عندما سألت الشاعر المبدع نزار قباني وقلت له: إذن أنت تؤكد أن الحب يحتاج دومًا إلى حفلة احتراق أعصاب..! فوجئت بتغير ملامح وجهه وهو يجيب بلهجته الشامية مؤكدا على رأيه بقوله: طبعا.. طبعا.. أنا لا أومن بالحب الذى يعيش دائما في حالة طمأنينة.
يا سيدي، السكينة تقتل الحب.. سيتحول الحب إلى عادة.. سيفقد الإنسان أحاسيسه.. لابد من حالة التوتر.. لابد من وجود النار فى ثياب العاشق.. أكرر لك مرة ثانية لابد من وجود النار فى ثياب العاشق.. لا أهمية لحب يطلب بوليصة تأمين على عشقه.. فالعشق مغامرة.. ولابد لمن يريد أن يعيش المغامرة أن يكون مستعدا للقاء قدره.
مرت ثوان صمت بعدها كأنه كان يريد منى أن أوافقه على رأيه لكننى فاجأته بسؤالى: ما معنى أن العشق مغامرة؟ ماذا تقصد بهذا التعبير؟ أجابنى وهو يزيد من تأكيد ما قاله فى حديثه نعم.. العشق مغامره.. لم يكتف بهذا التعبير ولكنه أضاف بانفعال شاعر: نعم العشق مغامرة تتقدم فيها إلى مجهول.. إذا تقدمت للمعلوم فأنت لم تصنع شيئا.. لابد للإنسان أن يكون له طموحات سواء فى حياته العاطفية أو الفكرية أو السياسية.. الوقوف دائما فى مكان واحد موت للشعر..
قلت له: وتقصد أيضا موت للعشق.. ابتسم وكأنه كان يريد أن يقولها ولكنه خبأها فى كلمة الشعر.. أكملت ولك قول أيضا بأن على المحب أن يتربص كثعلب فى حبه؟ أجاب وكأنني ذكرته بهذا القول فأسرع بتكملة حديثه بقوله: مظبوط...صح..طبعا..الإنسان عبارة عن ثورة نائمه دائما فى الأعماق.. من يحقق المعجزات هو الإنسان القلق.. والثعلب قلق.. دائما متربص.
سألته بعد أن رأيت توهج إجابته وصهد مشاعره ولك قول أيضا وهو أن العربي يحب بأظافره وأنيابه وأسنانه ماذا تقصد بهذا التعبير؟ ازداد انفعاله وهو يقول لى: يا سيدي الحب حالة حضارية.. انظر إلى شباب اليوم تجدهم غير متحضرين فى الحب وقبل أن تقول لى كيف؟. أقول لك انه لا يوجد لديهم وقت .. هم يريدون أن يأكلوا الأشياء.. والحب لا يأكل.. الحب هو أن تستوعب الطرف الأخر..تقيم معه حوارا.. عاشق اليوم يذهب "الروك أندرول" يرقص.. فى "الديسكو" يرقص.. يأكل سندوتش على الماشى.. نحن فى شبابنا كنا نلتقى فى مطعم صغير توجد شمعه به.. نهمس.. تتلامس أيدينا لتتحاور.. اليوم تجد الشاب يقود "موتوسيكل" ووراءه امرأة لينطلق بسرعه( ١٢٠) كيلو مترا فى الساعة.. هل هذا حب.. لا.. أنا أريد أن يأخذ الحب إطاره الحقيقى.. الحب ليس وليمة.... هل تعرف لماذا قلت ان الرجل العربى يحب بأظافره وأنيابه وأسنانه..لانه يرى المرأة شريحة لحم يأكلها.. أريده أن يجعلها وردة يشمها.. لوحة يشاهدها.. ولا يعتبرها سجادة إيرانية ينفضها ويضربها..
قلت وماذا عن الحب فى قصائد شعراء اليوم؟.. قال وقد عاد إليه هدوء انفعال مشاعره: شعراء الماضى لم يطلعوا على ثقافة اليوم.. تستطيع أن تقول إن شعراء الماضى كانوا محكومين بثقافه التراث... نادرا منهم من استطاع أن يطلع على الأدب الأوربى أو الثقافة العالمية، لذلك ظل إنتاجهم محدودا فى حدود البيئه العربية واحساسهم بها..حتى صياغاتهم كانت صياغات مأخوذة من ذلك..أما الان وعلى وجه التحديد من الخمسينات حتى اليوم حدثت هزة فى الشعر العربى..صار الشعراء مسلحين بثقافة أجنبية كثيرة.. منهم من درس فى الخارج.. ومنهم من سافر كثيرا.. وقرأ أكثر.. دخلوا متاحف.. ومسارح عالمية.. لذلك تجد القصيدة العربية المعاصرة أكثر حداثة وأكثر عالميه من قصيدة الماضى....
من فضلك هل يمكن أن تخبرنى عن ما هو الحب عندك؟
"بإذن الله الأسبوع القادم أكمل لك الحوار مع "نزار قباني" أكبر شاعر عربى كتب شعرا فريدًا عن المرأة والحب".