مذبحة قتل ٥٨ سائحًا في معبد الأقصر في عام ١٩٩٧.
كان الضرر الاقتصادي هائلًا؛ إذ فقدت الدولة فرصة تحقيق عوائد تصل إلى ملياري دولار أمريكي مع بداية القرن. وهكذا على الرغم من أن الآلية النهائية التي تستشهد بها هذه الجماعات هي الله، إذ أعلنت الجماعة الإسلامية في عام ١٩٩٦ أنها ستواصل معركتها في ثبات حتى يمن الله علينا بالنصر.
ومن الواضح أنه أينما توفر للجماعات الإسلامية القوة العسكرية اللازمة مثلما هو الحال في أفغانستان فإنها لا تقصر استخدام العنف على ما يعكس حوارها البياني أو الرمزي مع الله، بل ينتقلون بمفهوم الجهاد إلى مجال الحرب المفتوحة.
حرب الخليج أيضا فتحت الباب أمام الجماعات لاعتبار أن الغرب يزيد من تدخله في العالم الإسلامي والعربي. وعن تنظيم القاعدة أكد "تاونزند" أن هيكلهم ظل سرًّا غامضًا، بالطبع بالنسبة للوكالات الاستخباراتية الأمريكية، على الأقل حتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكان يجمع أعضاء تنظيم القاعدة فكرة جوهرية أكثر من تنظيم رسمي يوحدهم، وكانت أحداث حرب الخليج في عام ١٩٩١ سببًا في تحوُّل أسلوبها في الدفاع عن الإسلام. حتى الوقت الذي رفضت فيه الحكومة السعودية عرض بن لادن بإنشاء قوة عسكرية للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد تهديد الغزو العراقي، كان بن لادن ينظر إلى العمل العسكري التقليدي باعتباره عملًا في غاية الأهمية. لكن قبول السعودية التدخل الأمريكي ضخَّم بشدة في عيني بن لادن الخطر الذي يمثله الغرب، والذي تنبأ به البنا وقطب قبل وقت طويل.
وهكذا فإن جماعة الإخوان الإرهابية أطلقت عبر كتابات رموزها المتطرفة وعبر الجماعات التي تخرج من مطبخها السري، أن الغرب يمثل عودة عصرية للصليبيين، ويجب مقاومتهم، بغض النظر عن الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد العربية من وراء ضرب المواسم السياحية مثلا، لقد أطلقت الجماعات صيحات متوارثة تمثلت في مقاومة الصليبيين الجدد.
في رسمه لخريطة ذهنية تقريبية لوضع الجماعات الدينية في موضعها من حيث الدور التي تقوم به، عدَّ الكاتب والمفكر طارق حجي الكتابات الفقهية للحنابلة وخاصة كتابات ابن تيمية وابن قيم الجوزية والشيخ محمد بن عبدالوهاب بمثابة الجذور لشجرة الإرهاب، فمنها يمتد كل تنظيم متطرف، يستقي معلوماته، ويبرر سلوكه العدائي من فتاوى هذه المدرسة السلفية، أما ساق الشجرة فيراه "حجي" متمثلا في جماعة الإخوان، لأن كتابات حسن البنا مؤسس الجماعة وكتابات سيد قطب التي طرحت تفسيرا حركيًا لهذه السلفية، وصبغت تفكير كل التنظيمات الآتية بعدها، لأن هذه التنظيمات تعود بشكل أساسي لأفكار سيد قطب وتتمثلها جيدا.
فروع الشجرة، بحسب "حجي" هي "التنظيمات العديدة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد وحماس والقاعدة وبوكو حرام غرب أفريقيا، والشباب في الصومال، وداعش والنصرة وبيت المقدس. إلخ. وكل هذه الكيانات، كيانات الجذور وكيانات الساق وكيانات الفروع، تشترك فى الأدبيات التى تشكّل أسسها الفكرية، وتشترك فى الأهداف الاستراتيجية، ولكنها توزع المهام فيما بينها".